الجولان سورية.. هل نواجه إعلان ترامب؟

2019.03.23 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

اعتقد ترمب أن في هذه اللحظة التي يراهن فيها الجميع على دور فعال للولايات المتحدة في كبح إيران وفرض تسوية سياسية في سوريا تضمن مصالح الأطراف الإقليمية وخصوصاً دول الخليج وإسرائيل مواتية لإعلان اعتراف أمريكي بسيادة إسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ولأن السوريين المناهضين لنظام الأسد منهكين، سواء كانوا من قوى الثورة أو المحسوبين عليها أو كانوا يملكون مشروعاً خاصاً بهم مثل ميليشيا قسد وقوات الحماية الشعبية الكردية (YPG) ومن خلفها (وهي غير معنية أساساً بالجولان)، يعولون على دور أمريكي لمواجهة نظام الأسد وعدم عودة عقارب الساعة إلى الخلف، أي أنهم بحاجة ماسة للدور الأمريكي فإن إدراة ترامب اعتقدت أن السوريين لن يكونوا قادرين على رفع صوتهم أمام الإدارة الأمريكية بخصوص الاعتراف الأمريكي بسيادة الجولان وقول "لا". 

إعلان ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان في هذه اللحظة مرتبط بشكل واضح بتقرير مولر عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي أتت بترامب إلى الرئاسة، وهو السبب ذاته الذي جعله يبيد مخيم الباغوز بمن فيه من الإرهابيين الدواعش والأبرياء ويحرق فيه مئات الأطفال والنساء حرقاً ليتسنى له إعلان الانتصار و"نهاية داعش"، يريد ترمب إنجازاً يواجه فيه نتائج التحقيق. قد لا يكون التغطية على نتائج التحقيق هو هدف ترامب لكن قد لا يكون الهدف الوحيد، لكن من الصعب القول إن الهدف هو مواجهة إيران في سوريا كما يسوق وزير خارجيته الذي قال "إن الله أرسل ترامب لحفظ إسرائيل من إيران"!  كيف تواجه إيران بمنح إسرائيل مرتفعات الجولان؟ ألم يكن من الأجدى إغلاق الحدود السورية العراقية وعدم السماح للإيرانيين وقيادات الحرس الثوري والجيش الإيراني من العبور بحرية وتمرير ما يريدون من الأسلحة والمقاتلين الطائفيين؟ هل هي رشوة عربية لإسرائيل للاستمرار في دورها في استهداف الوجود الإيراني في سوريا ومنعها من الاستقرار فيها؟ ربما هذا هو المقصود، يالبؤس الساسة العرب! يصب كل ذلك في المحصلة أيضاً في خدمة نتنياهو وصراعه الانتخابي أيضاً، هل وصل الحد إلى دعم بعض قادة الدول العربية لنتنياهو مباشرة في سباقه الانتخابي؟

لقد صمتت معظم الدول العربية وبشكل خاص دول الخليج على إعلان ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فقد سبق هذا الإعلان جولة لوزير الخارجية بومبيو في الدول العربية كان واحداً من أهدافها بدون شك التنسيق معها لضمان صمتها، وقد حصل. ومع ذلك فإن "الولايات المتحدة تستعد للاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان الأسبوع المقبل، تزامنًا مع زيارة نتنياهو للبيت الأبيض" بحسب وكالة "أسوشييتد برس"  الأمريكية.

الروس ليسوا قلقين من قضية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أرض سوريّة محتلة، فهم محتلون أساساً للقرم

الروس ليسوا قلقين من قضية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أرض سورية محتلة، فهم محتلون أساساً للقرم، وينتظرون اعترافاً دوليا بها، ويمكنهم مقايضة بها بأي اعتراف دولي آخر، لكنهم من جهة ليسوا في بازار للمقايضة من جهة، ومن جهة أخرى هم قلقون من أن يكونوا هم المستهدفون بهذه القضية، فالروس يشكون في أن هدف هذا الإعلان هو "ضرب سوريا والشراكة الروسية معها"، بحسب عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي أوليغ موروزوف، والذي قال إن بلاده لن تعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتلة، بمعنى آخر ربما تنتظر إدخالها في بازار أمريكي يتعلق بالقرم. ومن غير المفهوم ربط الكرملين بين "التسوية السياسية" وهذا الاعتراف، كما قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين)، ديمتري بيسكوف، أول أمس الجمعة، أن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية لا تخدم التسوية وتزيد من زعزعة استقرار الوضع في منطقة الشرق الأوسط.

الهيئة السورية للتفاوض رفضت في بيان رسمي لها أول أمس الجمعة على تويتر إعلان ترامب، ولكنها شكرت موسكو لموقفها، ولم يبق لها سوى أن تشكر إيران! يحار المرء في فهم العقل الذي يدير هذه الهيئة الهجينة، وكيف تفكر في تجزئة القضايا، فموسكو المحتلة والتي جربت مئات الأسلحة في اللحم السوري الحي هي غير موسكو في العملية السياسية، موسكو عدوة هناك، وهنا وسيط! وموسكو التي تقصف في إدلب والتي حرقت الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الحر والفصائل المحسوبة على الثورة وقتلت الآلاف من الأبرياء هي غير موسكو التي تقف معنا في مواجه إعلان ترامب! ثمة خلل عقلي في هذه الهيئة العجيبة، التي تعبر فعلا عن إرادة دول لكنها لا تعبر بالتأكيد عن السوريين. ولأن الهيئة واجهت موجة غضب بسبب هذا البيان قامت بحذفه (دون أي اعتذار أو إشارة إلى سحبه رسمياً) ونشرت بيانا "إعلامياً" أي بيانا لا يمثل سوى المكتب الإعلامي!.

الكلام بدون تحرك سياسي لمواجهة هذا الإعلان والذي يرجح أن يتحول قريباً إلى قرار رسمي سيكون بلا معنى ولا فائدة

صوت المعارضة بقي خافتاً، رغم التنديد والرفض الصريح، وسيبقى كذلك ما لم يحدث تحرك ما، فالكلام بدون تحرك سياسي لمواجهة هذا الإعلان والذي يرجح أن يتحول قريباً إلى قرار رسمي للولايات المتحدة سيكون بلا معنى ولا فائدة، ولن يكون مسموعاً أكثر من سماع صوت المعارضة الرسمية المذكور ممثلة في الهيئة العليا للتفاوض والائتلاف وحفنة منصات غير مرئية. صحيح أن المعارضة المذكورة لا تملك القدرة على التحرك، لكن هنالك إمكانية للاستفادة من موقف الدول "الصديقة" (وليس العدوة) والدفع باتجاه المحافل الدولية من جهة، والعمل مع القوى المدنية في المدن السورية خارج سيطرة النظام للتحرك من أجل الجولان. 

أخيراً قضية السيادة رئيسية للسوريين، لكنها ليست القضية الوحيدة، فخلف قضية الجولان بشر تم تهجيرهم من أرضهم، وارتكبت العديد من المجازر بحقهم، وانضم الجولانيون  مبكراً للثورة السورية، عاقبهم نظام الأسد بعدة مجازر بينها  مجزرة حجيرة ومجزرة الحجر الأسود ومجزرة الذيابية ومجزرة جديدة عرطوز ،والتي ذهب ضحيتها الآلاف. والصمت عن الإعلان الأمريكي هنا هو قبول بالتنازل عن جزء من الأراضي السورية، وعليه فالتنازل عن أخرى سيكون ممكناً. الجولان سوري ويجب أن نعمل جميعنا ليبقى كذلك.