يغالطونك أيها السوري إذ يخبرونك عن أزمة الليرة!

2019.12.04 | 16:23 دمشق

almlt_alswryt.jpg
+A
حجم الخط
-A

يغالطونك أيها السوري إذا أخبروك أن الانهيار الأخير في سعر صرف الليرة السورية سيؤدي إلى انهيار النظام، ليس فقط لأن تجارب مماثلة مع أنظمة أخرى خاضت حروباً ضد شعوبها أو تعرضت لعقوبات دولية، لم تتأثر بتدهور اقتصاد البلاد التي تحكمها، بل ولأن نظام الأسد عرف كيف يستفيد من كل انهيار سابق في سعر صرف العملة.

لكنهم يغالطونك أيضاً إذا يخبرونك أن هذا التطور الأخير في سوق صرف الليرة يسعد النظام ويصب في صالحه، على اعتبار أنه كان مستفيداً في السابق من الانخفاض المتكرر والتدريجي لسعر الصرف، لأن ما يجري هذه المرة كان خارج عن السيطرة.

صحيح أن النظام سوف يدفع كتلة الرواتب الشهرية، حتى بعد الزيادة، بكمية أقل من الدولارات التي كان يدفعها سابقاً، وصحيح أن ميزانية العام ٢٠٢٠ التي أقرها الشهر الماضي باتت تساوي ميزانية العام ١٩٩٨ بعد أن كسب الدولار ٤٠ بالمئة مقابل الليرة خلال أيام، فباتت تساوي ٤ ونصف مليار مقابل سبعة مليارات دولار عند مناقشتها، إلا أن الصحيح أيضاً أن هذا التآكل المتسارع لقيمة الليرة يعني تضخماً أكبر وعجز شرائي ونقمة شعبية حتى لدى حاضنة النظام نفسها، التي وإن لم يكن متصوراً أن تنقلب عليه، إلا أنه ومع استمرار الانهيار الاقتصادي لن يصبح مستبعداً هذا الاحتمال، على الأقل من وجهة نظر النظام الذي سيسعى كل جهده ليحافظ على الحد الأدنى من (أبوته) للمجتمع لكنه سيفشل حتماً إذا ما استمر العجز عن توفير القطع الأجنبي وتدهور سعر صرف العملة المحلية.

مع الثورة أو من دونها كان الاقتصاد السوري في طريقه للهاوية

يغالطونك أيها السوري لو أخبروك أن الثورة هي السبب فيما حصل حتى الآن وما سيحصل لاحقاً، وسيذكرونك مجدداً بأن الليرة كانت ب٤٧ مقابل الدولار، وبالأسعار التي كانت سائدة قبل عام ٢٠١١، لأنهم يخفون عليك أنه مع الثورة أو من دونها كان الاقتصاد السوري في طريقه للهاوية، بسبب الفساد الذي تضاعف خلال العقد الأول من حكم الأسد الابن، هذا العقد الذي تضاعفت فيه وتيرة الفساد ونهب مال الشعب العام والخاص، وشهد توحشاً لقوى الهيمنة على موارد الدولة وسرقتها باسم الاستثمار أو الخصخصة، وسياسات اللبرلة والسوق المفتوح... هذه السياسات التي جعلت المواطن، حتى ما قبل عام ٢٠١٠، عاجزاً عن تأمين السلع الأساسية، كالمازوت والدواء وغالب السلة الغذائية اليومية، وارتفعت فيه نسب البطالة والفقر إلى مستويات لم تعرفه سوريا من قبل، وكان هذا الفساد سبباً أساسياً في ثورة السوريين.

نعم لقد أجبرت الثورة النظام على أن يضع كل إمكاناته في سبيل اخضاع الشعب المنتفض، وعلى توظيف معظم موارده الاقتصادية في الجانب العسكري، والسبب الذي جعله يتعرض للعقوبات هو ممارسته الانتهاكات الجسيمة التي لم يكن ممكناً معها للعالم مهما تغاضى عن جرائم النظام أن يقبل باستمرار التعامل أو التعاون معه، وما حصل في الواقع هو أن الثورة جعلت النظام يكف عن ادعاءاته بأنه حكومة تخدم الشعب، وأجبرته على التصرف والظهور كما هو في حقيقته .. "عصابة تستغل الشغب"!

وأخيراً أيها السوري، سيضحكون عليك إذا أخبروك أن النظام يريد أن تنتهي هذه الحرب وأن يستعيد السيطرة على كل شبر من الأرض السورية، لأنه اكتشف أن أكبر خسارة لحقت به هي عودة الكثير من المساحات إلى سلطته، ما فرض عليه واجب العودة لتخديم هذه المناطق التي كانت تخدّمها المعارضة، والصرف على الكهرباء والمياه والصحة والتعليم وغير ذلك فيها، وهذه أعباء كان النظام متخففاً منها قبل أن يستعيد، بتكاليف بشرية واقتصادية كبيرة أيضاً ، المناطق التي استعادها خلال العاميين الماضيين.

لقد اكتشف النظام أن استمرار المناطق الخارجة عن سيطرته تحت إدارة قوى أخرى، كحكومة الإنقاذ في إدلب وما حولها، والحكومة المؤقتة في الشمال، والإدارة الذاتية في الشرق، هو أفضل له بكل المقاييس من استعادة هذه المناطق وفرض حكمه المباشر عليها، لذا فإنه سيتجنب إنهاء الحرب بالقدر نفسه الذي سيتجنب معه انجاح أي حلول سياسية، بانتظار معجزة أخرى لن يحصل عليها، لأن الوقت الذي ظن أنه بصالحه دائماً، ظهر أنه سلاح ذو حدين يقطع في جسده المريض أيضاً، بقدر ما كان يؤلم الآخرين بطبيعة الحال.