سوريا "اللاعب".. إلى سوريا "الملعب"

2022.08.29 | 06:41 دمشق

سوريا "اللاعب"... إلى سوريا "الملعب"
+A
حجم الخط
-A

منذُ ما قبل التّاريخ، كانت سوريا لاعباً أساسيّاً في منطقة الشّرق الأوسط. توالت على أرضها الممالك، مملكة يمحاض، مملكة إيبلا، مملكة أوغاريت على السّاحل، مملكة بخياني، آرام دمشق، مملكة حمص، الإمبراطوريّة التدمريّة.. حاضرة الخلافة الأمويّة، المملكة السّوريّة، الجمهوريّة الأولى ومن بعدها الثّانية.

كانت كلّ العهود والانقلابات التي توالت على الحُكم في البلاد، على اختلاف انتماءاتها و"شخصيّاتها"، تحرصُ على بقاء سوريا لاعباً رئيسيّاً.

حتّى في عهد الأسد الأب، لعبَت دمشق في "ملعب المنطقة"، من لبنان حيثُ مكّن الأسد نفوذه عسكريّاً وأمنيّاً، إلى الملفّ الفلسطيني حيثُ حرِصَ على إنشاء فصائل موالية له تُعارض وتُقاتِل مُنظّمة التحرير و"أبو عمّار". مروراً باحتضان المنشقّين والمُعارضين لغريمه صدّام حسين و"البعث العراقي"، وهنا لا بدّ من التّذكير بأنّ الأسد الأب دَعمَ نظام الخُمينيّ في إيران في حرب الخليج الأولى ضدّ العراق، وأرسَلَ قوّاتٍ من جيشه للمشاركة في حرب الخليج الثّانيّة التي شنّها التحالف الدّوليّ عقب غزو الكويت.

تحوّلَ "اللاعب" إلى "ملعبٍ" تخوض على أرضه القوى الرئيسيّة صولاتها وجولاتها. إيران، روسيا، الولايات المُتحدة، تركيا وإسرائيل. وهذا اختصارٌ للقوى "اللاعبة" على الملعب السّوريّ

ليسَ هذا السّرد "تلميعاً" لصورة الأسد الأب، بل هو تذكيرٌ بأنّه حتّى في أعتى العهود الحاكمة في سوريا، كانت دمشق لاعباً مركزيّاً في المنطقة، أكان سلباً أم إيجاباً.

اختلفَ الوضع اليوم. تحوّلَ "اللاعب" إلى "ملعبٍ" تخوض على أرضه القوى الرئيسيّة صولاتها وجولاتها. إيران، روسيا، الولايات المُتحدة، تركيا وإسرائيل. وهذا اختصارٌ للقوى "اللاعبة" على الملعب السّوريّ.

تقصف إسرائيل إيران وميليشياتها في سوريا بغضّ نظرٍ روسيّ. تقصفُ إيران القواعد الأميركيّة في سوريا، وأيضاً بالاتفاق مع موسكو. بينما تُقاتل الفصائل المدعومة من موسكو وطهران الفصائل المدعومة أميركيّاً شرق البلاد، والمُعارضة المدعومة من تركيا شمالها. تُقاتل المُعارضة بدعمٍ تركيّ، الفصائل الكُرديّة المدعومة أميركيّاً. واليوم يلتقي اللاعبون الرّوس والإيرانيّون مع الأتراك، ولكلّ وجهة نظره وحساباته، في "اللعبِ" ضدّ "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" (قسد).

وحده النّظام السّوريّ يقفُ حائراً ويسأل نفسه: "من هو الاحتلال؟". يصفُ الوجود الأميركيّ بالاحتلال، والوجود التّركيّ كذلك، وبطبيعة الحال "إسرائيل" القابعة على هضبة الجولان المنسيّة. هو الذي طلب التدخّل الإيرانيّ، فجاءه بفرقٍ إيرانيّة، ولبنانيّة، وعراقيّة، وأفغانيّة وباكستانيّة. وهو الذي طلبَ أيضاً التدخّل الرّوسيّ، فجاءه المدد بفرقٍ روسيّة، وشيشانيّة وبيلاروسيّة.

هذا السّردُ المُعقّد والمختصر، لا يوصلنا إلّا إلى نتيجةٍ واحدة: اختار النّظام أن تتحوّل سوريا إلى نسخةٍ مُعدّلة من "كأس العالم"، على أن يستمِعَ للشّعب السّوريّ في ذلكَ اليوم المجيد من شهر آذار 2011.

لا مُشكلة لديهم أيضاً أن تُحوّلَ إيران مناطق في شرق سوريا ووسطها وغربها إلى قواعد ثابتة لميليشياتها المُتعدّدة الجنسيّات

لا مُشكلة لدى الحاكمين في دمشق أن يشنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ أكثر من 3000 غارة على سوريا. ولا مُشكلة لديهم أيضاً أن تُحوّلَ إيران مناطق في شرق سوريا ووسطها وغربها إلى قواعد ثابتة لميليشياتها المُتعدّدة الجنسيّات، وأن تشنّ حملات التحوّل والتهجير والتطهير الدّيمغرافي. ولا مُشكلة لديهم في سيطرة الأميركيين وفصائلهم على حقول النّفط في دير الزّور.

هذا نهجٌ واضح، تجلّى منذ 2011 يومَ خرج "الموالون" دعماً للنّظام في تظاهرات في المُدن السّوريّة حاملين ذلك الشّعار "الأسد أو نحرق البلد"...