بعث داعش في درعا

2022.11.01 | 07:06 دمشق

عناصر من قوات النظام السوري في درعا
+A
حجم الخط
-A

تواترت في الأسابيع الأخيرة التطورات في محافظة درعا جنوبي سوريا، عن نشاط متنقل لعناصر تنظيم داعش بين مدن وبلدات محافظة درعا، ما اضطر الأهالي والمسلحين المحليين لمواجهتهم عبر عمليات تمشيط واشتباكات مسلحة أوقعت قتلى من كلا الطرفين.

جاء الإقرار بوجود عناصر للتنظيم في بعض مناطق المحافظة بعد فترة إنكار من جانب الفعاليات المحلية، في وجه اتهامات ضباط النظام لبعض المناطق بإيواء عناصر من التنظيم.

والواقع أن هذا "التفشي" المفاجئ لعناصر التنظيم في المحافظة، وفي غفلة من المجتمع المحلي، يثير التساؤلات حول قدرة عناصر التنظيم على إيجاد موطئ قدم لهم في بيئة ريفية عشائرية محافظة، يصعب على "الغريب" الاستيطان فيها، من دون أن يلاحظه أحد، حيث جميع الناس يعرفون بعضهم البعض، ومن السهل التعرف إلى أي وافد جيد.

وهذا يدعو للتساؤل عما إذا كان هناك تقصير من جانب الفعاليات المحلية في مراقبة مناطقهم، في ظل عدم وجود هياكل إدارية واضحة توزع المسؤوليات الأمنية والإدارية على المجتمع المحلي، برغم علم الجميع بأن النظام يتربص بهذه المناطق، ولن يتورع عن تجنيد كل من يستطيع تجنيده، مقابل امتيازات معينة، أو تحت التهديد.

ومنذ عام 2018، لا تخضع الكثير من مناطق محافظة درعا لسلطة النظام الفعلية، برغم وجود بعض الهياكل الحكومية في تلك المناطق، وفي المقابل لم تنشئ القوى المحلية، هياكل إدارة بديلة لأجهزة السلطة، وظلت تسير أمورها تحت مظلة الوجهاء والناشطين السابقين من عسكريين ومدنيين، وهم جميعا غير متفرغين ولا مؤهلين للقيام بمهام أمنية مستديمة بغية تحصين مناطقهم من أي اختراق خارجي.

ومن المفهوم أن ضباط النظام الذين يبذلون جهودهم، بالتعاون مع حليفهم الإيراني وميليشياته وعلى رأسها حزب الله، من أجل إحكام السيطرة على المحافظة، منذ السيطرة الشكلية عليها قبل أربع سنوات، لا يتورعون عن استخدام أية أسلحة أو أوراق لديهم لتحقيق هذا الهدف، عبر تجنيد عناصر جدد والتلاعب بهم وإيهامهم بأن للطرفين مصلحة مشتركة في التخلص من المعارضين المحليين الذين يناصبونهما العداء. ويضاف إلى ذلك العناصر السابقين في التنظيم الذين كانوا يتمركزون في منطقة حوض اليرموك ضمن ما يعرف بـ"جيش خالد"، والذين اعتقل النظام الكثير منهم ومن قادتهم، وتركهم في السجن لبعض الوقت، ثم أخلى سبيلهم مقابل العمل المشترك تحت أجندة النظام والتي تتضمن تنفيذ اغتيالات بحق المعارضين السابقين، وخاصة الصلبين منهم، والذين يعتبرون النظام وداعش وجهان لعملة واحدة.

لقد بنى النظام خطته على نشر عناصر التنظيم في العديد من المناطق، وتمكينهم من دخول بعض المناطق عبر منحهم بطاقات هوية شخصية لأشخاص متوفين، على أساس أنهم نازحون من مناطق أخرى

لقد بنى النظام خطته على نشر عناصر التنظيم في العديد من المناطق، وتمكينهم من دخول بعض المناطق عبر منحهم بطاقات هوية شخصية لأشخاص متوفين، على أساس أنهم نازحون من مناطق أخرى، فضلا عن تجنيد البعض من داخل تلك المناطق عبر إغراءات وامتيازات معينة. وبعد أن تقوى شوكتهم بعض الشيء في تلك المناطق، يبادر النظام إلى التحذير من وجودهم، والتهديد باجتياح بعض المناطق إذا لم يتم إخراجهم، وهنا يضرب عصفورين بحجر واحد: إما السماح له بالدخول بحجة القيام بعمليات تمشيط وملاحقة لعناصر التنظيم، وفي هذا الحالة سيطول مكوث قواته هناك، ويتمكن من استعادة السيطرة فعليا على تلك المناطق بعد أن ظلت مستعصية عليه طول الفترة الماضية، حيث قضت اتفاقيات التسوية التي رعتها روسيا آنذاك بعدم دخول قوات النظام وجيشه وأجهزته الأمنية إلى تلك المناطق وأن تظل خارج المدن.  

والرهان الثاني هو أن يحدث تصادم واسع ومديد بين عناصر التنظيم والمسلحين المحليين، بحيث يقومون بتصفية بعضهم البعض، ويتدخل النظام في المرحلة الأخيرة لحسم الموقف بناء على مناشدات مزعومة من الأهالي.

وما جرى خيب آمال ضباط النظام حتى الآن، حيث أخذ الأهالي والفعاليات المحلية على عاتقهم ملاحقة عناصر التنظيم في جاسم واليادودة ودرعا البلد، من دون أن يسمحوا لقوات النظام بالتدخل، وأظهروا عزيمة وتوحدا في تطهير مناطقهم من عملاء النظام الذين دسهم في جنح الظلام وأطلق عليهم اسم تنظيم "داعش"، وهي تسمية كفيلة بمنح "الشرعية" لأي طرف يبحث عن ذريعة للتدخل في منطقة ما، من أجل تحقيق أهداف أخرى.

وبطبيعة الحال، لن يعدم النظام الوسائل في إطار سعيه الدؤوب لإحكام السيطرة على المحافظة المتمردة، والتي لم ينس أنها كانت مهد الثورة، وما زال يعمل على الانتقام منها، ومن كل شخص حمل السلاح ضده، أو ما زال يرفض العودة لحضن النظام وأجهزته الأمنية.

ومن هنا، ندرك سر هذه الفوضى الأمنية المستمرة التي تعيشها المحافظة، والتي تسفر عن سقوط قتلى كل يوم، فضلا عن العمل الحثيث على ضرب بنية المجتمع المحلي، ومحاولة تمزيق أوصاله عبر بث الفتن وشراء الولاءات، ونشر المخدرات.

كلمات مفتاحية