في الذكرى السابعة للانتفاضة السورية، هل كان الأمر يستحق العناء؟

2018.03.16 | 10:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

صبحي حديدي | ناقد أدبي ومحلّل ومُترجم سوري

يحضرني أمام هذا السؤال بيت من قصيدة للشاعر الدمشقي الصوفي عبد الغني النابلسي، يصف فيها بنبرة ساخرة للغاية معضلة رجل أُلقي في البحر مكتوف الأيدي وقيل له: إيّاك أن تبتلّ!

في العام 2011، أطلق السوريون شرارة الثورة السلمية ضد نظام بربري قائم منذ أربعة عقود على الاستبداد وإرهاب الدولة والفساد وحكم العائلة. ولاشك أن كل ما أعقب ذلك، سواء لحظات النصر الزاهية أو غياهب الهزائم وماتخلّلها من قرارات صائبة وأخرى مُخطئة، كان كلّه نابعاً من حاجة سورية الماسّة إلى فتح صفحة جديدة.

لذا، نعم، كان الأمر يستحق هذا العناء، وتحديداً عند هذا المنعطف التاريخي الفريد وليس قبله. أعتقد أن الأمر لايزال يستحق العناء حتى الآن. لكن، هل كان يُمكن تجنيب سورية بعضاً من هذه الفظاعة المُشبعة بالدم؟ وبعضاً من هذا الدمار الوحشي؟ هل كان يُمكن الحؤول دون وقوعها تحت نير احتلال كلٍّ من إيران وحزب الله وروسيا والولايات المتحدة وتركيا والجهاديين بمختلف أطيافهم؟ لكن من المُلام ياترى، عدا الضحايا الذين يُلقَون، مكتوفين، في لُجّة من الدم!. 

 

ياسين الحاج صالح | مفكّر وكاتب سوري ومُعتقَل سياسي سابق. صدر له مؤخراً كتاب بعنوان "الثورة المستحيلة: الثورة، الحرب الأهلية، والحرب العامة في سورية" 

هذا سؤالٌ يثير فيّ مشاعر متناقضة للغاية. فمن جهة، لديّ أسباب شخصية قوية تدفعني إلى الشعور بالندم على تغييرات طرأت في سورية وأسفرت عن خسائر كُبرى تكبّدناها أنا وأشخاص أعزّاء على قلبي، وعن معاناة لاتُحتمل. أعني بذلك اختطاف زوجتي سميرة ورفاقها على أيدي جيش الإسلام في دوما؛ وقبل سميرة، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة شقيقي فراس ورفاقه أيضاً.

لكن حياتنا كانت بائسة قبل اندلاع الثورة، إذ كنّا محرومين من حقوقنا المدنية والسياسية الأساسية. كان يتم التعامل معنا كالعبيد سياسياً. أمضينا أنا وزوجتي "المغيّبة" وشقيقتها وصهرها وشقيقاي مامجموعه 45 عاماً في السجن تقريباً، كانت حصّتي منها أكثر من الثلث. لم يكن هناك سبيلٌ لعيش حياة أخرى في ظل نظام عبّر جهاراً عن نيّته البقاء في سُدة الحكم إلى الأبد، لأن هذا كان سيعني حرباً مديدة ضد المستقبل.

مع ذلك، الوضع في سورية هو مأساة تجد فيها نفسك ممزّقة داخلياً طيلة الوقت. لكن عندما ننحو باللائمة عن كل ماحدث إلى "الثورة السورية"، ألا يعني ذلك أننا ننزلق إلى منطق الجبرية؟ لذا، قد يكون من الأجدى طرح السؤال التالي: هل كان بالإمكان أن نسلك مساراً آخر غير مسار الثورة لتغيير سورية، في عالمٍ ظلّ يتفرّج طيلة سبع سنوات على الإبادة الجماعية تُرتكب أمام ناظريه ولم يحرّك ساكناً، فيما هو ينهمك في إنكار حدوثها؟

 

عمّار عبد الحميد | محلل سوري وناشط مؤيد للديمقراطية مقيم في واشنطن العاصمة، ويشارك في تقديم البرنامج السياسي "بين سام وعمار" الذي سيبثّ قريباً على قناة الحرة

نزل الناس إلى الشوارع في سورية لأنهم تعبوا من قمع وفساد النظام الحاكم، إذ إنهم كانوا ينتظرون إقدام بشار الأسد على إجراء إصلاحات جادة لتحسين نوعية حياتهم. بعبارة أخرى، كان قرارهم بالتمرّد ضرورياً بقدر ماكان شرعياً.

بيد أن مجرد تساؤلنا عما إذا كان الأمر يستحق، يمحض النظام انتصاره المطلق من خلال دفعنا إلى التشكيك في شرعية قضيتنا. الهدف من هذا الإدراك المتأخر هو مساعدتنا على أخذ العبرة من أخطاء الماضي لتجنّب تكرارها في المستقبل، وليس لدفعنا إلى الشعور بالندم حيال ماحدث. ما يشعرني بالقلق أكثر ليس قرار التمرّد في حدّ ذاته، بل فشل المعارضة في إنتاج رؤية شاملة لمستقبل سورية، وفي تأسيس هيئة محترفة قادرة على مواجهة التحديات السياسية للدبلوماسية المحلية والدولية.

 

إبراهيم حميدي | محرر دبلوماسي أول يغطي الشؤون السورية في صحيفة الشرق الأوسط في لندن

في العام 2011، توافرت في سورية ثلاثة شروط: رغبة وحاجة إلى التغيير، وإلهام "الربيع العربي"، ودعم إقليمي ودولي لرغبة شريحة متصاعدة من السوريين للانتفاض. وإذا ما كرّر التاريخ نفسه وتوافرت الشروط نفسها، أغلب الظن أن يقوم الشعب بالشيء نفسه كما العام 2011.

مع ذلك، عندما يتأمل المرء في كيفية انطلاق الانتفاضة وما آلت إليه الأمور بعد سبع سنوات، يُصاب بالذعر. فما بدأ على شكل احتجاجات شعبية لتحقيق مطالب محلية تحوّل إلى نزاع مسلّح، ثم إلى حرب بالوكالة استقطبت لاعبين إقليميين ودوليين. والآن، يحارب السوريون حروب الآخرين على أرضهم، وتجري تفاهمات تشمل روسيا وإيران وتركيا من جهة، وروسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، فضلاً عن دول أخرى أيضاً. وجميعها تُفرض على السوريين في نهاية المطاف – نظاماً ومعارضة.

على نقيض حالات التغيير الرئيسة الأخرى، مثل أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات، كان من سوء حظ السوريين أن انتفاضتهم تزامنت مع انحسار نفوذ الولايات المتحدة والدول الأوروبية في الشرق الأوسط. وقد استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الساحة السورية" للعودة إلى المنطقة والانتقام لقيام الغرب بإذلال روسيا بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي.

هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن سورية التي نعرفها قد ولّت، ولايمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. سورية الجديدة بدأت في الظهور، والنزاع الدولي – الإقليمي جارٍ حالياً لتشكيلها.