icon
التغطية الحية

ولادة المقاومة السورية في عيون الحركة الكمالية

2022.11.03 | 06:29 دمشق

فيصل
+A
حجم الخط
-A

يأتي كتاب "الاحتلال والمقاومة في سوريا 1919-1922 مع انعكاساتها في الصحافة التركية" (255 صفحة من القطع الصغير، منشورات دركاه، 2017) في مقدمة وخاتمة وأربعة فصول، وخرائط مبسطة وجمع من صور الأعلام الواردة في الكتاب.

تبيّن بين جنبات مناقشتها في المقدمة لعلاقة مصطلح الشرق الأوسط بتركيا وسوريا كون معضلة هذه الجغرافيا أسدلت خلافها في وجهات نظر عديدة أن تستثني الجمهورية التركية من هذا المصطلح. ويمكن قول إن نجاة تركيا من مخططات التقسيم لم يكن ليعني أنها قد استثنيت من وجودها على خريطة شرقِ أوسطِ الحلفاء المنتصرين حينها.

من سوريا الطبيعية إلى سوريا السياسية وعيون القوى الاستعمارية

تبتدئ يلماز فصلها الأول في الحديث عن المكانة الاستراتيجية للجغرافيا السورية، وذلك وفق قانون الولايات العثماني لعام 1864، وكيف شكلت منطقة الوصل العرضي من مصر – السويس وحتى خليج البصرة بالهند، والطولي من موانيء إزمير وسلانيك مرورًا ببيروت وحتى البحر الأحمر فعدن.

تحدثت عن الاستعمار الثقافي لهذه الجغرافيا السورية كافتتاح المدارس التبشيرية والمستشفيات الأجنبية كان يلقي بظلاله على سوريا ومحيطها، سبب هذا كله مزيدًا من التدخل ليمهّد فيما بعد بنوع من أحقيّةٍ استعماريةٍ في المنطقة، حتى قال سياسيّ وحقوقي أمريكي عام 1896 في صحيفة النيويورك "إن هذه المنطقة ليست للأتراك حتى يعترضوا على أنشطتنا!".

أشارت يلماز إلى بذور تشكّل القومية العربية في هذه الجغرافيا، بحديثها عن تطور القومية من مفاهيم أدبية في اكتشاف الذات العربية وحتى تلك السياسية التي ستتحول إلى مقاومة شعبية ونخبوية، وفق تعبير خبراء القومية العربية وأشهرهم جيمس غيلفين.

لم تغفل يلماز الإشارة إلى التنازع الاستعماري في القرن التاسع عشر على مشاريع المنطقة التي منحتها الحكومة العثمانية من الإصلاحات وحق السير بها وسكك الحديد ولا يمكن إغفال بروز أطماع النفط التي ركزت أنظار أطراف الحرب العالمية الأولى على مصر وسوريا والعراق.

وقعت الحرب العالمية الأولى وكان "الجهاد الأكبر" كما عنونت يلماز قسمًا من فصل كتابها الأول، لذلك وبطبيعة الحال فإنها تحدثت عن وجهة نظر الحكومة العثمانية في حلفها مع ألمانيا وموقفها من بقية المسلمين الذين لم يقفوا معها، وعن دواعي فشل مثل هذا الجهاد في التصدي لدول الحلفاء.

امتحان فيصل وعواصف المعاهدات

تنقل يلماز في الفصل الثاني الحديث عن محاور تحت عنوان "الحكومة العربية في دمشق"، تضمنت هذه المحاور مؤسسات هذه الحكومة ووظائفها السياسية ثم مؤتمر الصلح وبروتوكول فيصل – وازيمان، هيئة كينغ – كرين، ومُسائلة المعاهدة المعقودة بين فيصل ومصطفى كمال، وأخيرًا اتفاقية سوريا ومقاومة الاحتلال الفرنسي عام 1919.

 

قد تكون معظم عناوين هذه المحاور مألوفة لدى القارئ العربي كونها من أبجديات التاريخ السوري المعاصر، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن المؤلفة اعتمدت على المصادر التركية فالموضوع يصبح له وجهة نظر مختلفة، بمعنى أن تدعيم ذات العناوين بمصادر "تاريخ موازٍ" سيأتي بتفاصيل مغايرة أو جديدة مع التأكيد على طواف الأحداث في كتابها حول ذات السردية العامة للتاريخ السوري المعاصر.

وكشفت في المحور الأول المتعلق بالحكومة العربية عن وجود ارتباط بين فيصل وأنور باشا، وكذلك وجود نداءات من قبائل عربية تطلب الارتباط بالحكومة العثمانية مجددًا، وهذه الأحداث كانت عام 1918، أي مع ويلات ختام أحداث النفير العام (السفربرلك) أو الحرب العالمية الأولى، مما يعطي وجهًا آخرًا عن التاريخ.

أكّدت يلماز على بروز مخاوف إنكلتره من تلك النداءات في الأرشيف الإنكليزي كما حُكي عن حصول ما يسمى بالاتحاد الكونفدرالي بين الشام والحكومة العثمانية. هذا كلّه يؤسس فيما بعد للمحور الرابع، أي التواصل بين فيصل ومصطفى كمال.

زيف توقيع معاهدة تركية - سورية في سبيل خلافة جديدة

انتقلت لبيان العلاقة بين فيصل أميرًا ومصطفى كمال باشا، إذ عندما كانت اللجنة المذكورة في يافا وصل إلى حكومتي بريطانيا وفرنسا إتفاقية تحت رعاية متصرف الكرك أسعد بك عرضت يلماز ترجمتها التركية عن الفرنسية، وأكدت أن اللغة الأصلية لهذه الاتفاقية مجهولة.

احتوت هذه الوثيقة المؤرخة بـ16 حزيران 1919 التي اكتُشفت عام 1980 في الأرشيف الإنكليزي على مواد عشرة أعربت عن تقوية المشاعر بين العرب والأتراك وإعادة أواصر الرحم بينهما لمواجهة القوى الاستعمارية المحيقة. وفي مادتها الحادية عشر بينت أن كلا الطرفين (سيوقع) على هذه المعاهدة.

علقت يلماز على مثل هذه الاتفاقية أنها أثارت الجدل الأكاديمي، وبات كل باحث يأتي بمصادره لتصديقها أو تكذيبها بين عامي 1980-1985، وخلُصت إلى وجود "مسودة" اتفاقية ولكنها لم توقع أبدًا وجلبت مجموعة من أقوال مصطفى كمال في تلك الفترة التي تثبت عدم ضلوعه بل ورفضه لمثل هكذا اتفاق مع فيصل.

مصطفى كمال باشا بين المقاومة الشعبية والأمير فيصل

تنتقل للحديث إلى محوريّ فصلها الأخيرين وهما "اتفاقية سوريا" التي تترك فيها إنكلتره سوريا في الأول من نوفمبر عام 1919 لصالح فرنسا، وسلطت الضوء على مساعي فيصل المستميتة في باريس لمحاولة نيله استقلال سوريا معبرًا للصحافة الفرنسية -نقلًا عن الصحافة التركية- أن "مسألة الحجاز باتت أجنبية بالنسبة لي وهي متعلقة بملِك الحجاز، بينما أنا هنا من أجل سوريا!".

 سلطت يلماز الضوء على أخبار الصحف التركية في مديح مقاومة أهل سوريا للاحتلال الفرنسي، كما أشارت إلى منع الفرنسيين محاولة اتفاق بين السوريين والأتراك، هنا قام جمع من أهل سوريا والضباط السابقين في الجيش العثماني بالاتصال مع أركان حرب مصطفى كمال بل ومعه شخصيًا حتى من أجل نيل المعونات.

تبين أن مصطفى كمال كان لديه تعليمات لضرب نقاط استراتيجية للفرنسيين في سوريا، ولكن لأسباب "مجهولة" قابلة للدرس، تعطل التواصل بين الكماليين وضباط المقاومة السورية. وهذا في حقيقة الأمر يشير له كذلك المؤرخ اللبناني وجيه كوثراني.

الصحافة التركية تتابع أخبار المملكة الوليدة ولكن؟

في الفصل الثالث ينتقل الكتاب للحديث عن "المملكة المستقلة" في عدة محاور أيضًا، من اتفاقية فيصل – كليمانصو مرورًا بكل من مقاومة عام 1920 والاتصالات مع قيادة الأناضول التركية وإعلان الاستقلال ثم مؤتمر سان ريمو وأخيرًا ردود الأفعال تجاه قرار إدارة الانتداب وحرب ميسلون وانتهاء مملكة سوريا.

كشفت يلماز متابعة الصحافة التركية بشكل دقيق الأحداث في سوريا، وأظهرت أنه في عام 1920 كانت محاولات التقارب بين سوريا والأناضول أقرب مما عليه في السابق، فكانت الصحافة تتابع مراسلات الشريف حسين وفيصل، وتحذيرات الأول لابنه من تقاربٍ جَمَعَ بين القبائل وقيادات المقاومة السورية مع قيادة الأناضول العسكرية، كما بينت الصحافة المذكورة وجود محاولة اغتيال لفيصل حين ذاك.

بدا وكأن العلاقة لم تكن صميمية بين فيصل ومصطفى كمال، على العكس من مستقبلها، وعلى العكس من ردّ مصطفى كمال أي شبهة تعاون بين الطرفين كما تبين أعلاه، فإن فيصل هذه المرة لم يلق بالًا لمحاولات الدعم من قيادة الأناضول. أضف لذلك مبالغة الصحافة التركية في أخبار انضمام عرب صحراء نجد للمقاومة الشعبية في سوريا.

كانت هنالك وجهات نظر عديدة في الصحافة التركية تجاه سوريا، فليست كلها ذات توجه واحد أو رأي ثابت، حتى أن مصادرها اختلفت بطبيعة الحال فتلك التي لها مراسليها في سوريا والأخرى التي تنقل الأخبار من الصحف الأوروبية خصوصًا حول مؤتمرات الصلح المختلفة.

لم تخف صحيفة "حاكميتِ ملّيه" ولحقتها صحف أخرى في كون فيصل منفّذ لسياسات الإنكليز في المنطقة وارثًا هذه المهمة عن والده الشريف حسين، منتقدة سياسته بالكلية، مؤيدة للمظالم الواقعة في سوريا من قبل "الإمبرياليين". وأشادت مجمل الصحافة التركية بالمقاومة الناشئة في ميسلون بالتأكيد.

معاهدة أنقرة التي قتلت روح المقاومة؟

ركّز الفصل الرابع على إدارة الانتداب في سوريا ومقاومته الطويلة، انتهى الفصل بمعاهدة أنقرة الموقعة بين مصطفى كمال وفرنسا، مما ركّز الأمر بعدها على الحديث حول الحدود التي ينبغي أن تكون عليها الجمهورية التركية مع المناطق العربية، دونما تركيز كبير على المقاومة التي بدا أنها لاقت حدفها في الأخبار التركية فيما بعد.

خُتمت الدراسة بربط أسباب فشل المقاومة في سوريا مع منتهى عام 1922، أو على الأقل بمقارنتها مع الأوضاع في الأناضول، أنّ فقدان المقوّمات المادية مثل الدعم الاقتصادي والقيادة الموحدة وتلك المقومات المعنوية التي انتجت خلافًا مستقطبًا في وجهات النظر بفقدان سوريا ارتباطتها بالمركز العثماني.

يقابل ذلك وجود دعم سوفييتي للمقاومة التركية وحيازتها لقيادة مصطفى كمال الموحدة [نسبيًا] كذلك وراثة الحركة الكمالية جزء لا يستهان به من الجيوش العثمانية، أضف لذلك تشتت وجهات النظر حول العلاقة بين الأتراك والسوريين، بين المنسوبين للحكومة العربية ومجمل منتسبي جمعيتي العهد والفتاة، بينما وُجد اتفاق عام على الاستقلال المطلق لدى منتسبي الحركة الكمالية لا كما حصل في سوريا أن كانت وجهة نظر التعامل مع إنكلتره وفرنسا قائمة.