اللغة حاجزا!

2018.09.26 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم تكن لتتخيل صديقتي التي وصلت مع زوجها وأطفالها إلى فرنسا لاجئين من ويلات سوريا أن يموت زوجها أمام عينيها دون أن تستطيع فعل شيء لإنقاذه!

ذاك المساء، لم يكن يشكو من شيء تقريبا، في بدايات الأربعين، لم يحس سوى بألم خفيف في صدره، ازداد الألم شيئا فشيئا، وقررت أن تتصل بالإسعاف، وبين السؤال عن اسمه وبياناته وتأمينه الصحي، ولغتها الفرنسية المكسرة، أخذ الأمر وقتا حتى وصل الإسعاف إليهم حيث يسكنون في مدينة صغيرة ملحقة إداريا بمدينتنا في الجنوب الفرنسي، لكنه فارق الحياة بذبحة صدرية قبل أن يتمكنوا من إسعافه!

وبالطبع فإن معاناة هذه السيدة جراء عدم اتقانها للغة الفرنسية هي جزء من مشكلة عامة لدى

عديد من الدول الأوروبية تعتبر اللغة شرطا أساسيا للعيش هنا، فأنت بحاجة لتتقن اللغة لتجد مسكنا، ولتقوم بتتبع أوراق الإقامة واللجوء.

اللاجئين السوريين الذين أتوا من بلد غير فرانكوني، لا يتحدث معظم سكانه اللغة الفرنسية، ويزيد الأمر تعقيدا عدم قدرة اللاجئين على الاعتماد على اللغة الإنكليزية كبديل حيث لا يتحدث بها الفرنسيون عموما.

في فرنسا كما في عديد من الدول الأوروبية تعتبر اللغة شرطا أساسيا للعيش هنا، فأنت بحاجة لتتقن اللغة لتجد مسكنا، ولتقوم بتتبع أوراق الإقامة واللجوء، ودون مستوى مقبول من اللغة الفرنسية لا يستطيع هؤلاء ايجاد عمل حتى في التنظيف والخدمة الاجتماعية، ولا يستطيعون إتمام تحصيلهم الدراسي.

حسب مشاهداتي فإن ما يعقد الأمور بالنسبة للكثير من العائلات السورية أن النظام في فرنسا هو نظام بيروقراطي، يلزمه تحضير الكثير من الأوراق وتتبع المعاملات، وفي أغلب الحالات يشعر السوريون بالغبن والظلم نتيجة عدم قدرتهم على شرح مشاكلهم أو عدم قدرتهم على طلب المساعدة اللازمة من الجهات المختصة والمساعدين الاجتماعيين نتيجة نقص حاد في لغتهم الفرنسية، وصعوبة تعلم قواعدها بالنسبة لهم.

يتسم الفرنسيون عموما بالصرامة، ويحبون الدخول مباشرة في الموضوع، ويفضلون الإيجاز، فيما نحن مغرمون بالتفاصيل، ونحتاج في حالات كثيرة إلى شرح تفاصيل مشكلتنا فالشيطان بالنسبة لنا يكمن في التفاصيل، وهذا طبيعي في حالة أناس هاربين من الموت، تعرضوا لكم كبير من العنف، ويحتاجون إلى حلول لمشكلاتهم فيحبطون حين تخزنهم اللغة!

في حالات كثيرة كانت هنالك حاجة البوح، والحديث عن مشكلات الحياة، أو الاعتقال أو الفقدان، لكن الذهاب إلى طبيب نفسي أو اخصائي اجتماعي يغدو مربكا مع حاجز اللغة، وحتى مع أناس يجيدون الفرنسية يبقى تفهم ما مر به السوريون يحتاج قدرات تخيل خاصة من الطبيب أو المعالج النفسي.

في كثير من الحالات يكون هنالك انطباع مسبق لدى الموظف الحكومي الفرنسي

ما يزيد من سوء الحال عدم قدرة اللاجئ على إيجاد فرصة عمل معقولة، تكون اللغة سببا في ذلك، لكن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها فرنسا وقلة فرص العمل ترخي بظلالها أكثر على اللاجئين.

بأن اللاجئين سريعو الانفعال، عصبيون، ويغيب عن بال هؤلاء في أحيان كثيرة أن عدم قدرة اللاجئ على شرح مشكلته حتى بوجود مترجم يعتبر محبطا له وقد يسبب هذا الأمر له الانزعاج والعصبية، فيقع في حلقة مفرغة من الإحباط وعدم القدرة على حل مشكلاته.

الملفت أن ما يزيد من سوء الحال عدم قدرة اللاجئ على إيجاد فرصة عمل معقولة، تكون اللغة سببا في ذلك، لكن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها فرنسا وقلة فرص العمل ترخي بظلالها أكثر على اللاجئين وخصوصا حين يأتون من بلاد يعمل الإنسان فيها وفي أكثر من عمل في وقت واحد، حينها تغدو العطالة قاتلة!

ولا تعدو المشاريع الصغيرة الخاصة عن كونها حلا جزئيا لمشكلة العمل والاندماج ففي هذا النوع من العمل يعيد اللاجئ التعثر بحاجز اللغة والبيروقراطية، ويغدو العمل والعطالة سيان حيث لا يعطي العمل الصعب مردودا جيدا، وربما تكون إعانة البطالة التي تقدم لجميع منخفضي الدخل أو معدوميه حلا أفضل من العمل!

لكنني مؤمنة بأن الحل يكمن لدى الأطفال، حيث يمتلكون قدرة هائلة على الاستيعاب والاندماج، ويستطيعون أن يكونوا سندا مهما لعائلاتهم في حياتهم وتحسين ظروفهم.

فهل نشركهم في همومنا كما ينبغي؟

كلمات مفتاحية