أصوات من سوريا وواقع الترجمة إلى العربية مقارنة بالتركية

2020.08.21 | 00:57 دمشق

hqdefault_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

قبل أيام قليلة استضاف تلفزيون سوريا الباحثة والأكاديمية الأميركية ويندي بيرلمان للحديث عن كتابها الصادر بالإنجليزية في 2017 بعنوان "عبرنا جسرا وقد اهتز .. أصوات من سوريا" ويتناول شهادات 85 سوريا من قلب الثورة واللجوء على حد الوصف يعيشون في 8 بلدان مختلفة. وقد أشار تقرير تلفزيون سوريا أن نسخة الكتاب باللغة التركية قد صدرت في يوليو 2020. وأن الكتاب لم يترجم للغة العربية بعد!

سأل المذيع الكاتبة عن سبب عدم ترجمة الكتاب للعربية، فقالت الكاتبة إن ترجمته للعربية حلم بالنسبة لها، وإن الهاجس هو التمويل، وإن دار النشر الأميركية تكلمت مع عشرات دور النشر العربية التي لم تتجاوب، ولكن هناك دار نشر تركية مولت ترجمة ونشر الكتاب.  وقد تأسف مقدم اللقاء على عدم ترجمة الكتاب للعربية وتمنى تمام ذلك في أقرب وقت.

وقبل أيام قليلة أرسل لي صديق تركي تعريفا لكتاب تمت ترجمته للتركية حديثا من الإنجليزية وهو كتاب إيلان بابيه "الفلسطينيون المنسيون: تاريخ فلسطينيي 1948" الصادر عام 2013، لكن نسخته التركية صدرت في تموز 2020 عن دار كوري للنشر في تركيا، والتي تكفي إطلالة سريعة على موقعها للإشارة على حجم عملية الترجمة إلى التركية للكتب.

 ومع أن كتاب بابيه باعتباره -حالة استثنائية لمواصفات كاتبه- ترجم للعربية في بيروت فقد أوردته كمثال على الاهتمام التركي بعملية الترجمة. وهناك حركة نشطة وقوية من دور النشر في تركيا في عملية الترجمة.

أذكر أنه على هامش معرض الكتاب في الدوحة تحدث السفير التركي السابق في قطر ، فكرت أوزر في بداية عام 2020 أن وزارة الثقافة في تركيا وضعت قائمة تضم 250 كتابا عن الثقافة العربية لترجمتها إلى التركية، وقد أنجز منها نحو 150 كتابا حتى الآن، لكنه أشار إلى أن حركة الترجمة العكسية ما زالت خجولة، ويرجع العزوف عن الترجمة من التركية للعربية إلى أسباب ذاتية ترتبط بدور النشر خاصة، والجدوى المادية، وأخرى موضوعية مرتبطة بالتأثيرات السياسية. وعلى سبيل المثال أشار أوزر  لترجمة أرشيف "يضم نحو 150 مليون وثيقة" عن الدولة العثمانية وتاريخها في المنطقة العربية يمكن أن تكون على سبيل المثال نقطة انطلاق لعملية ترجمة تفتح آفاقا للمعرفة والبحث.

لقد بدأت حركة الترجمة في منطقتنا في الفترة الأموية والعباسية وبلغت ذروتها في عهد المأمون الذي تقول الرواية إنه رأى في المنام شخصا حكيما اسمه أرسطاليس وسأله بعض الأسئلة في المنام ثم لما استيقظ  سأل عنه فقالوا إنه حكيم يوناني فاستدعى أحسن المترجمين وطلب منه نقل كتب حكماء اليونان إلى العربية.

لا أستطيع الإشارة في هذا المقال إلى إحصاءات دقيقة حول حركة الترجمة فهي تحتاج إلى بحث معمق وأرقام رسمية، ولكن يمكن القول إن هناك ضعفا واضحا في الترجمة إلى العربية يراه القارئ والمتابع العادي مع وجود بعض الجوائز في مجال الترجمة ومحاولات رائدة ولكنها قليلة وغير كافية (يمكن الاطلاع عليها في مقال حركة الترجمة في العصر الحديث على موقع مجلة فكر الثقافية) كما أن هناك تركيزا على مجالات الرواية والترجمات الأدبية وهو حقيقة اختزال أكثر منه تركيز، لأنه مرتبط فقط بجانب التسويق وأرقام البيع، وأنه وفق المتابعة الشخصية على الأقل في تركيا نجد أن حركة الترجمة إلى التركية نشطة جدا وفي كل المجالات وعلى سبيل المثال كتاب ويندي بيرلمان الذي أشرنا له عن اللاجئين السوريين، مع أن قائلا قد يقول إن الكتابات المحلية كافية ولا حاجة لترجمة ما يكتب عن قضايا المنطقة المعروفة لسكانها من قبل كتاب أجانب.

 وتشير حركة الترجمة ودور النشر أيضا إلى مكانة القراءة لدى الشعوب فهذا يشير أيضا إلى حالة تراجع لا بد للمنظرين والمثقفين والمؤسسات الوطنية أن تبدأ حملات توعية وأن توفر الدعم اللازم لحركة النشر والترجمة فالشعوب الواعية هي من تستطيع أن تحصل على حقوقها وتختصر الكثير من سِني الألم والمعاناة.

وأستثمر الفرصة هنا للإشارة إلى أنه من الجيد هنا أن يتم تشجيع القراءة وإدماج الأكاديميين والخبراء الذين يعيشون في الغربة والطلاب في المساهمة في عمليات تلاقح ثقافي غير فوضوي تنتقي ما يفيد وتسهم في الارتقاء بالوعي الجمعي وفي عمليات التطوير الوطنية في المجالات كلها. ولعل الأصل أن تقوم بهذا العمل مؤسسة تظل العالم العربي كله كالجامعة العربية أو غيرها  أو حتى أكبر من ذلك كالأمم المتحدة التي تعد اللغة العربية إحدى لغاتها الست المعتمدة، ولكن للأسف هذا مؤشر على دور هذه المؤسسات المتراجعة. لا بد من تشجيع المبادرات التي قد تردم جزءا من الفجوة حتى يكون هناك مشروع رائد يكون مرتبطا بمسار استراتيجي في هذا المجال. ولعل الجرح الأكبر والذي قد يكون فتحه أكثر ألما هو حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى.