ولا تزال جراح الجيش الوطني تنزف..!

2022.09.04 | 06:33 دمشق

ولاتزال جراح الجيش الوطني تنزف..!
+A
حجم الخط
-A

منذ بدء الثورة السورية وانتقالها رغما عنها للدفاع عن نفسها ومناطقها إلى العمل المسلح، والدخول السريع في مواجهات مباشرة ومعارك مفتوحة مع أمن وجيش وشبيحة الأسد، بعد أن قام المذكور باستخدام كامل قواته وترسانته البرية والبحرية والجوية لقمع هذه الثورة ووأدها وارتكاب أبشع المجازر بحق مجاميعها منذ بدايات انطلاقتها.

عمليا فقد كانت الثورة السورية وبكل المعايير ثورة شعبية عفوية أشعل شرارتها بضعة أطفال بما خطته أياديهم البريئة على جدران إحدى المدارس في محافظة درعا (إجاك الدور يادكتور)، اتسعت بعد ذلك نارها التضامنية لتشتعل بعفوية مطلقة في كل المحافظات السورية بجميع مدنها وأريافها، و كما بات معروفا للجميع أن هذه الثورة اليتيمة لم يتصدر مشاهدها، أو ينادي بها، أو يحرض عليها أو يخطط لها ويقودها، أي حزب أو حركة أو تنظيم، أو فئة معينة، وإلا لكانت أجهضت قبل ولادتها المبكرة بسبب سطوة أمن ومخابرات الأسد.

غياب القيادات المختصة من الضباط الأكاديميين المنشقين، وعدم إتاحة الدور الكامل والفعلي لهم في صدارة وتولي أمور التدريب والتخطيط والتحضير والتنفيذ والقيادة

حسب قناعتي فإن أكبر خطأ وقعت فيه الثورة السورية مند انطلاقتها قبل 12 عاما وحتى الآن، والذي أدى بها وأقلها إلى انحسار جذوتها، وخسارة غالبية مناطق سيطرتها، هو فقدانها القرار العسكري والسياسي الوطني لصالح كثيرين من المشغلين وأصحاب المال والنفوذ الإقليميين والدوليين، بالإضافة إلى الفصائلية المقيتة والتقاتل والتشرذم السائد، وضعف التكتيكات وغياب مطلق للاستراتيجيات، وعدم ولادة مؤسسة عسكرية انضباطية تراتبية، وغياب القيادات المختصة من الضباط الأكاديميين المنشقين، وعدم إتاحة الدور الكامل والفعلي لهم في صدارة وتولي أمور التدريب والتخطيط والتحضير والتنفيذ والقيادة الحازمة للأعمال القتالية وخوضها. طبعا هذه الأسباب تأتي مترافقة مع التدخلات العسكرية المباشرة لكل من روسيا وإيران وميليشياتها الطائفية، وميليشيا حزب الله، ودعمهما العسكري والمادي ، اللا محدود ووقوفهما بكل الأشكال الإجرامية إلى جانب الأسد لإنقاذ نظامه من السقوط السريع والمدوي والذي كان قاب قوسين أو أدنى مع بدايات عام 2014_هذه التدخلات والممارسات الإجرامية الإرهابية بكل صورها وأشكالها، هي أيضا كانت السبب المباشر والأكثر أهمية في إعادة التوازن إلى نظام وجيش الأسد، وهي التي ساعدته أيضا في استعادة السيطرة على كم كبير من المناطق والأراضي التي كانت لسنوات خارجة عن سيطرته ونفوذه.

في الواقع ما دعاني بشكل خاص إلى التفكير في كتابة هذا المقال، هو تلك التصرفات اللا مسؤولة والأخطاء التكتيكية والقيادية الكبيرة المرتكبة، التي تسببت طوال سنوات الثورة ولاتزال تتسبب وحتى وقتنا هذا في سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى دون داع، و"العلم عند الله" ما كان هؤلاء ليسقطوا ربما لولا الاستهتار والجهل وانتشار ظاهرة التهاون والفوضى التي صاحبت العمل المسلح منذ بدايات انطلاقته، ولولا وجود كثير من قيادات الفيالق والتجمعات والفرق من أصحاب القرار الذين في غالبيتهم لا تجمعهم وبالمطلق أي صلة بالعسكرة  أو العلم العسكري وتفرعاته العديدة، اللهم إلا من خلال لباس عسكري ترتديه أبدانهم وأحذية "ملمعة" في أقدامهم، وهنا لا بد لي من القول وبكل صراحة العارف بالشيء: إننا كنا اختصرنا كثيرا من الوقت وقللنا أيضا كثيرا من الخسائر والتضحيات لو كانت هناك قيادة عسكرية أكاديمية حقيقية من الضباط الاختصاصيين تضع تعليمات القتال والأمن العملياتي وتقوم بتدريسها وتعليمها والإشراف الحقيقي والمستمر عليها، والتأكد من تطبيقها بشكل حازم ودائم ومعاقبة مخالفيها بأشد أنواع العقوبات، مع التركيز على التقيد الكامل بكل متطلبات أمن الأفراد والعمليات الحربية، والإشراف والتأكد من تطبيقها بشكلها الأمثل، وليس وللأسف كما هو موجود ويسود الآن في عمل غالبية الفصائل الموجودة في الميدان وقياداتها.

وكانت هناك وزارة دفاع وأركان حقيقية وحريصة على العمل المؤسساتي لاتخذت قرارات بالمحاسبة ووجهت الاتهام وحملت القيادات الموجودة الآن بكل مسمياتها المسؤولية عن مثل تلك الحوادث والضحايا

عمليا تتكرر وللأسف سابقا وفي هذه الأوقات حالات الاغتيالات والملغمات واستهداف المدنيين مع حالات التسلل والتسرب التي يقوم بها النظام أو عناصر من ميليشيات قسد، أو حتى من الميليشيات الروسية والإيرانية ليلا إلى مقار مناطق ونقاط الرباط، وقيامهم بقتل وتصفية عناصر من الفصائل والجيش الوطني، وغالبا ما يتم ذلك أيضا وهم في غفلة عن أداء واجبهم أو وهم نيام، كما تكثر أيضا عمليات القنص وعشرات الاستهدافات المباشرة بالصواريخ الحرارية والموجهة من قبل ميليشيات قسد وأسد لآليات الفصائل في أثناء تحركاتها في نطاق ومناطق خطوط التماس، أو الرباط، ويسقط نتيجة لذلك كثير من الشهداء العسكريين بشكل مجمع ودفعة واحدة، كما حدث في الأمس القريب في شمالي حلب حيث سقط 9 شهداء وعدد من الجرحى من الجيش الوطني نتيجة استهداف سيارتهم التي تقلهم من نوع (فان) بصاروخ موجه.

وهنا لا بد من الإشارة لو كانت هناك وزارة دفاع وأركان حقيقية وحريصة على العمل المؤسساتي لاتخذت قرارات بالمحاسبة ووجهت الاتهام وحملت القيادات الموجودة الآن بكل مسمياتها المسؤولية عن مثل تلك الحوادث والضحايا وإحالتهم للمحاكم العسكرية المختصة (غير الموجودة)، وتحميلهم نتيجة سوء قيادتهم وقلة إشرافهم ومتابعتهم وزر الأرواح التي تذهب مجمعة بهذا الشكل الرخيص والسهل، دون خوض أي معركة، إذ: كيف تتحرك سيارة من نوع (فان) مليئة بالمرابطين، لا بل حتى إن كانوا مدنيين بالقرب من طرق معروفة أصلا أنها مرصودة ناريا، وقريبة من ميليشيات قسد أو الأسد!. ولماذا هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالقادة ويملكون ما يملكون من الدولارات، ويركبون وأولادهم أفخم السيارات، وربما متاجرة كثير منهم بالممنوعات، لا يقومون بمنع أي تحركات بشكل مجمع للمقاتلين من وإلى مثل تلك الأماكن وخطوط التماس المكشوفة بالآليات! إلا باتباع أقصى درجات تدابير وقواعد الحيطة والأمان، ولماذا لا يخصصون على سبيل المثال لكل الجبهات دراجات نارية توضع في المقرات وتخصص للمناوبات القتالية لتتنقل عليها فئات تبديل الرباط إلى أماكنها فرادى لا جماعات، وبذلك لا يعطون الفرص وللأسف التي باتت متكررة للمتربصين ومنعهم من اصطياد كل هذا العدد من الشهداء وعلى جبهات عديدة، أم أن تلك القيادات باتت لا تهتم إلا بالحواجز والتقاتل عليها بسبب ما تدره عليهم من أموال وتهريب لبناء المجمعات والمولات وأصبحت من آخر اهتماماتهم أرواح وحياة مقاتليهم!

ختاما.. أثبتت التجارب منذ القدم وحتى الآن أن التفوق العددي والعدة والعتاد والترسانات العسكرية ليست بالضرورة هي الشيء الذي قد يعطيك الأفضلية، أو يمنحك التفوق على الخصم، وفي نهاية المطاف قد يكون هو السبب الأهم، وكما تعتقد في تحقيق النصر ، وهذا ما أثبتته كثير من الحروب والمواجهات التي انهزمت فيها جيوش متفوقة على حساب أخرى قليلة العدد والتسليح، لا لشيء إلا لأنها تغلبت على خوفها وتدربت وعملت بصدق، وآمنت بقياداتها الخبيرة وسلاحها الذي بين يديها، ووحدتها ووحدة أهدافها، والقيادة الحازمة القادرة على التحضير والتخطيط والبحث ما أمكن عن نقاط ضعف العدو بجميع نواحيها، واستغلالها أفضل استغلال للتأثير عليه وإضعافه وبالتالي هزيمته واندحاره، فعمليا عدوك في كل الصراعات والحروب أو المواجهات لا يتمنى أكثر من أن يجد في مواجهته قائدا جاهلا قليل الانضباط والخبرة والحيلة العسكرية يعطيه الفرصة تلو الفرصة ليعجل له الهزيمة المرة ويكسب عدوه النصر المؤزر والأكيد!