حسينية في بيت نزار قباني

2020.12.04 | 23:00 دمشق

1399090915413134217136410.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لا ينقص هذه الاحتفالية الشعرية سوى حشد من ضاربي السيف والجنازير الثخينة، ومنشد يتلو سيرة المظلومين، ودماء غزيرة تراق من الرؤوس والجباه، وخصوصاً أن عنوانها (نهج الشهيدين) يتوافق مع ليالي الرثاء في قم والضاحية الجنوبية فلماذا دمشق أولاً.. ولماذا بيت آل القباني ثانياً؟

في دمشق بالضبط وليس سواها تحاول ثلة المقاومين من صعاليك الأدب والثقافة تأكيد سيطرة الإيراني على الأرض، وهذه الجمهرة التي كانت قبل عشر سنوات على هامش الحياة الثقافية السورية، وباتوا في قلبها بعد تهجير ما أمكن من مثقفيها، وهذا إمعان في قبولهم لسطوة مال المستشارية الإيرانية، والقول لمن خرج ها نحن هنا مع أسيادنا إلى الأبد.

ما قاله الصحفي الفلسطيني عمر جمعة مدير هذا المنتدى يؤكد أن الخيار لم يكن عبثياً في أن تكون دمشق القديمة وبيت الشاعر نزار قباني هو مكان إطلاق ما يسمى منتدى نهج المقاومة الأدبي السوري والتجمع الدولي لشعراء المقاومة الإيرانية الذي يمهد للمؤتمر الدولي العربي المقاوم الذي سيعقد على مدار شهر كانون الأول من العام الجاري تحت عنوان (مؤتمر نهج الشهيدين الدولي الأول للشعر العربي).. عبارات تم تجميعها لتبرير هذا الحشد بأوامر المستشارية.

أما اختيار بيت نزار قباني لـمناسبة كهذه فهو رسالة للدمشقيين ومحبي دمشق بأن زمنكم انتهى، وهذا هو الزمن الجديد حيث قاسم سليماني وفخري زاده بديلان عن الياسمين وبردى، وأن الشام القديمة يجب أن تمحى من ذاكرة الأبناء لتصير الحسينية بيتهم الجديد، وهذا ما يعني أن على الحالمين بالعودة أن يفكروا ملياً في بيت آخر تتوسطه صورة الخميني وخامنئي، وأن النارنج وبحيرة الماء الساكن تحولتا إلى منبر للبكاء على شهداء من سواد.

المشاركون زاروا طهران أكثر من مرة، ولديهم تاريخ من الموالاة، والدعوات لثارات الماضي، وبعضهم نشر صور أبنائه المقاتلين في صفوف الميليشيات الممولة إيرانياً، وأبناءهم الذين يدرسون في جامعات إيران وحسينياتها، وأقلهم ينتمي لمنظمات فلسطينية عاشت في مخيمات الشتات الفلسطيني (سبينة وجرمانا) ليجدوا متنفسهم في مال إيران تحت نفس شعارات اليسار الفلسطيني المقاوم المنفصم حيث تتعانق النقائض فكيف تكون يسارياً في الشعار ومقاوماً حاقداً طائفياً على الأرض؟

من سوريا وفلسطين والعراق ولبنان واليمن يجتمع هؤلاء بانتمائهم إلى مظلة واحدة لاحتلال واحد، وهيمنة ميليشياوية بغطاء فكري، والقاسم المشترك بينهم هو تقديس من ساهموا في قتل السوريين وبناء مجد إمبراطورية الذعر.

طمع الإيراني بدمشق سوداء لم يكن مع بداية الثورة فالحلم بدأ منذ أن زرعت بشر الصبان محافظاً لدمشق وكيلاً لها

قصائد الافتتاح كانت في رثاء سليماني والمهندس اللذين قتلا في غارة أميركية، وأضيف لهما قبل المؤتمر فخري زاده العالم النووي الايراني، والشعار هو إعلاء قيمة الشهادة. أما شهداء سوريا الذين قتلوا في حرب الدفاع عن المقدسات فهؤلاء لا مكان لهم سوى معارض الموت الموزعة في أروقة الأمم المتحدة وقلوب الأمهات السوريات.

طمع الإيراني بدمشق سوداء لم يكن مع بداية الثورة فالحلم بدأ منذ أن زرعت بشر الصبان محافظاً لدمشق وكيلاً لها، وكان همه إزالة معالمها الأثرية وإبراز المقامات الشيعية (رقية) كأثر يمثل المدينة، وهكذا تم هدم السوق العتيق وحلت مكانه حديقة اللاجئين في شارع الثورة، وأهملت المدينة القديمة إلى أن نخرتها مياه الصرف الصحي، وتم إعادة العمل بقانون الاستملاك لهدم حي الحمراوي قرب المسجد الأموي، وتم استقدام الحجيج في موجة مخيفة لنشر التشيع ورفع تكبيرات الثأر، وهكذا إلى أن احتلت إيران دمشق، ونشرت فيها حواجز الميليشيات السوداء.

دمشق الآن تؤكل من قلبها، ومن بيت نزار قباني الرمز الشامي الأصيل، وبواسطة مجاميع ثقافية طارئة وجدت فسحة نشاطها في غياب من يدفعون عنها هذا التلوث، وما إسقاط مدنية العاصمة سوى خطوة أولى في تعميم ثقافة السواد على سوريا بأسرها حيث تتسارع حمى بناء الحسينيات في الريف وبقية المحافظات.. لكن بيت نزار ربما يكون الضربة القاضية لقلب الشام.

إن الصمت على انتهاك بيت القباني هو قبول بالثقافة الجديدة التي تتنافى مع روح العاصمة المتسامحة، وطرد لرائحة التعايش وإحلال لرائحة الموت.. أليس (للياسمين حقوق في منازلنا)؟.