جمال سليمان إلى سوريا المتجانسة

2018.11.09 | 17:27 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بدت عملية تهريب جمال سليمان بواسطة حزب الله من مخيم المية المية، بل من لبنان كله إلى مناطق سيطرة نظام الأسد أو سوريا المتجانسة لافتة لجهة تعبيرها عن الواقع الفلسطيني الحالي في مخيمات لبنان، بل المشهد الفلسطيني بشكل عام. كما عن الواقع اللبناني، حيث يتحكم حزب الله بقوة السلاح بمفاصل السلطة لها، بينما بدت سوريا المفيدة أو سوريا المتجانسة التي لا مكان فيها للاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم وكأنها تسع فقط للمرتزقة والمجرمين منهم.

جمال سليمان هو مسؤول جماعة تسمى أنصار الله هي ليست تنظيم فلسطيني بالمعنى الحقيقي والجدّي للكلمة، تبدو أقرب إلى العصابة أو المجموعة الأمنية التي أسستها إيران وحرسها – التوسعي - تحديداً ثم تابعها حزب الله بشكل مباشر كأداة للتأثير أو النفوذ والهيمنة في المخيمات الفلسطينية في لبنان.

سليمان أصلاً كان مسؤولاً صغيراً في حركة فتح حتى بداية التسعينات من القرن الماضي وتم طرده لسوء السلوك والتمرد، ثم بدأت علاقته مع حزب الله قبل أن ينخرط في حرب التصفيات بين فتح وتنظيم المجلس الثوري، هو متورط مباشرة في اغتيال أو محاولات اغتيال مجموعة من المسؤولين في الحركة الأم قبل أن تنجح هذه في طرده من مخيم عين الحلوة إلى مخيم المية ومية المجاور، حيث أسس جماعة أو عصابة أنصار الله بدعم مباشر من طهران وبرعاية دائمة ومستمرة  من ذراعها المركزي في لبنان والمنطقة.

بعد فترة من الغياب والتواري عاد جمال سليمان للواجهة في السنوات السبع الماضية التي تلت اندلاع الثورة السورية واصطفاف حزب الله إلى جانب النظام في مواجهتها

هنا يطرح السؤال المنطقي لماذا ترعى إيران من خلال أداتها المحلية شخصاً مجرماً دون تاريخ ناصع مشرف أو حيثية شعبية في الساحة الفلسطينية، وحتى لو افترضنا أن هذا قد حصل في ظل توتر العلاقة مع فتح - حصل أصلاً على خلفية الصراع الشيعي بين أمل وحزب الله - فقد كانت العلاقات دوماً حميمة مع القيادة العامة لفتح الانتفاضة والجهاد الإسلامي ثم حماس، وحتى فتح نفسها فيما بعد.

في الحقيقة ليس من تفسير لذلك سوى ذهنية الدولة العميقة والموازية الإيرانية حتى مع العلاقات الجيدة بالمؤسسة، أو الطبقة السياسية الفلسطينية كل عام، إلا أن طهران تبحث دوماً عن جماعة أمنية دون حضور سياسي بارز للاستعانة بها عند الحاجة لتنفيذ المهام الأمنية القذرة التي ترفضها الفصائل ولا تستطيع إيران طلبها منها أصلاً.

الاسم نفسه "أنصار الله" بدا لافتا أنه هو نفسه الاسم الذي أطلقته إيران على أداتها اليمنية – الحشد الحوثي - الاسم نفسه له دلالة دينية تاريخية، حيث لا تعتبر نفسها من المهاجرين القرشيين أو تتبع لهم هم الأنصار في مقابل المهاجرين حتى مع حديثهم الدائم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام ، وربما تتصور إيران نفسها المسيحَ المخلص ومن يؤيدها هم الحواريون أنصار الله.

الأمر الآخر سياسي لا شك، ورغم القناعة الإيرانية بأنها مجموعة أمنية صغيرة، إلا أنه لم يتم استبعاد أو اليأس من فرضية إمكانية سيطرتها على الساحة الفلسطينية، أو حتى تحولها إلى لاعب كبيير في المخيمات كما حصل مع النموذج اليمني.

بعد فترة من الغياب والتواري عاد جمال سليمان للواجهة في السنوات السبع الماضية التي تلت اندلاع الثورة السورية واصطفاف حزب الله إلى جانب النظام في مواجهتها ثم سعيه للتحكم بمفاصل السلطة في لبنان بما فيها المشهد الفلسطيني.

أعتقد أن المهمة التي كلّف بها تمثلت بالسيطرة على مخيم المية ومية، حيث لا يمكن أن يتخذ قرارا  كهذا من نفسه بعيداً عن مموليه ومشغليه، ومن ثم تمدد الجماعة والهيمنة ربما على مخيمات أخرى.

رغم نجاحه في اغتيال مسؤولين وكوادر من فتح بالمخيم عبر مذبحة نفذها بحق سبعة منهم في نيسان/ إبريل 2014، ثم اغتيال مسؤول الحركة في المخيم نفسه - فتحي زيدان - بعد ذلك بسنتين تقريباً، إلا أنه فشل بعد عدة جولات من القتال في السيطرة عليه تماماً، حتى المعركة الأخيرة الأسبوع الماضي تمت محاصرته من خصومه، وباتت المجموعة كلها على وشك التصفية نهائياً لولا دخول حزب الله على الخط لحمايته بحجة حقن الدماء ومنع تدمير المخيم، بينما تمثل الهدف الحقيقى بإنقاذه وتكريس فكرة أن الحزب وإيران لا يتخلون عن أدواتهم.

في المفاوضات طرحت عدة أفكار منها أن ينتقل سليمان إلى الضاحية الجنوبية، إلا أن الحزب أصر على تهريبه إلى سوريا المتجانسة، حيث النظام العصابة التابع الخاضع للوصايات مختلفة الأشكال والمسميات..

عملية إخراجه نفسها جاءت لافتة حيث أصر حزب الله على استمرار مكتب المجموعة فى المخيم كما أصر على رعاية العملية بعيداً عن الدولة، رغم أنه مطلوب لها بعدة مذكرات توقيف واتهامات منها الاغتيال القتل، محاولة القتل والترويع وتهديد السلم الأهلي.

قصة جمال سليمان كشفت أو فضحت الواقع الفلسطيني، وحتى اللبناني، كما حقيقة نظام الأسد، فلو كانت الحالة الفلسطينية عفوية لتم القضاء على المجموعة منذ سنوات طويلة، إلا أن ترهل وفساد حركة فتح منع ذلك إضافة الى عدم امتلاك بقية التنظيمات الشجاعة اللازمة لاتخاذ قرار يتناقض مع رغبة حزب الله الذي أصرّ طوال الوقت على حماية المجموعة ومنع تصفيتها.

في المفاوضات طرحت عدة أفكار منها أن ينتقل سليمان إلى الضاحية الجنوبية، إلا أن الحزب أصر على تهريبه إلى سوريا المتجانسة، حيث النظام العصابة

قصة تهريبه تفضح كذلك هيمنة الحزب على المشهد السياسي والأمني في لبنان، وقيامه بما يراه متناسباً مع مصالحه بغض النظر عن سلطة الدولة وهيبتها، وإلا كيف يتم تهريب مطلوب هو مجرم أساساً في وضح النهار على مرأى ومسمع من الدولة العاجزة فاقدة الحيلة.

أما النظام  العصابة الذي قام بتدمير المخيمات الفلسطينية وقتل أهلها وتهجيرهم، واعتقل الآلاف منهم في معتقلاته، فقد وافق على استقبال قاتل مجرم وطريد مثل سليمان في سوريا المتجانسة، التي لا مكان فيها سوى للقتلة المأجورين المحسوبين زوراً وبهتانا على الشعب الفلسطيني.

هنا يطرح سؤال آخر عن الدور المستقبلي للمجموعة المسماة أنصار الله وثمة اجابات عديدة فقد يتم فتح مكتب أو دكان لها فى مناطق النظام مثل بقية الفصائل، إلا أنه من الصعب تصور قيامها بدور على الأرض السورية لأن البيئة مختلفة، كما أن لا مشكلة لدى النظام في تجنيد ميليشيات ومرتزقة للقتال معه من القيادة العامة وفتح الانتفاضة إلى جيش التحرير الذي تحول إلى  رافد وخزان بشري له.

عموماً قد تظل اللافتة مرفوعة في المية مية أو أي مكان آخر، سليمان نفسه ربما يكون في مأمن تحت حماية النظام وحزب الله والميليشيات الإيرانية، إلا أن الحالة نفسها قد انتهت وقضي عليها ولم تعد صالحة للاستخدام بشكل جدي، مع الإشارة إلى أمر لافت قد يشرح ويختصر القصة كلها، في بداية العام 2015عندما كان النظام يترنح تحت ضربات الثورات وعلى وشك السقوط رغم جهود إيران وحزب الله لحمايته طلب الايرانيين من سليمان أن يقوم بتشكيل حشد شعبي وتجنيد مقاتلين من مخيمات لبنان للقتال إلى جانبهم فى سوريا، هو رفض أو بالأحرى قال إن الأمر ليس بوسعه وفوق طاقته، لأن المزاج  الشعبي العام ضد هذا الأمر، وحتى لو تم إغراء بعض الشباب فهو لن يكون بمأمن من غضب وانتقام عائلات من يقتل منهم، قال ما معناه أنه أداة صالحة للاستخدام في لبنان فقط.