السياسات الأميركية المتناقضة واحتمالية زيارة الأسد لبغداد!

2023.06.29 | 08:38 دمشق

آخر تحديث: 29.06.2023 | 08:38 دمشق

السياسات الأمريكية المتناقضة واحتمالية زيارة الأسد لبغداد!
+A
حجم الخط
-A

وقع العراق منذ العام 2003 تحت مطرقة الإدارة الأميركية التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة وفي كافة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية إلا وتدخلت بها.

ورغم أن ظاهر الأمر يشير إلى عملية سياسية ديمقراطية تجري في العراق لكن المتابع الدقيق للشأن العراقي يعلم جيدا أن السفير الأميركي هو الذي يدير الأمور منذ أيام الحاكم المدني بول بريمر وحتى أيام السفيرة الأميركية الحالية ألينا رومانوسكي.

وقد كانت سياسات واشنطن مع الحكومات العراقية قائمة على سياسات الشد والتفاوض طويل الأمد، والقبول بالرأي الأميركي في نهاية المطاف وإن بدا الأمر في ظاهره بأنه "مفاوضات ندية بين بلدين".

ويبدو أن حكومة بغداد الحالية برئاسة محمد شياع السوداني ليست استثناءً من تلك القاعدة، ولهذا اختير بعد أشهر من النقاشات الحادة والمملة، الداخلية والخارجية، وربما تمّ اختياره بمشورة من السفيرة الأميركية للقوى السياسية الفاعلة في العراق.

والسوداني هو مرشح قوى الإطار التنسيقي (الشيعي) الحاكم، بقيادة نوري المالكي، وفي منتصف كانون الأول/ أكتوبر 2022 بدأت حكايته برئاسة الوزراء في المشهد السياسي العراقي.

وشهدت المراحل الماضية، وبالذات خلال الحكومات الثلاث الأخيرة، منافسات غريبة بين الكتل السياسية في التعامل مع رؤساء الحكومة بخصوص درجات قربها وابتعادها من السفارة الأميركية، وكأنها نافذة واسعة لمحاولة إرضاء عموم الشارع الغاضب من الأداء غير الناضج في مجمل مفاصل الدولة!

فهل السوداني يختلف عن الرؤساء السابقين من حيث قربه من واشنطن، رغم عدم توجيه دعوة رسمية له حتى الآن لزيارة البيت الأبيض، وهل ستوجه النيران (الصديقة) على حكومته؟

خلال الستة أشهر الماضية عمل السوداني، وبتشجيع أميركي، على تطوير العلاقات العراقية - السورية، والسورية – العربية!

اليوم، وبعد ما يقرب من تسعة أشهر على تشكيل حكومة السوداني ونيلها ثقة البرلمان في 28/10/2021، نحاول وضع الحكومة في الميزان السياسي وبالذات فيما يتعلق بالدور الأميركي المتناقض مع إعادة العلاقات مع النظام السوري أو محاولات حكومة السوداني إعادته إلى الحضن العربي بشكل طبيعي!

الغريب أن الإدارة الأميركية ومنذ عدة أشهر تنسق بطريقة علنية مع حكومة السوداني بدليل أن السفيرة الأميركية ببغداد، رومانوسكي، التقت بالسوداني قرابة عشر مرات قبل وبعد تسلمه للمنصب الرئاسي، وقد التقت أيضا بعشرات كبار المسؤولين المدنيين والأمنيين وكأنها هي الحاكم في العراق!

وخلال الستة أشهر الماضية عمل السوداني، وبتشجيع أميركي، على تطوير العلاقات العراقية - السورية، والسورية – العربية!

وقد أكد السوداني لوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد ببغداد منتصف حزيران/ يونيو الحالي استعداد العراق لمساعدة سوريا في "تجاوز معاناتها وأزماتها"!

وقد نقل المقداد دعوة رسمية من رئيس النظام بشار الأسد للسوداني لزيارة دمشق، وهنالك احتمال كبير بأن يزور السوداني دمشق.

وهذه الزيارة ربما ستكون في مرحلة ما بعد عيد الأضحى المبارك، وهذه الفعالية الحكومية الدبلوماسية ليست غريبة وذلك لأن العراق، وعلى كافة المستويات السياسية، لعب دورا فاعلا في إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، وربما تأتي هذه الزيارة لتأكيد المساعي العراقية الداعمة للنظام، والتي هي، غالبا، بإرادة غير قومية وإنما بدفع واضح من طهران التي تريد تلميع صورة النظام بعد أن أجرم بحق الشعب السوري بالقتل والتهجير وبحق العديد من دول المنطقة بالمخدرات!

وقد تكون هنالك زيارة لرئيس النظام إلى بغداد وفقا لبعض التسريبات غير الرسمية، وهذا الأمر لم يحدد وقد يتمّ دعوة رئيس النظام خلال زيارة السوداني المرتقبة لدمشق!

وهذا يعني أن سياسات السوداني تجاه النظام السوري تجد قبولا كبيرا لدى واشنطن، ولكن الأمر الغريب أن واشنطن ترفض في ذات الوقت التطبيع مع النظام.

وقد سبق لنائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل أن أعلن بداية أيار/ مايو الماضي أن الولايات المتحدة "لن تطبع العلاقات مع نظام الأسد، كما أننا لا ندعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع دمشق، وأن الولايات المتحدة تعتقد أن الحل السياسي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لهذا الصراع في سوريا".

وحقيقة لا يمكننا تفهم هذا التناقض الأميركي في دعم سياسات السوداني تجاه النظام السوري، وفي ذات الوقت تؤكد أنها لا تدعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع النظام؟

إن تركيز السوداني على تطبيع العلاقات مع النظام السوري، واحتمالية زيارته المرتقبة لدمشق، وزيارة الأسد لبغداد جميع هذه الفعاليات لا يمكن أن تتم دون موافقة مسبقة من البيت الأبيض

أظن أن مهمة السوداني عسيرة على المستويين الداخلي والخارجي وهي أمام ملفات معقدة وفي مقدمتها الملف الاقتصادي، ولكنها، في ذات الوقت، مقبولة من قبل واشنطن!

الأشهر الخمسة المتبقية من هذا العام ربما هي المقياس الأبرز لبقاء حكومة السوداني أو لمواجهتها حركة شعبية جديدة ستطيح بها كما حدث مع حكومة عادل عبد المهدي في العام 2019!

إن تركيز السوداني على تطبيع العلاقات مع النظام السوري، واحتمالية زيارته المرتقبة لدمشق، وزيارة الأسد لبغداد جميع هذه الفعاليات لا يمكن أن تتم دون موافقة مسبقة من البيت الأبيض.

وأتصور أن واشنطن تؤكد ثانية بأنها تدير سياساتها في المنطقة عبر سياسة إدارة التناقضات، ورغم (العداء) الظاهر بين واشنطن وطهران الداعمة للنظام السياسي العام في العراق، إلا أن السوداني عمل بشفافية مع السفيرة الأميركية دون أي تردد!

وبالمحصلة نجحت حكومة بغداد في تقريب بعض وجهات النظر الأميركية - الإيرانية، وتقريب وجهات النظر الإيرانية -السعودية بدرجة واضحة، لكنها فشلت، عموما، في ترميم البيت الداخلي العراقي في ظل وجود جماعات معارضة عديدة داخل العراق وخارجه!