بطاقة تعزية إلى نجاح العطار

2024.05.22 | 06:22 دمشق

آخر تحديث: 22.05.2024 | 07:04 دمشق

5466666666666666666666666
+A
حجم الخط
-A

مولاتي صاحبة العلم والفصاحة والرأي والفضل: أذكر أني رأيتك مرة في معرض كتاب، فأنت وزيرة الثقافة، وهي أهم وزارة من وزارات الدولة، وهي في ملتي واعتقادي الوزارة السيادية الأولى، وإن جعلتها النظم العربية من أذلِّ الوزارات وأسفلها، وكنت تتفقدين معرضًا تابعا لوزارتك كما يجدر بوزير يقوم بواجبه.

رأيتك في معرض الكتاب من دون وصف لكتبه بالتقدمية هذه المرة، إذ كانت في المعرض كتب "رجعية"، وكان كل قديم رجعيًا عند النظام، على خلاف جميع أهل الأرض الذين يقدسون قديمهم، ورأيتك أمامي، وكان يحفُّ بك بضعة رجال، لعلهم حاشية، لعلهم معجبون، بعضهم مخبرون، ربما حرس لك، لا من الأعداء وإنما من الأصدقاء، ومشيت بضع خطوات في إثرك، ورأيت أناسًا يسعون إلى الصورة معك، فجأة أمسك رجل مجهول بتلابيبي من خلفي وقال بصوت أليف ونبرة ساخرة: أمسكتك متلبسا بالجرم المشهود! وكان جرمي أني أسير في ركاب الظَلَمة! كان كاتبا معروفا قضى في السجن 18 سنة، فابتسمت للمُلحة، وأذكر أنني قلت معتذرًا: إنها المرة الأولى التي أرى فيها مسؤولًا، على الأرض، ولو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض، ثم استدركت وقلت له أو لنفسي مصححًا: هي ليست من الظَلَمة، إنما من أعوان الظَلَمة.

وأذكر أنني سألت المرحوم عصام العطار سؤالًا وقفت له الطير على رؤوس الضيوف صافات، عندما التقيت به في المغترب، وقد أتاحت لنا الثورة ركوب الطائرات والبحار، ولقاء الزعماء المنشقين، وكان السؤال عنك، وقد أجابني، وذكَرَك بخير، وأثنى على شجاعتك، وأشاد برعايتك الضافية للوالدة، وأظنُّ أني فهمت من كلامه أنك بقيت لرعايتها. وأذكر مرة أن صحفيًا سأل الراحل عصامًا تغمده الله برحمته عنكم، وقال له: إن أختكم نائبة رئيس الجمهورية فهل تطلب منها شيئا؟

وكان سؤالًا لا محل له من الإعراب.

مولاتي الفاضلة:

لقد رحل شقيقك الكبير، فهل عزّاك أحد في صحيفة سورية أو لبنانية، وكانت الصحف اللبنانية حديقة ثقافية خلفية لسورية، وأنت شخصية عامة، ونائب الرئيس؟ هل نشرت نعوة بالفقيد (ولو مجردة من ألقابه وصفاته) كما ينشر عامة الناس نعوات موتاهم، اسمه، أقاربه، أين سيصلى عليه؟

مولاتي:

هل تستطيعين إقامة دار عزاء لأخيك رحمه الله، وهل تقدرين أن تقولي مثل أسماء رضي الله عنها: أما آن لهذا الفارس أن يعزّى فيه، وكانت العرب عندما تستجير إنما تستجير بالله والرحم، وكان آل الأسد يعزّون بوفيات الأرحام في الصحف حتى لو كانوا من عتاة المهربين وكبار المجرمين، وتنسب إليهم شتى المحاسن الزائفة التي ليست لهم مثل؛ الصلاح والإحسان، والتقوى!

وأذكر أن شابًا نكرة من آل الأسد هؤلاء قضى نحبه، فنعي في الصحف في مساحات صحفية كبيرة، وتعجبت من ضخام ثروته ومن طريقة موته التي لم أسمع بمثلها قط، كان قد مات بقنبلة رماها على عصافير على شجرة، فسقطت عليه، فقتل!

هل اتصل بك أحد من المسؤولين معزيًا؟

أذكر أن مراسل جريدة الحياة ذكر سبع رسائل أرسلها النظام من خلال توليتك نيابة رئيس الجمهورية، وكانت رسالة ثامنة لم يذكرها، هي أنك رهينة، أسيرة برتبة نائب رئيس جمهورية، كان المرحوم أحمد حسن البكر رئيسًا للعراق، وكان صدام نائبه، وقال مرة في شهادة متلفزة: أبول على هذا الكرسي.

أذكر لك خطابًا ألقيته في حضرة الأسد، قلت فيه بفصاحتك المعهودة، والمرء بأصغريه لسانه وقلبه: إنك ترتجفين هيبة له، والحق إنه مهيب، هيبة قتل لا هيبة جلال، وكنت معجبًا بفصاحتك، فقد ورثت الفصاحة كابرًا عن كابر، فأهلك أهل علم، والعلم هو الشرف، كل الشرف.

وذكر لي وزير منشق، أنه شهد ملاسنة بين وزيرين من وزراء النظام، وأنَّ الوزير قال لوزيرة التعليم العالي وهو يغلق أنفه: أن رائحة الصنان تفوح منك، ألا تقتدين بصاحبة الطيب والعُرف نجاح العطار؟

وذكر الوزير إن نجاحا كانت تستوقفه وتستعيد الملاسنة وتسعد بها، فقد كانت الوزيرة فاسدة، وإن طريقتها سوقية في الإفساد والفساد، وإن من الأولى أن المرء إذا ابتلي بالمعاصي أن يستتر، ثم أن رئيس الوزراء فاض به الكيل مرة فقال لها على رؤوس الأشهاد الوزراء: فضحتينا يا وزيرة الفساد العالي، تبدلين العملة في مكتبك؟

وما سألت مثقفا من الجيل القديم إلا وذكرك بخير، ويذكر لك المثقفون أنك شجاعة، وأنك نشرت رواية الزيني بركات، (هذه من أمارات الشجاعة في سوريا) وهي رواية رمزية عن الدكتاتورية، وعندما رأيتك في معرض الكتاب غير التقدمي، فكرت في أن أقترب منك، وأن أهمس في أذنك، سائلا عن أخيك، لكني خشيت وترددت وأنا أقدّم قدمًا وأؤخر أخرى، خشيت ليس منك، وإنما من حاشيتك وحرسك، وأنك في هذا المنصب بفضله، والفضل لله. وكنت أظن أن الأسد ما ولاك هذا المنصب إلا ختلا وخدعة، كمثل البائع الغشاش الذي يكتب في صدر دكانته: ألا بذكر الله تطمئن القلوب، ومن غشنا فليس منا، وإنا عرضنا الأمانة.

مولاتي: إن الموت حق، والعزاء حق وواجب، والأخ ليس كالزوج ولا كالابن، وأعرف عين اليقين أن عصام العطار، لو كان رئيس سوريا، ما كان أسند إليك أمرًا، ولقال مثل عمر بن الخطاب: حسب آل الخطاب أن يُسأل منهم رجل واحد.

لك كل العزاء، ولو رأيتك لعزيتك من خالص القلب، من غير بكاء، فما عصام بالذي يبكى عليه. لكن من حق الأخت أن تعزى بأخيها وكان أخا، أكرم من صخر على الخنساء، كما أحسب وأظن.

لقد دفن قابيل جثة أخيه وواره الثرى، وبكاه، وأسف عليه، أم إننا نحتاج غرابا يعلمنا أصول الدفن وتقاليد العزاء وحق الإخوة والموت والدموع بعد كل هذه الأحقاب والعصور والقبور.

كلمات مفتاحية