اللاجئون العراقيون في سوريا اليوم!

2023.05.14 | 06:04 دمشق

اللاجئون العراقيون في سوريا اليوم!
+A
حجم الخط
-A

تزامنت هجرة العراقيين إلى خارج وطنهم مع دخول طلائع قوات الاحتلال الأميركي إلى العراق بداية العام 2003.

ومع تنامي صور الخراب والقتل والرعب ازدادت الهجرة الخارجية والداخلية، وقد تنوعت وجهات العراقيين الخارجية لكنها في الغالب كانت صوب الدول المجاورة وبالذات سوريا والأردن وتركيا، وبدرجات ثانية إلى مصر وبقية دول المهجر وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا، وفي جميع الأحوال لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد العراقيين في الخارج!

ونحاول هنا تسليط الضوء على العراقيين الموجودين اليوم في سوريا، رغم مرور أكثر من عقد على الثورة السورية ضد النظام الحاكم.

في نهاية العام 2006 قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها بأنه ومنذ بداية احتلال العراق عام 2003، " نزح مئات ألوف العراقيين من بلدهم طلباً للجوء في البلدان المجاورة، وثمة نحو مليون عراقي يتوزعون مناصفةً بين الأردن وسوريا".

وقدرت الأمم المتحدة في العام 2008 عدد اللاجئين العراقيين في سوريا بمليون ونصف، 153.000 منهم فقط مسجلون رسميا، وأكدت أن معظمهم نزحوا بعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء عام شباط/ فبراير 2006، وما تبعه من أعمال عنف وقتل وترهيب!

وسبق للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أصدرت في 19 حزيران/ يونيو 2007 تقريرا قدرت فيه عدد اللاجئين العراقيين خارج العراق ب 2،2 مليون شخص!

أغلب اللاجئين العراقيين يقيمون في أحياء فقيرة وأزقة مليئة بعراقيين حائرين بعد أن خوت جيوبهم، وأفلسهم الواقع الذي هم فيه

وأكد التقرير أن اللاجئين الأفغان يأتون في المرتبة الثانية بعد العراقيين، حيث يربو عددهم على مليوني لاجئ.

وسبق لمنظمة حمورابي لحقوق الإنسان أن كشفت في 23 أيلول/ سبتمبر 2009، بأن العراقيين في سوريا يشكلون 6% من سكان سوريا الذي يقدر تعدادهم بـ 20 مليون نسمة أي (نحو 1,2 مليون عراقي)، ويشكل الأطفال نسبة تصل إلى 50% حسب تقديرات اليونيسيف UNICEF.

وأكدت بأن أغلب اللاجئين العراقيين يقيمون في أحياء فقيرة وأزقة مليئة بعراقيين حائرين بعد أن خوت جيوبهم، وأفلسهم الواقع الذي هم فيه، وينتظر بعضهم مساعدات أقربائهم في بلدان المهاجر الأخرى أو آخرون ينتظرون رحمة المؤسسات الإنسانية، والغالبية منهم يعتمدون على برنامج المساعدات الغذائية التي بدأت به الأمم المتحدة قبل أكثر من عام وذلك بتزويد الفرد اللاجئ المسجل لدى UNHCR حصة تموينية كل شهرين!

ومعلوم أن الحصول على إقامة للمغتربين في سوريا ليست هينة، وقد حدد النظام السوري، نهاية العام 2009، الفيزة للعراقيين بثلاثة أشهر، ولكن السلطات السورية أعطت فرصاً أخرى تمكن العراقيين من الحصول على إقامات لمدة سنة واحدة على أن يثبتوا أن لديهم أطفالا ملتحقين في المدارس السورية، وكذلك عقد إيجار طويل الأجل، تبلغ مدته عادة سنة واحدة، وبهذا لاحظنا توافدا للكثير من العوائل العراقية إلى الشام.

وغالبية العراقيين الموجودين في سوريا قبل الثورة السورية هم من المضطرين للبقاء في الخارج، وقد رتبوا أوضاعهم لحياة شبه مستقرة حينها في القطر السوري، ولكن، وبعد الثورة السورية ضد النظام الحاكم، اضطرت بعض العائلات للعودة إلى العراق بسبب تنامي وقساوة ظروف الحرب هناك، ولكن بقيت نسبة منهم في الداخل السوري لكننا لا نعلم على وجه التحديد أعدادهم، وهم غالبيتهم من المواطنين المضطرين للبقاء في سوريا وتقطعت بهم سبل العيش ولا يمكنهم الرجوع للعراق أو الذهاب لبلدان أخرى!

وقد لوحظ أنه، وبعد تنامي المواجهات بين النظام السوري والقوى المعارضة لهن شاركت بعض الفصائل "العراقية" المسلحة وبالذات حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله في القتال إلى جانب قوات النظام، ولكن هل استقرت عوائل تلك القوات في الشام أم عادت إلى العراق؟

أتصور أن التأكيدات الرسمية وغير الرسمية تشير إلى عودة تلك الفصائل إلى العراق للقتال ضد داعش في معارك الموصل وغيرها وبالتالي لا يمكن الجزم باستقرار عناصر هذه الفصائل في سوريا.

ورغم التحسن الأمني النسبي في العراق بعد العام 2022 لكن هنالك نسبة ليست قليلة من العراقيين يوجدون اليوم في الخارج وبالذات في دول الجوار وأوروبا، وفضلوا البقاء في المهجر!

واليوم لا أحد يعرف أعداد العراقيين في عموم المدن السورية، وهنالك مئات العوائل في مخيم الهول، وهم من عوائل عناصر داعش، وغالبية هؤلاء لا يمكنهم العودة للعراق بسبب الرفض المناطقي والمجتمعي لعودتهم، وهم متخوفون من الانتقام الذي قد يطولهم في حال عودتهم للعراق.

وقد تطرقنا للحديث عن العوائل العراقية في مخيم الهول بمقال سابق بموقع سوريا اليوم بعنوان "عوائل مخيم الهول نهاية مأساة أم بدايتها"!

وتختلف أسباب عدم عودة هؤلاء وفقا لحالة كل شخص منهم، ولكن بالمجمل يمكن الإشارة إلى أهم أسباب امتناع غالبية هؤلاء عن العودة للعراق، ومنها:

- وجود مذكرات قبض واعتقال (قانونية) بحق بعض الأشخاص.

- وجود مطالبات عشائرية، حقيقية أو كيدية، بحق بعض اللاجئين.

- تنظيم بعض العراقيين لأوضاعهم المعاشية والدراسية لهم ولأولادهم في دول الجوار وغيرها، واستقرار ظروف بعضهم التجارية والعقارية هناك!

- خشية عوائل المتهمين بالإرهاب من الملاحقات القانونية والعشائرية.

- عدم وجود مصادر عيش واضحة لهم في العراق وربما غالبيتهم اضطروا لبيع ما يملكون لترتيب أوضاعهم الحياتية في الخارج.

- عدم وجود محاولات رسمية جادة لعودة النازحين وبالذات للخريجين ولحملة الشهادات العليا والموظفين وبالتالي لا يمكن لهؤلاء العودة من دون وجود مصادر رزق واضحة لهم ولعوائلهم، وبالذات مع الارتفاع الجنوبي لمستوى المعيشة والسكن في العراق.

ومع ذلك تحاول بعض حكومات بغداد أن تتابع أوضاع العراقيين في دمشق، وفي نيسان/ أبريل 2021 التقت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو مجموعة من الأسر العراقية الموجودة في سوريا بحضور القائم بأعمال السفارة وطاقمها، واستمعت الوزيرة إلى مشكلاتهم ومن ضمنها استخراج الإقامة والحصول على الأوراق الثبوتية للمواليد الجدد وحصولهم على شهادة الجنسية وجواز السفر باعتبارهم عراقيين.

وأكدت الوزيرة أن وزارتها ستتحمل كل التكاليف لمن يرغب منهم بالعودة بشكل طوعي إلى البلاد، إضافة إلى تقديم الدعم لتلك الأسر حال عودتهم للعراق!

إن الواجب الأبرز الواقع على حكومة بغداد ومنظمة الأمم المتحدة "يونامي" يتمثل في ضرورة توفير الأرضية الصالحة لعودة اللاجئين من سوريا وغيرها

وتحاول الحكومات العراقية الأخيرة دعوة العراقيين للعودة الطوعية بين فترة وأخرى، وآخرها في 15/ شباط/ فبراير 2023 حيث أعلنت سفارة العراق في دمشق للعراقيين أن "وزارة الهجرة والمهجرين في جمهورية العراق وبناء على توجيهات دولة رئيس مجلس الوزراء أعلنت استعدادها لنقل العوائل العراقية الراغبة بالعودة الطوعية إلى العراق عبر حافلات هيئتها الوزارة لهذا الغرض"!

ولكن هل النقل للعراق فقط من دون وجود ترتيبات معاشية واضحة هو الحل الأمثل عودة اللاجئين العراقيين للوطن؟

إن الواجب الأبرز الواقع على حكومة بغداد ومنظمة الأمم المتحدة "يونامي" يتمثل في ضرورة توفير الأرضية الصالحة لعودة اللاجئين من سوريا وغيرها، ومن بين هذه الترتيبات حمايتهم من الملاحقات الكيدية، وتوفير أسباب الحياة الكريمة الضامنة لعودتهم ومنها المال الكافي بحيث توفر لهم الدولة الأموال التي تكيفهم على الأقل لمدة السنة لترتيب أوضاعهم السكنية والمعيشية والصحية وغيرها من ضروريات الحياة لحين ترتيب أوضاعهم داخل البلاد.

الواقع المرير يؤكد أن جميع المحاولات الرسمية لعودة اللاجئين للعراق كانت هزيلة وبالتالي لا يُمكن تصور عودة واضحة للاجئين العراقيين في المراحل القريبة المنظورة!