icon
التغطية الحية

وفاته حركت عشرات الآلاف في سوريا وتركيا.. من هو الشيخ السوري عبيد الله القادري؟

2024.01.05 | 10:46 دمشق

الشيخ السوري عبيد الله القادري
عبيد الله القادري
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

توفي شيخ الطريقة القادرية الصوفية الشهير عبيد الله القادري في مدينة عامودا بريف الحسكة، يوم الإثنين الماضي، عن عمر ناهز الـ 80 عاماً، وأقيمت له جنازة ضخمة وصلاة غائب في عدة أماكن من قبل أتباعه ومريديه في سوريا وتركيا ولبنان والعراق.

ويعد عبيد الله القادري من أبرز شيوخ الصوفية في سوريا، ولم يكن له موقف واضح من الثورة السورية، ولا من النظام السوري.

ولكن رئيس النظام بشار الأسد استغل وفاته، وأرسل محافظ الحسكة لؤي صيوح لتقديم واجب العزاء الذي أقيم في عامودا الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

ونعت العديد من الجماعات الصوفية في سوريا والعالم الإسلامي الشيخ عبيد الله القادري، بعد أن تعرض لوعكة صحية ألمت به خلال الشهر الماضي ونقل إلى أحد المستشفيات، إلا أن حالته الصحية لم تسعفه للبقاء على قيد الحياة.

من هو عبيد الله القادري؟

ولد عبيد الله القادري في مدينة عامودا شمالي محافظة الحسكة، عام 1944، وقد نشأ وترعرع وعاش حياته في عامودا.

وهو من عائلة كبيرة ولها حضورها في عموم شمال شرقي سوريا، وتعد ممثلة لواحدة من أشهر الطرق الصوفية في العالم؛ الطريقة القادرية التي لها ملايين الأتباع في سوريا والعراق وتركيا ولبنان وباكستان ودول أخرى.

والده الشيخ أحمد الأخضر القادري كان شيخ الطريقة القادرية وورثها بعد وفاته أخوه الأكبر الشيخ سيد محمد القادري، ثم وصلت قيادة الطريقة إلى الشيخ عبيد الله في عام 2003 بعد وفاة أخيه الشقيق.

وتعود أصول العائلة القادرية إلى مدينة ماردين الواقعة جنوبي تركيا، ومع سقوط الدولة العثمانية ومجيء مصطفى كمال أتاتورك الذي قيّد حركة المدارس الإسلامية والحركات الصوفية بتلك المناطق هاجرت العائلة إلى سوريا واستقرت في عامودا.

وبحسب الموقع الرسمي للطريقة القادرية، فقد "سخر الشيخ عبيد الله حياته في خدمة طريق التصوف على الطريقة القادرية العلية وتربية المريدين وتزكية نفوسهم".

وقبل عام 2011، كان عبيد الله من أبرز الشيوخ الصوفيين في الجزيرة السورية و"نقيب السادة الأشراف" (وهو من يمهر النسب النبوي لمن يتم التأكد من صلته بآل البيت)، وله حضور أقل في دمشق وريفها، والتي كان يزورها من حين إلى آخر لإحياء الحضرات الصوفية، وذكرى المولد النبوي.

ولم يكن للشيخ عبيد الله أي دور سياسي سابق في سوريا بشكل عام، وإن كانت علاقته مع النظام السوري جيدة نسبياً، خصوصاً مع حساسية المنطقة التي يسكنها بعد انتفاضة الأكراد عام 2004، ومقتل الشيخ محمد معشوق الخزنوي عام 2005.

كل ذلك دفع كثير من مشايخ تلك المنطقة إلى التحالف أو المهادنة أو ترك المجال العام حتى لا يبطش بهم النظام كما فعل مع الخزنوي الذي يعد ابن الشيخ عز الدين الخزنوي مؤسس الطريقة الخزنوية في الجزيرة السورية.

الطريقة القادرية

تعد الطريقة القادرية من أبرز الطرق الصوفية في سوريا، وتنافسها بشكل أكبر في الحضور كل من الطريقتين الشاذلية والنقشبندية في المدن السورية الكبرى دمشق وحلب، إلى جانب طرق آخر مثل الرفاعية والخزنوية والسعدية وغيرها.

تنسب الطريقة القادرية إلى الشيخ الشهير عبد القادر الجيلاني، وهو إمام صوفي وفقيه لقب بـ "سلطان الأولياء" و"تاج العارفين"، يعود نسبه إلى بيت النبي ﷺ، عاش معظم حياته في العراق، ودفن في الحضرة القادرية في منطقة باب الشيخ من جهة الرصافة من بغداد، وجرى تنصيبه منذ قرون كواحد من الأقطاب الأربعة الكبار عند الصوفية.

الطريقة القادرية

في سوريا، توجد العديد من الطرق الفرعية التي انبثقت بالأساس من رحم الطريقة القادرية. من أشهر تلك الطرق الطريقة القادرية العلية في مدينة عامودا التي تقع على بعد عشرين كيلومتراً غربي مدينة القامشلي، وتُعدّ التكية الصوفية في عامودا هي المركز الأهم لتلك الطريقة على مستوى العالم، وكان يتوافد إليها المريدون من جميع أرجاء العالم قبل العقد الماضي.

تتخذ الطريقة القادرية من القرآن والسنة مرجعاً أساسياً، وتقوم على العديد من المبادئ من أبرزها "الاجتماع والاستماع والاتباع حتى يحصل الانتفاع"، و"الجـد والكـد ولزوم الحـد حتى تنقد"، ومحبة الشيخ وآل البيت وكثرة الذكر، وغير ذلك.

ويؤمن بعض أتباع الطريقة القادرية بالخوارق والكرامات ولدى جماعات قليلة منهم طقوس ترافق الحضرات مثل ضرب الشيش، وغرس سيخ معدني أو أداة حادة في جسد "المريد" أو وجهه خلال مجلس الذكر من دون أن يسيل منه أي قطرة دم.
وتلك من أبرز الطقوس التي تنال نقداً من مشيخة الطريقة القادرية أو الجماعات الصوفية و الإسلامية الأخرى.

وتنتشر الطريقة في سوريا والعراق والأردن ولبنان وفلسطين وشمال أفريقيا وتركيا وباكستان، ولها امتداد في دول أخرى.

الشيخ عبيد الله في تركيا

تعود أصول الشيخ عبيد الله إلى مدينة ماردين التركية، وله صلات واسعة في عموم تركيا، حيث كان يزورها بين حين وآخر بشكل طبيعي رغم أنه يقيم في مناطق شمال شرقي سوريا الواقعة تحت سيطرة قوات سيطرة سوريا الديمقراطية "قسد" التي لم يكن له موقف معادٍ أو مؤيد لها.

وخلال العقد الماضي، كان للشيخ عبيد الله حضور كبير في تركيا بشكل عام، وبالأخص بولاية إسطنبول، حيث يوجد أكثر من نصف مليون لاجئ سوري، حيث عقدت العديد من الحضرات والجلسات الصوفية بحضوره.

وتظهر مقاطع مصورة منتشرة على اليوتيوب، حشوداً غفيرة تستقبل الشيخ عبيد الله في إسطنبول، ومشاركته في إحدى الحضرات، كما أن له مشاركات بموالد وحلقات ذكر في مدينة أورفا الحدودية مع سوريا.

وكان من اللافت في آخر زيارة للشيخ عبيد الله القادري إلى إسطنبول، أنه أعطى الشيخ أحمد جُبّلي الذي يعد من أبرز شيوخ الصوفية الأتراك، الإجازة بالطريقة القادرية، رغم أن الأخير يتبع لجماعة إسماعيل آغا إحدى أكبر الجماعات الإسلامية في تركيا والتي تتبع الطريقة النقشبندية الأكثر انتشاراً في البلاد.

وتشهد جماعة "إسماعيل آغا" صراعاً على النفوذ بين بعض مشايخها في الصف الثاني، حيث يريد أن يصبح جُبلي أحمد رئيساً لإحدى المدن التي تنتشر فيها الجماعة من أجل تعزيز سلطته الدينية، ولذلك يحاول عبر الإجازة بالطريقة القادرية أن يوصل رسالة إلى جماعته "أنا عالم عظيم لدرجة أنني أحصل على إجازة من مختلف الطرق الصوفية"، وبطبيعة الحال أكّد بعد ذلك أنه لن يغادر جماعة إسماعيل آغا وسيبقى أحد تلامذة شيخها حسن أفندي إلى آخر يوم في حياته.

ومن المهم الإشارة إلى أنه قد أقيمت صلاة الغائب على الشيخ عبيد الله بالعديد من المدن التركية، وسيقام له مجلس عزاء خاص بمنطقة الفاتح التي تعد من أبرز معاقل الجماعات الصوفية بإسطنبول.

تراجع الصوفية ونمو السلفية في سوريا

شهدت الثورة السوريّة بروزاً واضحاً للتيار السلفي بجميع أنواعه العلمية والحركية والجهادية، ودعم ذلك العنف الممنهج الذي بدأه النظام السوري مع تبنيه منذ اللحظات الأولى مزاعم أن الثورة هي مؤامرة كونية لإسقاط النظام تقودها دول تدعم نشر المذهب السلفي الوهابي أو "التكفيري" في سوريا.

وساهم انتشار الثورة السورية في الأرياف والأطراف والقرى على حساب المدن الكبرى التي تمركز فيها النظام بشكل أكبر وحولها إلى ما يشبه الثكنات العسكرية المليئة بالحواجز منعاً لأي اعتصامات أو مظاهرات واسعة، في الوقت الذي كان يرتكب جميع أنواع الانتهاكات والجرائم بحق المتظاهرين في معظم نقاط التظاهر بمحافظات الأطراف مثل القتل المباشر والاعتقال التعسفي وصولاً إلى حصار المدن وقصفها وتهجير سكانها. 

وفي ظل ذلك انقسمت الحركات ذات الطابع الصوفي ما بين مؤيّد للثورة ومعارض لها (موال للنظام) وصامت من دون تقديم أي موقف معلن واضح.

ولعل التحالف الذي حصل عليه حافظ الأسد من دعم الشيخ أحمد كفتارو زعيم الطريقة النقشبندية في سوريا والمفتي العام لسوريا (1964 - 2004)، والذي كان له دور بارز في إضفاء شرعية على حكم الأسد الأب بعد انقلابه عام 1970، وساهم إلى حد كبير في استمرار هذه الشرعية حينما ارتكب مجزرة حماة في أثناء ملاحقته للإخوان المسلمين عام 1982.

لم يكن لأي طريقة صوفية سلطة على طريقة أخرى في سوريا، على العكس، حصل تنافس واضح، خصوصاً بين الجماعات الصوفية الحليفة للنظام السوري، وإن حَافَظَ كفتارو على الحظوة الأكبر، إلا أن النظام عمل على تشجيع تلك المنافسات لإبقاء الوضع الديني تحت سيطرته مع إعطاء بعض المكاسب لجماعة دون أخرى، وبعد استلام بشار الأسد للسلطة زاد التنافس بين بعض الجماعات الإسلامية خصوصاً في دمشق وحلب، حيث تصدرت جماعات أخرى المشهد وساهمت في تقديم خطاب داعم للنظام خلال الثورة السورية مقابل مكاسب ومنافع شخصية لشيوخها.

وخلال الـ 13 عاماً الماضية، كان خفوت صوت الحركات الصوفية التي فضلت أطراف منها عدم الانخراط في الحراك الثوري، في الوقت التي اتخذت طرق أخرى موقفاً داعماً للثورة أو رافضاً لها ومسانداً للنظام، يطرح تساؤلات جوهرية عن مدى تغير نمط التدين السوري، وإلى أي مدى ستتمكن الجماعات الإسلامية التقليدية من استعادة دورها في البلاد التي تعيش تشظياً جغرافياً مع سيطرة سلطات الأمر الواقع عليها، وعدم تمكن الثورة السورية من النجاح في الوصول إلى أهدافها في إسقاط النظام وبناء دولة لجميع أبنائها.