ماذا بعد السيطرة على إدلب؟

2019.01.11 | 23:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

اعتدت أن أكتب تحت عنوان "ماذا بعد كذا" كلما لاح أن انعطافة كبيرة في مسار الأحداث تلوح في الأفق بعد تغييرات ميدانية على الأرض وتبدل خارطة السيطرة، فالاستشراف أمر مغرٍ في ظل واقع سيَّال يكاد ينسف معظم التكهنات في كل حدث، ما يجري في إدلب وتوسع سيطرة النصرة (تحت مظلة هيئة تحرير الشام) يشكل إغراء جديداً في الاستشراف والتحليل، إذ يعتقد كثيرون أنه سيشكل انعطافة كبيرة في مسار الأحداث في الشمال.

أولاً لابد من القول إن هزيمة الفصائل العسكرية وبشكل خاص حركة نور الدين الزنكي التي تحولت إلى إمارة حرب تعكس مدى الهشاشة التي أصابت الفصائل مع عجزها عن توحدها والخروج من أنانيتها ومنافعها الخاصة إلى حيز المصالح الوطنية العامة، لكن من الطبيعي أن يحدث هذا بعد نحو ثمان سنوات عبث خلالها بالفصائل مختلف "الأصدقاء"، الذين عززوا التفتت العسكري بتعزيز المنافع الخاصة للحركات والتنظيمات المسلحة وقياداتها ليسهل السيطرة عليها وتطويعها لإرادتهم ومصالحهم. ما من تفسير لعجز معظم الفصائل عن التوحد سوى تحول قياداتها إلى أمراء حرب قادونا إلى خسارة تلو الأخرى، تماماً مثلما تحول جيش النظام إلى ميليشيا، وتحول رأسه إلى أمير حرب أيضاً.

ثانياً قد يذهب البعض إلى أن سيطرة النصرة على إدلب تعني أنها منحت الروس والإيرانيين وما تبقى من النظام كل المبررات لاقتحام إدلب وإنهاء اتفاق سوتشي، لكن هذا الاستنتاج لا يأخذ بالحسبان أن اتفاق إدلب ليس مرتبطاً بوجود تنظيمات مصنفة إرهابية في إدلب وحسب، وإنما إلى مصلحة تركية متعلقة بالأمن القومي، ومصلحة أوربية متعلقة بالخوف من مئات الألوف من اللاجئين لن يكون بمقدور تركيا وحدها استيعابهم.

قد يذهب البعض إلى أن سيطرة النصرة على إدلب تعني أنها منحت الروس والإيرانيين وما تبقى من النظام كل المبررات لاقتحام إدلب وإنهاء اتفاق سوتشي

يجب أن يُلاحظ هنا أن تركيا لم تتدخل وتركت فصيل الزنكي والفصائل الأخرى تلقى مصيرها، ما من شك أن بعض المنافع ستعود إلى تركيا بتفكيك تلك الفصائل التي تشكل عقبة أمام تطبيق اتفاق سوتشي، وخصوصاً الطريقان M4، وM5، ولكن من الخفة القول إن تركيا كانت وراء ما حصل في إدلب لتحقيق هذا المكسب الصغير، مقابل انهيار فصائل معظمها قريبة منها، والسماح للنصرة المصنفة تركيا أنها منظمة إرهابية بالسيطرة على إدلب. ما فعلته تركيا في الواقع بإبعاد فيلق الشام هو الحفاظ على القدرة على التأثير على مجريات الأحداث وإبقاء قدم لها في إدلب، فمن غير المحتمل أن يصمد فيلق الشام بدون تدخل تركي مباشر في مواجهة النصرة، كما أن خوض معركة الآن في ظل الانشغال والحشد في شرق الفرات – الذي يشكل أولوية لأنقرة – أمر غير منطقي عسكرياً وسياسياً في ظل الانسحاب الأمريكي والتفاوض حول الدور التركي فيه ومصير ميليشيا قسد.

كما ينبغي أن يُلاحظ أن ثمة مصلحة روسية ملحة للتنسيق مع تركيا شرق الفرات، فما تسعى إليه موسكو هو أن يرث النظام تحت نفوذها مناطق سيطرة القوات الأمريكية وحلفائها، وهو أمر لن يكون ممكنا بدون تعاون تركي الذي يبدو المرشح الوحيد لملء الفراغ إذا ما أريد للمنطقة ألا تقع تحت السيطرة الإيرانية، فلا أحد يثق بروسيا والجميع يشك في قدرتها على منع الميليشيات الإيرانية والنفوذ الإيراني من التمدد إلى المنطقة في حال آلت إلى سيطرة ما تبقى من النظام. وانطلاقا من ذلك فليس بالإمكان القيام بعمل عسكري في إدلب بدون اتفاق مع تركيا، مما يعني أن احتمال قيام عمل عسكري بشكل منفرد أمر غير وارد في المدى المنظور على خلاف توقع الكثيرين.

إذا ما الذي سيحصل؟ هل ستقايض أنقرة الروس شرق الفرات بإدلب؟ على الرغم من أن هذا ممكن نظرياً لكنه عملياً لديه عوائق عديدة: أولاً فيما يتعلق باللاجئين يجعله غير ممكن مبدئياً القبول بموجة نزوح ولجوء كبيرين لم تعد تركيا قادرة على تحملها. ثانياً منبج ليست بأهمية إدلب وعفرين، ثالثاً سيطرح خروج تركيا من إدلب مصير الشريط الشمالي والوجود التركي مبكراً قبل أي تسوية سياسية تضمن ألا تتحول الحدود إلى مصدر قلق للأمن القومي التركي، ورابعاً التنسيق في ملء الفراغ شرق الفرات الأمريكي- تركي، وانسحاب يبدو من مختلف التصريحات أنه مشروط، لا عودة النظام مقبولة من طرف الأمريكان، ولا بقاء قسد مقبول من طرف تركيا، ولذلك فإن روسيا وتركيا يلتقيان هنا للتنسيق بشأن شرق الفرات.

وفقاً لذلك من المستبعد حالياً قيام ما تبقى من النظام والميلشيات الإيرانية بعملية هجوم بري واسع النطاق بتغطية روسية

وفقاً لذلك من المستبعد حالياً قيام ما تبقى من النظام والميلشيات الإيرانية بعملية هجوم بري واسع النطاق بتغطية روسية، لأنه مثل هذا الهجوم بدون موافقة تركيا، وروسيا ليست في وارد إغضاب تركيا في المدى المنظور.

لكن في ظل ذلك يبقى السؤال هو كيف ستتعامل تركيا مع سيطرة هيئة تحرير الشام أو النصرة على إدلب؟ على الأغلب سيكون هنالك استبعاد لأي عمل عسكري تركي ضدها ريثما تتبلور الأمور في شرق الفرات.