عصابة كبرى تبتلع مثيلتها الصغرى

2020.03.01 | 23:11 دمشق

alahtlal_alrwsy.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد اختراع شماعة "داعش"، وبعد الإسراع بتشكيل التحالف الدولي لمحاربتها، وبعد تصريح "أوباما" بأن القضاء على داعش يحتاج إلى 15 عاماً، وبعد تيقّن روسيا بأن لا مكان لها في ذلك التحالف، وبعد فشل ميليشيات إيران في إنقاذ النظام الأسدي؛ استشعر بوتين أن ما يمكن أن يشغل العالم عن أزماته في القرم وجورجيا والعقوبات الأمرو-آروبية على اقتصاده المُنهَك، هو بالقفز إلى سوريا مستحوذاً بسهولة على منظومة استبدادية حاكمة جاهزة لبيع سورياً مقابل البقاء على كرسي الدم.

في أيلول من عام 2015، كان الاقتحام الروسي الاحتلالي لسوريا، الذي استهلّه بوتين بتصريح يقول إنه سينهي الإرهاب في سوريا خلال ثلاثة أشهر. وحتى الآن، لا يزال "يقاوم <الارهابيين>"  أي <الشعب السوري> ؛ ولم ينته بعد.

إضافة إلى تحويل نظام الأسد إلى ما يشبه "حكومة فيشي"، التي أمر "هتلر" بتأسيسها في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، فقد استلزم إحكام سيطرة بوتين على سوريا: اتفاقات مع أمريكا، /لافروف-كيري/ والذي تم بموجبها تعهيد المسألة السورية للروس؛ واتفاقات مع تركيا، /أستانة، سوتشي/ في احتيالات "خفض التصعيد"؛ واتفاقات مع إيران، تعهدها بموجبها القتل على الأرض، وتتكفل موسكو بالسماء؛ وتفاهمات مع إسرائيل، تحصن بموجبها "حدودها" وتقصف حيث تشاء، مقابل رضى ودعم في المحافل الدولية.  

عصابة بوتين، رغم جشعها، تدرك أن أمريكا- لنصف قرن قادم- تتحكم بمصير العالم، وخاصة منطقتنا؛ وما تعهيد سوريا لها عبر اتفاق "كيري-لافروف" إلا لأن أمريكا تريد استخدامها كقفاز تجني المكاسب منه

وفي التفصيلات، تصرّف الروس في مجلس الأمن كقوة احتلال مُنتَدَبة وكمحامي دفاع عن اجرام منظومة الأسد الاستبدادية غير عابئين بسجل قاتم السواد في حماية الجريمة وسحق حقوق الإنسان. إقليمياً، طوّرت علاقة شبه استراتيجية مع تركيا؛ ولكن بأفعالها الأخيرة، تكاد تجهز على تلك العلاقة؛ أما تجاه إسرائيل، فإنها تلعب اللعبة الأرخص، كي تساعدها في تقديم أوراق اعتمادها للغرب وللصهيونية العالمية، غير مدركة أن ذلك ما استقام تاريخيًا، ولن يستقيم؛ لأنهما لا يريان في روسيا بوتين إلا أداة للاستئجار، ينتهي مفعولها بتحقيق أهداف العرّاب الأكبر.... الأمر ذاته بالنسبة لأمريكا؛ فعصابة بوتين، رغم جشعها، تدرك أن أمريكا- لنصف قرن قادم- تتحكم بمصير العالم، وخاصة منطقتنا؛ وما تعهيد سوريا لها عبر اتفاق "كيري-لافروف" إلا لأن أمريكا تريد استخدامها كقفاز تجني المكاسب منه، وترميه عند انتهاء الحاجة.. عصابة بوتين تفعل الشيء ذاته مع ملالي طهران؛ فهي على بيّنة بمشروعهم، وتدرك جشعهم وعملهم لإنفاذ مشروعهم الخبيث في محيطهم، وتستغل حالة الخنق التي يمارسها الغرب عليهم؛ فتعمل معهم بطريقة الابتزاز إلى درجة إعطاء الإحداثيات للطائرات الإسرائيلية كي تستهدفهم في سوريا. وفي النهاية هي جاهزة أن تبيعهم، لمن يدفع أكثر. زيادة على كل ذلك، تدرك عصابة بوتين مدى تفتت داخلها اقتصادياً واجتماعياً، وتعرف الملفات المتراكمة عليها من القرم إلى جورجيا ثم إلى قضية الصواريخ، وصولاً إلى سجلِّها في حقوق الإنسان، وما تراكَمَ عليها من ملفات إجرامية إثر أعمالها العسكرية في سوريا؛ ولكن عقل العصابة هو الطاغي؛ والمتمثل بالإفلات لحظة دنوّ الحساب.

وبعد انتهاء كذبة الأشهر الثلاثة؛ ويكاد يبلغ عمر الاحتلال الروسي لسوريا الخمس سنوات؛ وبدل أن تتعافى سوريا بتخليصها من الإرهاب، الذي دخل بوتين سوريا من أجله، يكاد بوتين أن يتخلص من كل سكان سوريا، ولا زال يتحدث عن محاربة الاٍرهاب؛ فمن لم يتشرد إثر القصف يكاد يموت جوعاً ومهانة وضيق حال؛ وبدل أن يجعل النظام الذي يحميه مقبولاً دولياً- عله يعيد تأهيله- ساهم برفع نسبة جرائمه ونبذه دولياً، لدرجة أنهما أصبحا النسخة ذاتها بالجرائم والوقاحة والانفصام عن الواقع.

السوريون ببساطة أمام عصابة صغيرة حكمتهم لعقود، وقد رفعت عند تعرضها للخطر، شعار: /أحكمكم أو أقتلكم/، وأمام ميليشيات ومرتزقة آخرين جلبتهم إيران وحزب الله؛ وأمام عصابة أكبر لها شكل قوة عظمى تسمى روسيا 

إذا صحت تلك التقارير التي تتحدث عن تغذية وتمويل محمية خليجية لأعمال بوتين في سوريا، فإن ذلك التدخل البوتيني في سوريا ما هو بإستراتيجي، ولا من أجل المياه الدافئة، أو محاربة الإرهاب؛ بل بندقية أو طائرة مقاتلة للإيجار. وهذا ربما يفسر أيضاً تحويل سوريا إلى معرض للأسلحة، حيث لا يتوقف بوتين ومسؤولون روس آخرون عن الحديث والتباهي بمئات أصناف الأسلحة التي أثبتت نجاحها بامتياز في قتل السوريين وتدمير بلدهم. ويفسر هذا أيضا الغايات المادية البحتة وراء تلك الرغبة الروسية الجامحة بعودة اللاجئين السوريين وإعادة الإعمار. فمن يريد ذلك لا يقتلع المواطنين من بيوتهم، ولا يدمر مناطقهم. وهذا ما يسقط كل هذا التشدق والمزاعم الروسية بالاهتمام بسوريا. 

السوريون ببساطة أمام عصابة صغيرة حكمتهم لعقود، وقد رفعت عند تعرضها للخطر، شعار: /أحكمكم أو اقتلكم/، وأمام ميليشيات ومرتزقة آخرين جلبتهم إيران وحزب الله؛ وأمام عصابة أكبر لها شكل قوة عظمى تسمى روسيا بمقعد في مجلس الأمن، وسلاح نووي، ورئيس أشبه برئيس عصابة يتنقل من رئاسة الدولة إلى رئاسة الحكومة، ثم يعود رئيسًا للدولة؛ وعام 2024 -وبعد ابتداع تشريعات على مقاس عقله الاستبدادي- سينتقل إلى منصب يعلو الرئاسات ويفوق البرلمانات.

وهكذا تنتهك روسيا حقوق وإنسانية شعب بأكمله (موالياً لسلطة فيشي أم معارضاً لها) مقابل عصابة لديها مليارات الدولارات، سطت عليها لعقود من موارد بلد اسمه سوريا.  وفي اللحظة الحاسمة، ستدرك عصابة بوتين أنها في سوريا أمام فريسة غير منتجة، تشكل عبئاً خطيراً عليها؛ وهي غير قابلة للبيع، وغير قابلة للحياة؛ فلا مهجرون يعودون، ولا إعادة إعمار ممكنة من أجل مكاسب مادية إضافية لعصابة بوتين. ونقول، علّها تكتفي بما سحبته من المليارات التي استحوذت عليها العصابة التي حمتها، وتلملم فشلها، وتوفّر ما بقي من دم وأرواح السوريين الذين من حقهم أن يدفّعوها أقسى الأثمان.