بشار الأسد وغاز الكلور والمعارضة

2023.02.01 | 07:45 دمشق

بشار الأسد وغاز الكلور والمعارضة
+A
حجم الخط
-A

"إن العالم يعرف الآن الحقائق، والأمر متروك للمجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات، في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وخارجها".

هذا ما قاله "فرناندو أرياس" المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تعليقاً على التقرير الذي نشرته المنظمة - يوم الجمعة 27/1/2023م– والذي ورد فيه أن تحقيقاً استغرق ما يقرب من عامين، توصّل إلى أن مروحية عسكرية حكومية واحدة على الأقل، أسقطت أسطوانات غاز الكلور على مبان سكنية في مدينة دوما السورية، التي كانت خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة عام 2018م، مما أسفر عن مقتل 43 شخصاً، أي أن المنظمة اتهمت بوضوح الجيش السوري بالهجوم الكيميائي على دوما في 7 نيسان 2018.

توجيه الاتهام للقوات الجوية السورية باستخدام السلاح الكيميائي، جاء بعد جهد وعمل طويل قام به فريق دولي، اشتغل على تقييم الأدلة المادية التي تم جمعها، وتقديمها من قبل خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتضمنت 70 عينة بيئية وطبية حيوية، و66 إفادة شهود، وغيرها من البيانات التي تم التحقّق منها، مثل تحليل الطب الشرعي، وصور الأقمار الصناعية، ونمذجة تشتت الغاز، ومحاكاة المسار، وتم فحص الأدلة من قبل محققي "IIT" والمحللين، والعديد من الخبراء الخارجيين المستقلين، ثم قام الفريق الدولي المستقل بدراسة مجموعة من السيناريوهات المحتملة، واختبر صحتها مقابل الأدلة التي جمعوها وحللوها، وبعد كل هذا توصلوا إلى استنتاجهم: أن القوات الجوية العربية السورية هي من ارتكبت هذا الهجوم.

لماذا كل الضجيج حول هذا التقرير؟ وهل تحتاج حقيقة استعمال السلاح الكيميائي من قبل وحدات الجيش السوري إلى كل هذه الضجة؟

تقنياً وسياسياً وقانونياً، لا بدّ من القيام بكل هذه الإجراءات، لكن يبدو أن الأمر أقرب ما يكون للخديعة، عندما لا يزال السوريون يموتون بكل أشكال الموت، بما فيها الأسلحة الكيميائية، ليظهر تقرير بعد خمس سنوات على وقوع الجريمة، وقد لا يظهر!!

لكن، وبعيداً عن التحقيق وتقنياته، وموت السوريين المستمر، لماذا كل هذا الضجيج حول هذا التقرير؟ وهل تحتاج حقيقة استعمال السلاح الكيميائي من قبل وحدات الجيش السوري إلى كل هذه الضجة؟ فالنظام السوري قام باستخدام السلاح الكيميائي عشرات المرات، ومنظمة حظر السلاح الكيميائي، وأميركا، وروسيا، وأوروبا والعالم كله يعرفون ذلك، فما الذي حدث حتى قامت الدنيا ولم تقعد؟ وهل سيتحفنا العالم والأمم المتحدة، ومجلس الأمن بقرار جديد يضاف إلى ملف القرارات الموضوعة فوق الرف الأممي الخاص بشعوب الدرجة العاشرة؟ هذا إذا لم تقم روسيا والصين بقصف القرار بفيتو مزدوج.

يبدو أن هناك ما هو مختلف هذه المرة، لكنه بالتأكيد ليس الخوف على الشعب السوري الذي تتواصل فصول موته بكل أصناف الموت، فما أن أُعلن القرار، حتى انهالت التعليقات عليه من كل حدب وصوب، إذ أعلن الأميركيون عن أن هذه الجريمة لن تمر من دون محاسبة، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي وتوعّد بالمحاسبة هو الآخر، ولم تتأخر الخارجية البريطانية لتعلن أيضاً تأييدها لفكرة محاسبة الجناة، حتى تركيا التي كانت بالأمس ترتب لتقارب تركي سوري، أصدرت خارجيتها بيانا قالت فيه: "مع الكشف عن أن النظام مسؤول عن الهجوم بالأسلحة الكيماوية، ستواصل تركيا دعم الجهود الرامية إلى ضمان محاسبة النظام السوري، لا سيما الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، وذهبت الخارجية القطرية في بيان لها يوم السبت الماضي إلى القول بوضوح شديد، حول ضرورة تقديم الجناة إلى محكمة الجنايات الدولية: إن دولة قطر "تعرب عن دعمها الكامل للجهود الدولية الرامية إلى محاسبة النظام السوري على جرائمه المروّعة بحق الشعب السوري الشقيق، بما في ذلك استخدامه للأسلحة الكيماوية في مدينة دوما بالغوطة الشرقية في شهر نيسان عام 2018م، وضمان تقديم مجرمي الحرب في سوريا إلى العدالة الدولية".

بالتأكيد لم يستيقظ ضمير البشرية فجأة، بسبب قصف بنايتين سكنيتين في منطقة مأهولة بالسكان المدنيين في "دوما" بغاز الكلور السام، مما أسفر عن مقتل 43 فردًا وإصابة عشرات آخرين، ففي عام (2013) وقريباً من هاتين البنايتين، لقي ما يزيد عن ألف سوري حتفه بعد تعرضهم لهجوم بأسلحة كيميائية قام به النظام، وهناك تقارير دولية تثبت استخدام النظام للسلاح الكيميائي عشرات المرات، وهناك ملايين الوثائق لدى الجهات الدولية تثبت ارتكاب النظام لجرائم حرب أودت بحياة مئات آلاف المدنيين السوريين، فما الذي استجد؟

الرسالة التي تريد أميركا قولها، يجب أن تصل واضحة للجهات التي تحاول تعويم النظام السوري

أول المستجدات، هو أن التفويض الأميركي الذي منحته لروسيا للتصرف في الملف السوري، لم يعد قائماً بعد غزو بوتين لأوكرانيا، والصفقة التي استطاعت روسيا عقدها مع أوباما 2013، عندما استعمل النظام السوري السلاح الكيميائي في مجزرة الغوطة الشهيرة، والتي غضت فيها أميركا نظرها عن جريمة كبرى، مقابل تسليم النظام لسلاحه الكيميائي، لم يعد هناك إمكانية لعقد صفقة شبيهة بها، فروسيا اليوم ليست روسيا الأمس، وتفويضها بالتصرف بالورقة السورية مقابل تفاهمات أميركية إسرائيلية روسية انتهى.

ثاني المستجدات، هي أن الرسالة التي تريد أميركا قولها، يجب أن تصل واضحة للجهات التي تحاول تعويم النظام السوري، فهذا النظام غير قابل للتعويم، وما تغاضت عنه أميركا سابقاً سواء حول تنفيذ قانون قيصر، أو حول سرقة النظام للمساعدات الأممية التي كانت تقدمها جهات تابعة للأمم المتحدة، أو حول تحايلات مفضوحة عبر العراق أو لبنان على قانون العقوبات الأميركية والأوروبية، كل هذا لم يعد ممكناً، وهناك وفد مالي أميركي قادم سيزور لبنان والأردن والعراق وتركيا، وسيحقق في تجاوزات الشركات، وحركات الأموال، وكيفية تنفيذ قانون قيصر وقانون مكافحة المخدرات.

ثالث هذه المستجدات، أن النظام السوري أثبت بعد تهيئة الروس لتقارب بينه وبين تركيا، أنه عاجز عن اتخاذ أي خطوة مهما كانت صغيرة، لا يوافق الإيرانيون عليها، وبالتالي فهو لم يعد قادراً على أن يكون جزءاً من الحل في سوريا، وهو ليس إلا أداة إيرانية، وسيتم التعامل معه كما يتم التعامل مع إيران.

لم يعد لدى النظام السوري ما يمكن أن يقدمه، حتى لمن يحاولون تعويمه من جديد، وأصبح عبئاً على حلفائه، أما بالنسبة لمؤيديه، فهو ليس أكثر من علقة تعتصر ما تبقى من اقتصادهم وإمكاناتهم، لتبقى على قيد الحياة، النقطة الوحيدة التي لا يزال فيها هذا النظام قوياً، هي أن خصومه من السوريين أكثر ضعفاً وهواناً منه، بعبارة أخرى، نقطة قوة هذا النظام الوحيدة هي ما يسمى "المعارضة السورية"، وربما هذا ما يربك المجتمع الدولي، ويجعله عاجزاً عن اتخاذ الموقف الذي أصبح مقتنعاً به، وهو أنه لا مكان لبشار الأسد في سوريا القادمة.

اليوم تصبح حاجة السوريين – كل السوريين - وبمختلف تصنيفاته، ومواقفهم السياسية، ماسة جداً لصوت سوري واحد، يُنهي حكم عائلة الأسد، ويعمل على إنجاز مصالحة وطنية شاملة، ترى السوريين جميعاً شركاء على قدم المساواة، في الدولة السورية القادمة.