ماذا تريد تركيا شرق الفرات؟

2018.11.06 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

خلال الأسبوع الماضي، كثّف الجانب التركي من عمليات القصف المدفعي ضد مواقع وأهداف تابعة لقوات حماية الشعب الكردية المتمركزة شرق الفرات شمال شرق سوريا.  وتعتبر تركيا هذه الميليشيات بمثابة الفرع السوري لحزب العمّال الكردستاني المصنّف على أنه إرهابي، وترى أنّ على واشنطن إنهاء التحالف القائم مع هذه الميليشيات والتفرّغ لتحقيق الأهداف المشتركة للطرفين.

سبق لأنقرة أن عبّرت بشكل واضح أنّها لن تقبل وجود تنظيمات إرهابية على حدودها الجنوبية مع سوريا سواء تمثّل ذلك بتواجد مقاتلين لتنظيم داعش أو مقاتلين لميليشيات (بي واي دي) الكردية أو غيرهم من التنظيمات. وعلى هذا الأساس، شنّت القوات المسلحة التركية بالتعاون مع قوات الجيش الحر عمليات عسكرية في شمال سوريا خلال العامين الماضيين لتطهير المنطقة من هذه العناصر ولتأمين عودة اللاجئين والنازحين إلى أماكنهم.

في يونيو الماضي، تمّ الاتفاق بين واشنطن وأنقرة على تنفيذ اتفاق يقضي بسحب هذه الميليشيات

يعزو البعض عدم تخلي واشنطن بشكل كامل عن تحالفها مع الميليشيات الكردية إلى حقيقة أنّها استثمرت في هذه الميليشيات كثيراً ومن غير الممكن التخلي عنها الآن

من مدينة منبج، وعلى الرغم من الموافقة الأمريكية، إلا أنّ واشنطن استمرت في سياسة المماطلة والتهرب من تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها بموجب الاتفاق، الأمر الذي قرأه الجانب التركي على أنّه محاولة لكسب الوقت من أجل خلق معطيات أمر واقع في شمال شرق سوريا تتيح للميليشيات الكردية التمركز بشكل دائم في تلك المنطقة وسيطرتها على الأرض بعد تأمين الحماية اللازمة لها جواً وبراً.

وفي هذا السياق، ثمة من يشير إلى وجود سباق مع الزمن بين الطرفين الأمريكي والتركي. ويعزو البعض عدم تخلي واشنطن بشكل كامل عن تحالفها مع الميليشيات الكردية إلى حقيقة أنّها استثمرت في هذه الميليشيات كثيراً ومن غير الممكن التخلي عنها الآن على اعتبار أنّها ذراع أمريكا الوحيد داخل سوريا في هذه المرحلة، لكنّ ما تحاول تركيا فعله هو أن تخيّر الولايات المتحدة بين التحالف مع هذه الميليشيات والتحالف معها، مع التأكيد على أن الخيار الأوّل لن يمنع الجانب التركي من مهاجمة هذه الميليشيات.

يبدو وضع تركيا الآن داخل سوريا أفضل بكثير ممّا كان عليه قبل نحو عامين. ونتيجة للتفاهمات الأخيرة مع الجانب الروسي الناجمة عن اتفاقات الأستانا وسوتشي وقمة إسطنبول، يبدو أنّ هناك فسحة زمنية تعدّ بمنزلة فرصة ذهبية للضغط على الولايات المتّحدة من أجل تنفيذ المطالب التركية فيما يتعلق بفك التحالف مع الميليشيات الكردية، وإبعادها عن الحدود مع تركيا ودعوتها إلى تسليم سلاحها والتخلي عن أجندتها الانفصالية التي تهدد وحدة وسلامة الأراضي السورية والتركية إذا ما أرادت بالفعل تجنّب أي عمل عسكري ضدّها.

هذه الرسائل كانت محور الاتصالات التركية- الأمريكية الأخيرة التي تكثّفت في بداية نوفمبر الحالي والتي من المفترض أن يتبعها

أنقرة تريد أن تقول إنّ التحالف لن يحمي هذه الميليشيات وإنّها ليست مضطرة حتى إلى دخول المنطقة عسكرياً، لكنّها مستعدة لفعل ذلك في حال حصول تطورات سلبية

لقاء بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي في ١١ من نوفمبر. لا يوجد أدنى شك من أنّ موضوع منبج وموضوع الميليشيات الكرديّة سيكون على طاولة البحث بين الرجلين. الرئيس التركي كان قد عبّر بشكل واضح عن حقيقة أن صبر بلاده آخذ في النفاذ وأنّ التهديدات بضرورة تعامل واشنطن مع الأزمة بجدّية وسرعة وتنفيذ ما عليها من التزامات تجاه الحليف التركي هو الحل الوحيد لتفادي أي مضاعفات بين الولايات المتّحدة وتركيا في الملف السوري وبين تركيا والميليشيات الكردية.

القصف المدفعي العابر للحدود ضد مواقع تابعة لميليشيات (بي واي دي) الكردية يؤكّد على هذه الرسالة ويضمن الجدّية للتعامل مع هذا الموضوع. أنقرة تريد أن تقول إنّ التحالف لن يحمي هذه الميليشيات وإنّها ليست مضطرة حتى إلى دخول المنطقة عسكرياً، لكنّها مستعدة لفعل ذلك في حال حصول تطورات سلبية.

وفي هذا السياق، يرجّح البعض أن تكون تل أبيض الهدف المقبل نظراً لتركيبتها الديمغرافية من جهة، وموقعها الجغرافي القريب نسبياً من المناطق التي تمّ تحريرها سابقاً في عملية درع الفرات بالإضافة إلى خلّوها من أي قواعد أمريكية الأمر الذي يمنع الاحتكاك المباشر أو التصادم حال حصول مثل هذا الأمر.

لا يعني ذلك أنّ عمليات عسكرية تركية برية ستبدأ قريباً، لكن اجتماع أردوغان- ترامب سيكون حاسماً من دون شك في تحديد مسار التطورات والأحداث فيما يتعلق بإمكانية جسر الهوّة بين الأجندتين الأمريكية والتركية لسوريا، وعمّا إذا سيكون بالإمكان من خلال التعاون بين الجانبين تجنيب الشمال السوري المزيد من العمليات العسكرية أم لا.