الأهداف الاقتصادية الإسرائيلية من اتفاقات التطبيع

2020.10.06 | 00:14 دمشق

111_2.jpg
+A
حجم الخط
-A

كثيرة هي الأطماع السياسية والتطلعات العسكرية الإسرائيلية من التطبيع الجاري مع الدول العربية عموما، والخليجية خصوصا، دون إغفال الأهداف الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، وهو ما تمثل بالمقولة الإسرائيلية الدارجة بأن التطبيع القائم هو شراكة بين "العقل اليهودي والمال الخليجي"، مما استفز صناع القرار في عواصم الخليج، الذين اعتبروا هذا التوصيف تقليلا من شأنهم، وحصرا لدورهم في ضخ المال، دون التفكير!

لعل من أهم المخرجات الاقتصادية للتطبيع الخليجي الإسرائيلي تلك المتمثلة في الاتفاقية الموقعة بين شركة "موانئ دبي" العالمية المملوكة لإمارة دبي، وشركة دوفر تاور الإسرائيلية لتطوير الموانئ والمناطق الحرة، وفتح خط شحن مباشر بين ميناء إيلات المطل على البحر الأحمر وجبل علي في دبي.

ترى إسرائيل أن هذه الشراكة تهدف لبناء خطوط تجارية بينهما مع دول أخرى، لتسهيل الأعمال التجارية في المنطقة وتحسينها، ما سيؤثر على حركة التجارة والاقتصاد العالمي، وأن الشركتين ستتعاونان لإقامة مشروع مشترك لميناء حيفا، رغم أن ذلك سيقلل من حركة المرور عبر قناة السويس المصرية.

هذه الخطوات الاقتصادية الخليجية الإسرائيلية تمثل تحديا كبيرا لقناة السويس، التي يمر منها 10 بالمئة من حجم التجارة العالمية، وتخطط مصر لزيادة هذه السعة إلى 12 بالمئة بحلول 2023، ما يمثل تحديا الآن مع وجود منافسة جديدة في ممر الملاحة الذي يربط البحرين الأحمر والمتوسط، وسيترك على مصر آثارا سلبية متوقعة للشراكة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل.

مع العلم أن معظم صادرات دول الخليج منتجات بترولية، وبالتالي فإن خطا ملاحيا يربط بين ميناء إيلات في البحر الأحمر وميناء عسقلان في البحر المتوسط من شأنه أن يخلق منافسة لمصر بنقل النفط من الخليج إلى أوروبا، دون الحاجة للمرور عبر قناة السويس، وهو تحدّ حقيقي، لأن 17 بالمئة من عائدات القناة تأتي من ناقلات النفط.

تنظر إسرائيل إلى الخط الحديدي الرابط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر وميناء أسدود على البحر المتوسط على أنه ميناء محوري داخلي، وبموجب اتفاقية التطبيع، سيمتد هذا الخط الحديدي شرقا لدول الخليج العربي عبر الأردن، لنقل البضائع القادمة من أوروبا والولايات المتحدة عبر إسرائيل، دون الحاجة للمرور عبر قناة السويس، وهذا سيكون التحدي الثاني للقناة.

التحدي الثالث أن إسرائيل أصبحت منافسا قويا لمصر بتصدير الغاز، وقبل تصديره لجأت إليها من أجل مصانع تسييله، ولكن مع اتفاق التطبيع مع الإمارات، سيتم بناء مصانع تسييل

صحيح أن الإمارات من بين أكبر خمس دول مستوردة للبضائع المصرية، لكن إسرائيل تسعى دائما لتعظيم مكاسبها على حساب الآخرين

في إسرائيل لتصدير الغاز لأوروبا، بجانب تضارب المصالح بين ميناء جبل علي وميناء العين السخنة المصري، وكلاهما يخضع لإدارة شركة "موانئ دبي"، لأن الأخيرة لم تحقق هدفها بتقديم خدمات لوجستية مرتبطة بالحركة البحرية العالمية.

هذا يعني بالضرورة أن اتفاقية الشراكة بين الإمارات وإسرائيل ستؤثر سلبا على الملاحة بقناة السويس، وتداول البضائع في العين السخنة، وهذا سيناريو معقول ما لم تحاول مصر مناقشة موقفها مع موانئ دبي العالمية، وأن تلعب المصالح الاقتصادية المشتركة، وبطاقات المنفعة المتبادلة في الاقتراب من الإمارات، خشية أن تفقد قناة السويس وميناء العين السخنة قدرتهما على المنافسة.

صحيح أن الإمارات من بين أكبر خمس دول مستوردة للبضائع المصرية، لكن إسرائيل تسعى دائما لتعظيم مكاسبها على حساب الآخرين، ولهذا السبب يتحتم على مصر توطيد علاقاتها الاقتصادية مع الإمارات والدول الأخرى.

في الوقت ذاته، من المتوقع أن تقترب شركة "موانئ دبي" من الاستحواذ على مناقصة خصخصة مرفأ "حيفا"، وتخطط لربطه بالعراق، بعدما حصلت على الموافقة مبدئيا من قبل وزارتي المالية والنقل الإسرائيليتين، تمهيدا لتوفر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، حيث تشغل هذه الشركة ميناء جبل علي العملاق في دبي، و80 ميناء آخر حول العالم.

تستند التطلعات الاقتصادية الإسرائيلية في اتفاقات التطبيع الجارية إلى أنه لم يكن رائجاً الإبحار مباشرة من الإمارات لإسرائيل، لكن ذلك سيتغير الآن، فلدى إسرائيل موقع يسمح باتصال قصير بالعالم، فالمسافة بين حيفا وبغداد 900 كم، في حين أن المسافة بين البصرة وبغداد 600 كم، وهذه مزايا لوجستية واضحة لإسرائيل، لاسيما ميناء حيفا، الذي يتمتع بموقع لوجستي مثالي لنقل البضائع للعراق.

مع العلم أنه خلال فترة الحكم البريطاني في المنطقة، كانت هذه هي الطريقة المستخدمة لنقل النفط من الشرق الأوسط لأوروبا عبر خط أنابيب يبدأ من شمال العراق في كركوك، ويصل إلى حيفا.

يؤكد ما تقدم أن النظرة الاقتصادية لاتفاقات التطبيع تحتل حيزا هاما في النظرة الإسرائيلية إليه، لأنها نافذة لتعاون اقتصادي واسع النطاق، من خلال الأعمال التجارية الناجحة، والإعلان عن شراكة مع شركة مبتكرة لإنتاج المياه، حيث تتقدم إسرائيل من حيث المعرفة، ويمكنها المساهمة كثيرا في الزراعة والتكنولوجيا وتنمية رأس المال البشري، في حين تشكل دول الخليج أرضية خصبة لاستثمارات إسرائيلية قد تؤتي ثمارها في المستقبل.

من المتوقع أن تمتد الإمكانات الاقتصادية بين إسرائيل ودول الخليج إلى عدة مجالات: السياحة والطيران والتكنولوجيا المتقدمة والعقارات والتكنولوجيا والصفقات العسكرية، بجانب النفط، الذي تشتريه إسرائيل حاليا بشكل أساسي من الأكراد شمال العراق، وينتقل عبر خط الأنابيب التركي، وطالما أن أنقرة ليست من أصدقائها تل أبيب اليوم، فقد تكون الإمارات بديلة لتركيا لتزويد إسرائيل باستهلاك النفط المطلوب.

يزعم الإسرائيليون أن العديد من مستثمري الخليج على استعداد للاستثمار في المجالات التي تكون فيها إسرائيل متقدمة، مثل التكنولوجيا والإنترنت والصحة الرقمية والذكاء الصناعي، وهي تستعد لسلسلة من المؤتمرات والمعارض الدولية في بعض دول الخليج، على أن تلتقي الشركات الإسرائيلية مع جهات لم تلتقِ بها في الماضي.

أكثر من ذلك، تتوقع المحافل الإسرائيلية في المستقبل افتتاح ملحق اقتصادي في دبي، سيكون رقم 45 حول العالم، ويعني عمل مبعوث دبلوماسي مع فريق متخصص في الاقتصاد، في مكان غير مألوف للمستثمرين والشركات الإسرائيلية، لكن الأمر له أهمية كبيرة، ولعل اتفاق الإمارات والبحرين له تأثير الدومينو، لأن إسرائيل تعول على أن مزيدا من البلدان العربية والخليجية قد تكون في الطريق إليها، وفي هذه الحالة يمكن للشركات الإسرائيلية أن ترى الفرص الاقتصادية هناك.