اللاجئ السوري يعيد المال الضائع لأصحابه.. ويقتل زوجته!

2021.03.29 | 06:45 دمشق

7f478a6d-a59c-4237-836e-4ac4d58c4cb7.jpg
+A
حجم الخط
-A

تكاد الطيبة أن تكون وصفاً موحداً في كل ما كتبه من تذكروا رائفة الرز إثر مقتلها، في منزلها بهولندا، فجر الأربعاء 17 آذار الحالي. الممثلة السورية، غير المعروفة على نطاق واسع، كانت قد اعتمدت اسم «رائفة أحمد» الفني في المسرحيات القليلة التي أدتها والأدوار التلفزيونية الصغيرة التي ظهرت فيها. فضلاً عن ابتعادها عن الأضواء منذ خمس سنوات قضتها لاجئة تنتظر الجنسية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الحصول عليها، قبل أن يقطع الموت عزلتها التي كانت قد أشغلتها بالرسم.

 

03_6.jpg

 

أطلق الخبر المفاجئ كثيراً من الألسنة، وحسابات التواصل الاجتماعي، من عقالها لتنعى المرأة الراحلة بصيغ مختلفة؛ بدءاً من «الخشبة» التي افتقدتها، وفق تعبير رائج لدى زملائها وأبناء دفعتها في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومنهم الممثلة المشتهرة أمل عرفة التي وصفت رائفة بأنها «صديقة العمر»، وصولاً إلى تنادي نساء العائلة لقراءة «ختمة» من القرآن الكريم، يتقاسمنها أجزاء، على روح الفقيدة. وبين هذا وذاك وصفتها بعض وسائل الإعلام بأنها مناصرة للثورة السورية، مدعية أنها خرجت من البلاد «هرباً من ملاحقات النظام». مما هو غير صحيح، من جهة أولى، وأثار غضب بعض أفراد أسرتها من ناحية أخرى، طالبين التبليغ عن هذه المنشورات. رغم أن مخالفة معايير مجتمع فيس بوك، مثلاً، لا تتضمن خيار: إيراد معلومات خاطئة قد تسبب «وجع الراس» للأقارب المتبقين في دمشق، أو تدفع المهاجرين منهم إلى الذعر قبل «النزلة عالشام» للقاء الأهل، كما كانت رائفة نفسها ستفعل بعد شهرين، بحسبما كتبت عرفة.

المغدورة كانت تعمل على إنهاء العلاقة دون شوشرة، وأنها لم تكن تشعر بالخطر لأنها كانت من الرقة إلى درجة أن أحداً في الدنيا لا يمكن أن يفكر في إيذائها!

تقول العائلة، التي تؤكد على حقها في أن تكون مصدر المعلومات الوحيد عن ابنتها، إن الفقيدة «ما لها لا بالمعارضة ولا بالسياسة»، بل إن «ما لها بأي شي»! طالبين من مؤلفي الإشاعات ومتداوليها: «ارحمونا»! ومن الجمهور أن يكتفي بدوره التقليدي اللائق: «ترحموا عليها». في حين توجّه العائلة الاتهام، في صور نشرتها، إلى شاب يبدو غريب الأطوار، يقطن مدينة زفولة نفسها. تزعم أن الراحلة كانت «تحن عليه وتساعده»، قبل أن تكتشف أنه يتعاطى المخدرات وتتوقف عن ذلك، فهاجمها بعد أن «طلب مصاري». في حين بيّن صديق قديم لرائفة أن القاتل هو زوجها، أو طليقها بعد تجربة فاشلة جمعتهما في هولندا. أضيفت إلى زواج سابق أنجبت منها يافعاً قيل إن تأمين مستقبله كان أحد دوافعها للهجرة. ويؤكد الصديق أن المغدورة كانت تعمل على إنهاء العلاقة دون شوشرة، وأنها لم تكن تشعر بالخطر لأنها كانت من الرقة إلى درجة أن أحداً في الدنيا لا يمكن أن يفكر في إيذائها!

قبضت الشرطة على المتهم متلبساً بجريمته، مما يجعل انتظار انتهاء التحقيقات مجرد احتراز شكلاني. ومن جهتهم يقول أصدقاؤه، مصدومين أيضاً، إنه «لا يمكن أن يؤذي نملة»، مستخدمين، بصدق، التعبير الشائع. ويمكن الاستناد جزئياً إلى هذا التقييم بالنظر إلى أن قائليه لم يعودوا أصدقاء فعليين لوائل ضرغام بعد أن زادت طباعه غرابة في السنوات الأخيرة، وتباعدوا عنه بعدما صار شخصاً مزعجاً.

ضرغام سوري من أصل فلسطيني. في الثالثة والثلاثين، يصغر ضحيته/ زوجته بعشرين عاماً. عاش يتيم الأم، وهو الأمر الذي عوّضه عنه حنان رائفة، كما كان يقول لمحيطه. نشأ في كنف أب يعمل في التلفزيون السوري، فورث هندسة الصوت التي أصبحت مهنته الناجحة المجزية. كان أحد موظفي قناة «الدنيا»، المملوكة لرجال أعمال موالين للنظام، عندما قامت الثورة فانحاز إليها. ودفع ثمن ذلك أشهراً قضاها معتقلاً لدى المخابرات، في تجربة خرج إثرها محطماً وسجّلها في رواية مخطوطة بعنوان «البندوق». وإلى هذه الشهور المريعة يُرجع من عرفوا القاتل اضطرابه الذي بدأ قبل أن يدمن الحشيش وتستفحل حالته.

 

04_2.jpg

 

تضيف صفحة وائل دوتخام على فيس بوك بعداً آخر للقصة. في الصور والفيديوهات الذاتية يظهر وحيداً على الدوام، حتى في ورشة المعادن التي تمكن من الحصول على عمل مجهد فيها. أما في يومي العطلة فيتفرغ لقراءة و«مجالسة» فرويد وفان غوخ ونيتشه وبرغسون، الذين تتكرر صورهم بشكل مفرط مصحوبة بصوره الشخصية الموحية بالخبل. كما لا تغيب صور سياسيين كترامب وأردوغان وميركل وبوتين... وبشار الأسد، مع تعليقات غامضة وفاقدة السياق.

في أحد بثوثه المباشرة ذات الإيقاع المتفلت يفتتح بالحديث عن «التصادم الثقافي بين الحضارات» ثم يقول إن اللاجئين «فيران سبّاحة»، من وصل منها عاش وصار اسمه «الناجي»، وهو شخص حالم ضاع عندما بلغ مدن الأحلام. إذ يُطلب من اللاجئين أن يصبحوا مواطنين أوروبيين قابلين للتأثر والتأثير والاندماج، هم القادمون من منطقة يستمر فيها القلق والتوتر والحروب منذ ثمانين عاماً، دون أن يحدد سبباً لهذا التاريخ. ستتشكل الجينات على القلق والخوف وستسأل نفسها لماذا أنا هكذا؟ وفي بلاد المهجر المتقدمة تحصل حالة الاصطدام «المفجعة» ولكن الجميلة في النهاية لأنها «قصة حب». قبل أن يسترسل في استطراد هاذٍ عن الأجيال الجديدة التي عاشت الخوف والحذر بشكل دائم، مما أورثها مشكلة ثقة بالآخر رغم اعتزازها بذاتها ومعرفتها بسبل تحررها. هكذا تبدأ «الهرولة إلى مزابل التاريخ». ولذلك، يا أستاذ: «يجب على هذا الطفل الميت في داخلك أن يحيا في أجساد أخرى تليق بها الحياة أكثر منك ومني ومن كل البائسين أمثالي وأمثالك».

تحت أي عامل مشوش كان وائل ضرغام وهو يعتدي على ضحيته/ أمه؟ هل كان مدمناً فاقد السيطرة؟ أو أسير ذاكرة الانتهاك الذي تعرض له أثناء الاعتقال؟ أم مجرد روح جديدة طحنتها الهجرة إلى الشمال؟

 

05_2.jpg