خلاصات شهر من حرب روسيا على أوكرانيا

2022.03.31 | 06:33 دمشق

74013image1-1180x677_d.jpg
+A
حجم الخط
-A

يطوي الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا شهره الأول. لا يزال الهجوم متعثّراً على مستويات عديدة. لم تنجح روسيا حتى اليوم في فرض سيطرتها على الأجواء الأوكرانية. كما أنّها تواجه مقاومة شرسة لم تكن متوقعة من الجيش الأوكراني في المدن الحضرية الكبرى. كما تكبدت روسيا على ما يبدو خسائر عسكرية فادحة. تشير تقديرات غربية إلى أن عدد القتلى من الجنود الروس في الحرب يتراوح بين سبعة آلاف وخمسة عشر ألف جندي. كما تتحدث عن أن موسكو خسرت ما يقرب من عشرة في المئة من معداتها العسكرية خلال شهر من الحرب. قد يصعب التأكد من هذه الإحصاءات بالنظر إلى أن روسيا لا تزال تتجنب الإقرار بالخسائر العسكرية الفعلية. لكن ما هو واضح أن خطط الرئيس فلاديمير بوتين لتحقيق نصر سريع في الحرب ذهبت أدراج الرياح. مع ذلك، يجب أن لا تدفع هذه الانتكاسة إلى الاعتقاد بأن روسيا ستبقى عاجزة عن حسم الحرب لصالحها. لكن التكاليف ستكون باهظة للغاية. فضلاً عن الخسائر العسكرية، تُعاني روسيا من وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية بشدّة. كما أنها عرضة لمزيد من العقوبات في الفترة المقبلة. لا تزال الأموال التي يجنيها بوتين من بيع الغاز والنفط إلى الغرب تُشكل مصدر دخل مهماً لتمويل الحرب. لكنّ هذا المصدر قد يتلاشى مع الاتجاه الغربي لتشمل قطاع الطاقة في العقوبات.

خلال الأيام الماضية توقفت القوات الروسية عن محاولة التقدم نحو العاصمة كييف وبدأت بدلاً من ذلك تحصين نفسها في ضواحي المدينة

لقد أدّى الإخفاق العسكري الروسي في الحرب إلى دفع موسكو للدخول في مفاوضات مع كييف من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع. بالتوازي مع ذلك، يواصل الجيش الروسي هجومه الذي يتركز الآن على مدينة ماريوبول الساحلية المطلة على البحر الأسود. من غير الواضح بعد ما إذا كان بوتين قرر تقليص الأهداف العسكرية إلى مجموعة أضيق. خلال الأيام الماضية توقفت القوات الروسية عن محاولة التقدم نحو العاصمة كييف وبدأت بدلاً من ذلك تحصين نفسها في ضواحي المدينة، حيث يقيم الجيش الروسي تحصينات دفاعية على بعد تسعة أميال على الأقل خارج وسط العاصمة. يشير التكتيك الجديد الذي تتبعه روسيا إلى فشل جهود تطويق كييف لأن أوكرانيا تمكنت من إبقاء بعض الطرق الجنوبية المؤدية إلى كييف مفتوحة. تكمن الإشكالية الرئيسية في هذا الصراع في صعوبة التكهن بما يُفكر به الرئيس الروسي. لكن الخيارات تضيق عليه أكثر كلما طال أمد هذه الحرب. في الوقت الراهن، تستمر الأعمال القتالية على الأرض رغم الحديث عن تقدم محتمل في مسار المفاوضات، ما يعني أنه لا يزال من الصعب تحديد إلى أي مدى سيتمكن كل طرف من تحقيق الأهداف التي دفع ثمنها بالفعل في الأرواح البشرية والدمار والأضرار الجسيمة في الاقتصاد.

مع ذلك، فإن التداعيات العالمية للصراع تتضح بشكل أكبر. فبينما جلبت الحرب تكاليف متبانية لبعض القوى الدولية، فإنها كانت بمثابة فرصة لقوى أخرى لزيادة تأثيرها الدولي على المدى البعيد. بالنسبة لأوروبا، يتحمل الأوروبيون حتى الآن التكاليف الأكبر في هذا الصراع بعد روسيا وأوكرانيا. لقد أدت الحرب إلى تمزيق معظم العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا. كما أنّهم يجدون صعوبة في إيجاد بدائل للنفط والغاز الروسيين في المستقبل المنظور. علاوة على ذلك، تتحمل أوروبا العبء الأكبر في أزمة اللجوء الأوكراني. كما غيّرت الحرب من أولوياتها وباتت تتركز على سبل زيادة الإنفاق الدفاعي على حساب المشاكل الاقتصادية التي تُعانيها من جراء تداعيات أزمة كورونا. على العكس من ذلك، تبدو التكاليف المترتبة على الولايات المتحدة أقل بكثير. فمن جانب، أدى حظر بايدن على استيراد النفط الروسي إلى زيادة في أسعار الوقود في الداخل. ومن شأن ذلك أن يُقلص فرص الديمقراطيين للحفاظ على الأغلبية الضئيلة في الكونغرس مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي. في غضون ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة زيادة وجودها العسكري في أوروبا على حساب تركيز الموارد على احتواء الصين في آسيا والمحيط الهادئ.

رغم ذلك، استطاعت واشنطن تحقيق بعض المكاسب. بالنظر إلى حاجة أوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، فإن شركات الطاقة الأميركية ستحصل في الفترة المقبلة على حصة أكبر من بيع الغاز المسال في السوق الأوروبية. على صعيد آخر، ستؤدي زيادة الإنفاق العسكري في أوروبا إلى زيادة مساهمة الأوروبيين في الأمن الأوروبي المشترك. وهذا هدف لم ينجح في تحقيقه رؤساء أميركا السابقون بدءاً من بوش الابن إلى أوباما وصولاً لترامب. علاوة على ذلك، تُتيح الأزمة الراهنة الفرصة لحلف شمال الأطلسي لمزيد من التوسع مع إبداء دول جديدة رغبتهما في الانضمام له خشية من التهديد الروسي كفنلندا والسويد. أما على صعيد الصين، فقد ساعد الصراع إدارة بايدن في عملية الضغط على بكين ومحاولة دق إسفين بينها وبين روسيا. قد لا تظهر نتيجة ذلك في المستقبل القريب، لكنّ تجنب بكين إبداء الدعم العلني للغزو الروسي لأوكرانيا يُحقق بعضاً من الأهداف الأميركية بهذا الخصوص.

ستكون موارد الطاقة الروسية الآن في متناول الصين ومن المرجح أن يكون سعرها أقل بكثير من ذي قبل. كما أصبحت الصين أيضًا أهم شريك مالي لروسيا وستكون هذه الشراكة غير متكافئة لصالح الصين

إذا كان من رابح وحيد يُمكن التكهن به في هذه الحرب حتى الآن فهو الصين التي لديها مجال أكبر للمناورة. على عكس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن التكاليف الحالية للصين ستكون ضئيلة للغاية. الضغط العسكري والسياسي عليها من واشنطن آخذ في التراجع. نظرًا للعقوبات واسعة النطاق ضد روسيا يمكن للصين أن تطالب بجزء كبير من السوق الروسية الآجلة. ستكون موارد الطاقة الروسية الآن في متناول الصين ومن المرجح أن يكون سعرها أقل بكثير من ذي قبل. كما أصبحت الصين أيضًا أهم شريك مالي لروسيا وستكون هذه الشراكة غير متكافئة لصالح الصين. مع الأخذ في الاعتبار تجربة العقوبات ضد روسيا، ستقوم الصين بعمل مهم لتحسين أمنها الاقتصادي في حالة حدوث تعقيدات مماثلة مع الغرب. المستفيدون من هذه الحرب أيضاً هم البلدان التي تخضع حاليًا لعقوبات أميركية شديدة. من بينها فنزويلا وإيران. قد تقوم واشنطن بتخفيض جزئي على الأقل لضغط العقوبات على فنزويلا من أجل تعويض الخسائر في السوق. مع إيران، الوضع أكثر تعقيدًا، حيث نتحدث عن برنامج نووي عسكري ونسخة جديدة من اتفاق نووي وعملية متعددة الأطراف، تشارك فيها روسيا أيضًا. قد تسمح الولايات المتحدة للنفط الإيراني بدخول السوق العالمية دون خطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة.