إصلاح النخبة الناطقة باسمنا.. أم إصلاح الدورة الدموية للسياسة المعارضة؟

2021.10.21 | 09:09 دمشق

gerger.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن مشكلة المعارضة السورية يوماً مشكلة مشروع سياسي تجتمع حوله الكوادر الفاعلة كما جمهور المعارضة، بل كانت المشكلة ومازالت تتمثل في تفكير وسلوك المعارضين أنفسهم كما في سلوك الكوادر الفاعلة أو غير الفاعلة، الأمر الذي انعكس على جمهور المعارضة وجمهور الثورة الذي يتأثر بأجواء المعارضة، فيستلهم لا شعوريا تفكيرها وسلوكها..

فقد درجت العادة عند الدعوة لتأسيس أي تشكيل سياسي مثلاً أن يتسابق الطامعون بمنصب أو وظيفة أو وجاهة أو دور، لإجراء اتصالاتهم، كل طامح مع من يرى فيه صاحب نفوذ وقدرة على التأثير، تسعفه في التعيين، بحيث إن دعوات التأسيس تكشف خلال أيام عن سوق أو بازار يذكّرنا بمسابقات النظام السوري لتعيين الموظفين.. هذه البازارات أنتجت عند النخبة وعند الجمهور ذهنية وسلوكية أنانية شللية جهوية حزبية.. الخ تحكمها قيم لا علاقة لها بالكرامة، ولا بالحرية باعتبارها مسؤولية.. ليس ذلك فحسب، فإضافة للحرص على رضى الداعم، شخصاً أو جهة، أصبح الكرسي أو المنصب والراتب غاية هذه النخبة -إذا صحّ اعتبارها ووصفها بالنخبة- وفي هذا الشأن يتناقل سوريون أحاديث كثيرة عن أعضاء من هذه النخبة السياسية ليسوا مستعدين للتخلي عن رواتبهم تحت أي ظرف كان، كما نقلت مواقف وأحاديث تكشف أن من مصلحة بعض هؤلاء الأشخاص إطالة أمد الحرب أو "الوضع القائم" باعتبار أنهم بذلك يضمنون بقاءهم في مناصبهم وهو ما يعني استمرار رواتبهم..

أجل إلى هذه الدرجة وصلت أخلاق بعض الأشخاص من تلك النخبة.. والخافي أعظم.

الائتلاف ومؤسساته: وجوه جديدة أم دورة دموية جديدة؟

وعطفاً على مسألة بازارات التشكيلات السياسية الجديدة وما شابهها من توسعات أو إضافات أو استطالات، وبدلاً عن ضخ وجوه جديدة أو "أقنعة" جديدة، يحتاج الائتلاف لدورة دموية جديدة، بل يحتاج لفتح مسارات حيوية داخله وعبره تمكّنه من الحياة أولا، قبل أي شيء -باعتباره برأي معظم السوريين مشلولاً أو مصاباً بمرض مستعص- وتصله بأهم الأحزاب والتجمعات السياسية السورية الفاعلة في أوروبا وأميركا، بحيث يكون الائتلاف القلب الذي تجري انطلاقاً منه الدورة الدموية السياسية السورية في الخارج، فينهض الجسد السوري المعارض من جديد ككائن تام الخلق والخُلُق غير مشوّه غير فاقد لأحد أطرافه أو لعدد من أطرافه. غير فاقد لكرامته أو إنسانيته أو شخصيته المميزة..

لأجل هذه الغاية نحتاج خطة لهذا الجهاز أو الجسد السياسي، كما نحتاج "الدينامو" الذي ينفذ الخطة ويبعث الحياة في هذا الجهاز أو الجسد، وثالثاً نحتاج جهاز المتابعة والتقييم لأداء الجسد وإجراء فحوص دورية لصحته.

نقطة ضعف النخبة المعارضة.. الإخوة الأعداء

إن من المهم إلى أبعد حد بث روح جديدة في الائتلاف وإجراء تغييرات تضمن اختيار النزيهين والأخلاقيين، فهناك علاقة أكيدة ما بين الخيانة الوطنية أو خيانة المهمة والوظيفة وما بين الفساد.. وحالة النظام أكبر شاهد.

فإذا لم تسرِ روح المحبة والتفهّم والاحترام - قبل التفاهم والتعاقد - بين المعارضين وبين الكوادر الفاعلة، فمن المستبعد أن يتفقوا سياسياً أو أن يعقدوا أي تفاهم حقيقي ثابت حول أي مشروع، حتى لو كان مشروعاً مثالياً تاماً كاملاً مرسلاً من أعلى هيئة عالمية -لو افترضنا أن هناك من اهتم أخيرا بحل حقيقي ينهي الوضع القائم - وإلا فإن هؤلاء الإخوة الأعداء لن يجدوا أمامهم إلا الضامنين القتلة أو نصف القتلة أو ربع القتلة..

فالمسافة نحو التغيير وإسقاط النظام هي نفسها المسافة نحو لحظة الوصول إلى ائتلاف معارض قوي بكل المعاني..

وهذه الأمنية العزيزة على قلب كل سوري مشروطة كما قلنا بسريان روح الاحترام والتفهّم بين صفوف النخبة المعارضة وصولا للقبول والتفاهم، عدا طبعا عن توفر النزاهة والإخلاص.. وهي أمنية لابد أن تتحقق يوما، كيلا يقال إن المعارضة السورية برهنت أن أخلاق نخبة المتمردين المقهورين ليست سوى نسخة عن أخلاق النخبة الحاكمة المستبدة..

لكن سريان روح التفهّم وقبول المختلفين فكريا أو سياسيا أو حتى قبول الرأي المختلف ضمن الجماعة الواحدة لا يمكن أن يتحقق إلا عند نمطين من الشخصية البشرية:

الأول هو نمط من نشأ في أسرة تجعل الاحترام أعلى قيمة بشرية ويغلب على هذا النمط من البشر الأدب الهدوء رحابة الصدر الإصغاء جيدا للآخرين، عدم الاستثارة بسهولة عند تعرضهم للضغوط أو الاستفزاز.

الثاني هو نمط من نشأ في أسرة متديّنة بسيطة يغلب على أفرادها الدماثة البساطة التواضع نسبياً.

دبلوماسية العلاقات الإنسانية والأصالة الشعبية السورية:

يقول معلّم هندي معاصر إنه لكي تعيش راضياً وسعيداً فعليك أن تحصل على بركة كل شيء تتعامل معه من بشر وطبيعة وكائنات، (يمكن تفسير البركة التي يشير إليها الحكيم الهندي بالطاقة الإيجابية التي يتلقاها الإنسان حينما يقوم بفعل جيد أو خيّر تجاه الآخرين).

تذكرنا هذه المقولة بحياة المدن العريقة كدمشق حلب القاهرة قبل قرون عندما كانت الجيرة أمراً مقدساً وحيث إفشاء السلام واجب ديني ومعايدة المريض واجب اجتماعي بديهي، كما تقديم المعونة قدر الإمكان للمحتاج بشكل فردي أو جماعي واجب إنساني، وكلها مسائل تشير إلى حضور التواصل الاجتماعي الإيجابي اليومي أو المستمر بين جميع أفراد المجتمع.. وستكون آلية المصالحة ونزع فتيل الصراع وفضّ المنازعات بين أفراد المجتمع وجماعاته المحلية على غاية كبرى من الأهمية.

على هذا النحو المتأصّل في روحية السوري المدني يجب أن تبنى وتؤسس هيئات ومكونات العمل السياسي السوري:

أولاً: بحيث تنطلق من إيجابية التعامل مع الجميع محليا وإقليميا ودوليا، لتبحث عن نقاط لقاء أو تشابه أو تشارك أياً كانت، وتحاول البناء عليها نحو مزيد من التلاقي أو التقارب أو التعاون.

وثانياً: على هذه الهيئات والمكونات السياسية أن تعمل على تقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم بين الأطراف الإقليمية بما يخدم القضية السورية، ولا يجوز أخلاقياً ولا سياسياً الاصطفاف مع دولة ضد أخرى، بل يجب أن تكون علاقاتنا جيدة مع الجميع أو على الأقل يجب ألا نشتري عداء أحد.. من منطلق استيعاب الجميع لأننا "أم وأب القضية"، لا أحد آخر، أياً كان هذا الأحد.

تصوّر جديد:

من أبسط القواعد التي يعرفها كل رياضي بل كل مهتم بكرة القدم أو أي لعبة جماعية أن الفريق يحتاج لمدرب جيد، وأهم مهمة للمدرب إلى جانب تدريب الفريق هي مهمة وضع خطة عمل وتوزيع الأدوار بحسب أهلية وموهبة كل لاعب، وتوصيف كل دور ومهمته، وتحديد مواصفات اللاعب الذي يلزم لتنفيذ أي دور من هذه الأدوار.. أي أن قائد الفريق يرسم الخطة بتفاصيلها، يبني الهيكل العظمي ثم يملؤه بالأعضاء كل في مكانه، فلا يجوز وضع عضو مؤهل لأن يلعب دور الرئة (روح الفريق أو المجموعة) محل عضو مؤهل للعب دور اليد (أداة تنفيذ).. الخ

وبعيداً عن إطار التنظير، نطرح أمثلة عن ثلاثة مستويات ينشط فيها الائتلاف والجهات والكيانات المحسوبة عليه، وكيف يفترض به التعامل من خلالها:

أولاً مستوى التفاوض مع النظام:

طالما أن النظام لا يعترف بالقرارات الدولية الخاصة بسوريا ومازال لا يعترف رسمياً بالمعارضة، ويتصرف كما لو أنه كيان يعيش في المريخ فعلى المعارضة أن تتعامل بالمثل مع النظام وتنسحب من جميع الهيئات والاجتماعات التي يشكل النظام أو ممثلوه طرفاً فيها، بالتالي الانسحاب من أستانة وما شابهها.

ثانياً مستوى الداخل والخارج السوريين:

على الائتلاف أخذ خطوة حاسمة باتجاه الاهتمام بشؤونهما وتنظيم صفوفهما:

بالنسبة للداخل: التواصل الفاعل مع المناطق المهمشة التي يضغط عليها النظام لاسيما السويداء وحوران والساحل (حيث بدأ أعضاء من "مسد" التواصل مع أشخاص ينتمون إلى تلك المناطق وتشجيعهم بطرق مختلفة على المطالبة باللامركزية هناك) وتنظيم أوضاع المخيمات في إدلب ولبنان والأردن.

بالنسبة للخارج: تنظيم أوضاع اللاجئين في أوروبا والدفاع عنهم، باعتبار أنهم كتلة هائلة الإمكانات ويمكن أن يشكلوا ورقة ضغط قوية على النظام، ولذلك على الائتلاف فتح مكاتب فاعلة له في عدد من العواصم الأوروبية يتابع فيها شؤون السوريين اللاجئين لدى الجهات الحكومية والسياسية المعنية في تلك البلدان، ولا ننسى تذكير الائتلاف بأوضاع السوريين العالقين في اليونان وأماكن أخرى.. لاسيما مع اقتراب فصل الشتاء حيث تتضاعف المعاناة.