إيران إذ تستغل التشتت السني.. مشروع لتحالف مع الإسلام السياسي بعد طوفان الاقصى

2024.01.28 | 06:21 دمشق

آخر تحديث: 28.01.2024 | 06:21 دمشق

إيران إذ تستغل التشتت السني.. مشروع لتحالف مع الإسلام السياسي بعد طوفان الاقصى
+A
حجم الخط
-A

منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 في قطاع غزة، واشتعال الجبهة اللبنانية ضمن ما اتفق على تسميته "قواعد الاشتباك"، برزت نقاشات معمقة عن مشاركة قوات الفجر (تنظيم عسكري تابع للجماعة الإسلامية) وفصائل ذات طابع سني في معركة الجنوب اللبناني، في ظل إعلان مسؤولين في الفجر عن أنهم منخرطون في هذا الصراع دون العودة لغرفة العمليات المشتركة المعلن سابقاً بين حزب الله وحماس.

وثمة اقتناع سياسي لبناني وعربي بأنه هذه المشاركة تحمل في طياتها هدفين غير استراتيجيين:

  • الأول: إيجاد مساحة عمل ومشاركة في المعركة عبر دفع المكون السني اللبناني للانخراط في المعركة والمشاركة في سياقاتها وتحولاتها الحاصلة والتي ستنعكس على خريطة النفوذ السياسي في لبنان والمنطقة والاستفادة من حالة التحشيد الأيديولوجي الذي اشتعل في البيئة العربية المؤيدة لمشروع حماس في التحرير والمقاومة.
  •   الثاني هدفه صراعي بنيوي بين مكونات التنظيم السني نفسه، وخاصة أن القيادة الجديدة للجماعة اختارت منذ انتخابها صيف العام 2022 الدخول في مدار التحالف السياسي الذي يدور في فلك الحزب وحماس، بدليل أن كل الخطاب السياسي للجماعة الإسلامية منذ انتخاب قيادتها الجديدة تمحور حول شعار التحرير والتسليح، في حين تسعى قيادة إخوان لبنان الحالية لتوجيه رسائل داخل الجماعة أن خيارها يثمر أكثر من مراعاة العلاقة مع تركيا والدول العربية.

البيئة السنية اللبنانية هي بيئة عاطفية مرحلياً، لكنها ترتكز في عمقها على فكرة الانتماء "للدولة الوطنية" ورفض الانسياق خلف الحالات الجهادية ومشروعات الإسلام السياسي

 

وفي عملية تشريح سريعة للهدفين، فإن الهدف الأول لا يمكنه التحقق لأسباب جوهرية رئيسية وثابتة ويصعب تحريكها، وهي أن البيئة السنية اللبنانية هي بيئة عاطفية مرحلياً، لكنها ترتكز في عمقها على فكرة الانتماء "للدولة الوطنية" ورفض الانسياق خلف الحالات الجهادية ومشروعات الإسلام السياسي.

وهذا المبدأ هو بدليل أن كل التمثيل الذي يحظى به هذا التيار لا يتعدى انتخابياً الـ3.7 بالمئة من التمثيل السني البرلماني، 2.3 بالمئة من التصويت الشعبي في آخر انتخابات برلمانية على الرغم من حالة الفراغ السياسي الحاصل، وهذا الانسياق العاطفي الذي حققته حماس لن ينعكس حضوراً شعبياً لتيار ليس له مشروع سياسي واضح ، يشبه البيئة وتطلعاتها في البناء والإصلاح، وهذا الأمر يمكن التدليل عليه بأن سنة لبنان يؤيدون حماس لأنها استطاعت تسليط الضوء على مقاومة فلسطينية عربية وسحب البساط النضالي المزيف من حزب الله وايران.

أما الهدف الآخر فهو سبب رئيسي لعدم ترجمة تحولات وانعكاسات المعركة على البيئة نفسها، لأن الصراعات البينية بين أجنحة الصراع في التنظيم لا تسمح له بالانخراط في صناعة وصياغة مشروع سياسي من رحم مكتسبات المعركة والتحولات التي ستلقي بظلالها على دول المنطقة، وخاصة أن الصراع بين مشروعين هما: حزب تعددي يعتمد على التشاور والأفكار، وحزب مغلق يعتمد على أفكار تاريخية أثبتت فشلها.

والأكيد أن حالة "قوات الفجر" كتنظيم سني أثرت مشاركته في المعركة في تغطية سلاح حزب الله وهيمنته على الدولة ومشاركته في حروب وصراعات المنطقة، سيكون انعكاسها سلبيا على الجماعة ومحيطها، على اعتبار أن هذا المسار سيؤدي بالدول العربية والإقليمية لاعتبار التنظيم واجهة سنية لحزب الله، وورقة ضغط من الحزب للتفاوض مع الدول المهتمة في صناعة تسوية سياسية لتثبيت الأمن والاستقرار في الجنوب اللبناني.

وهذه الورقة التي سيستفيد الحزب من التفاوض حولها مع الأميركيين والفرنسيين والإسرائيليين، سيكون عنوان التفاوض فيها: أن حزب الله هو الأقدر على ضبط الاندفاعة الجهادية والمسلحة للسنة في لبنان وعدم تحويلها لحالة عامة تقوض أمن إسرائيل.

لكن ومع الحالة الجدلية الحاصلة منذ طوفان الأقصى، تستفيد إيران وحزب الله من هذا الانخراط السني في المعركة، عبر حوارات تجريها طهران مؤخراً وبعيداً عن الإعلام مع تنظيمات إخوانية وسلفية بين بيروت وبغداد، كذلك مشاركة مقربين من حزب الله وإيران في مؤتمرات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومؤسسة القدس الدولية في إسطنبول وعواصم أخرى، في إطار حالة التقارب الجارية منذ مدة، وتعززت في معركة طوفان الأقصى.

وتسعى إيران للتحضير لعقد مؤتمر إسلامي جامع في إيران أو عاصمة إسلامية آسيوية أخرى، مطلع أيار القادم بهدف جمع كل الطاقات الإسلامية مع الإخوان المسلمين في المنطقة، والقوى السنية في العالم العربي، تحت عنوان "عودة الصحوة والوحدة" ويجري التنسيق على حضور أكثر من 1000 شخصية سنية وشيعية من كل أرجاء العالم العربي والإسلامي.

حزب الله وإيران يعولان على "ذاكرة السمكة" التي تتميز بها الشعوب العربية، لمحو ذاكرة العنف والقتل والاحتلال للدول والمجازر وعمليات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي التي جرت في سوريا والعراق واليمن

تريد إيران المراكمة على كل هذه التحولات في سبيل إعادة إحياء منطق "التحالف الإسلامي الجامع" من خلال التقارب مع القوى الإسلامية في المنطقة، على الرغم من تحسين علاقاتها مع الدول المناوئة لتلك الجماعات، كالاتفاق مع السعودية والعلاقة الجيدة مع الإمارات، وصولاً إلى تطوير التفاوض الحاصل لإعادة افتتاح السفارة الإيرانية في القاهرة.

ويبدو أن حزب الله وإيران يعولان على "ذاكرة السمكة" التي تتميز بها الشعوب العربية، لمحو ذاكرة العنف والقتل والاحتلال للدول والمجازر وعمليات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي التي جرت في سوريا والعراق واليمن، لكن الحقيقة مغايرة هذه المرة، حيث تبدو عملية تفريق جماعي عربي بين نضال حماس في غزة، ومتاجرة حزب الله في جنوب لبنان.

يبقى الحل الأمثل في هذه المرحلة في إبقاء النقاش الفكري والأكاديمي والذي يتمحور حول غياب أي بديل واضح للإسلاميين العرب. على الرغم من كل المراجعات التي أجرتها النهضة في تونس، لكن بالمقابل فإن كل الرافضين لهذا المشروع لم يقدموا أي بديل مدني يزاوج بين المحافظة والحداثة، والبناء على التجارب التي عاشت إخفاقات، وكل ما نراه أمامنا هو إعادة إنتاج لثنائية الاستبداد السلطوي والديني، على اعتبار أن أفول الخيارات المدنية سيؤدي لإعادة تنشيط الخيارات الإسلاموية.

البديل المدني بأشكاله العلمانية والمحافظة يحتاج لسنوات من الجهد والتنظيم إن كان في لبنان وسوريا، ما يعني أننا قد نكون أحد أبرز ضحايا إعادة إحياء التحالف بين إيران وبعض المجموعات الإسلامية العربية، ولا سيما في حال تحقيقها مزيدا من النشاط العسكري والانتصارات الميدانية، ما يسرع إمكانية ضرب الخيار الديمقراطي الأوسع.