والله لنكيّف!

2019.11.03 | 18:06 دمشق

20191030_2_39066421_49000426.jpg
+A
حجم الخط
-A

أي "سوف نستمتع كثيراً" يقول العنوان، إذا ترجمناه من اللهجة السورية إلى اللغة العربية. أما لماذا هذا التفاؤل؟ فلن يفهم سببه من لم يسمعوا بانعقاد "اللجنة الدستورية" بعد انتظار طويل، وحدوث "اختراقات مهمة" في اجتماعاتها حسب تعبير الوسيط الأممي الباسم دائماً غير بيدرسون.

لكن سؤالاً ملحاً يطرح حول مكان انعقاد اللجنة المذكورة، هل هو مدينة جنيف السويسرية كما تتحدث وسائل الإعلام، أم أنه أستانا كما يقول ابن حافظ أسد الذي أصبح "رئيساً" لسوريا "بالصدفة" كما قال في إحدى المقابلات الصحافية التي كانت كثيرة، قبل بضع سنوات؟ ولكي لا يفوّت الفرصة، في زحمة خطابات أولي الأمر في لبنان والعراق وإيران، فقد جمع قناتي التلفزيون اللتين يملكهما ليدلي عبرهما بتصريحات قال في ثناياها إنه "لا توجد جنيف"!

إذا قال ابن حافظ لا توجد، فهي غير موجودة! سبق لوزير خارجيته وليد المعلم أن محا أوروبا كلها من الخريطة، فهل يعجز ابن حافظ عن محو جنيف؟

ولكن علامَ اجتمع 150 سورياً في مكان ما، فتهاوش بعض منهم بالكلام، ثم اخترقوا اختراقين، ربما سجلوا هدفين إذا أحسنا النوايا والترجمة؟ العدد إعجازي من نواح عدة: فهو يقبل القسمة على 3، واللجنة المصغرة التي انبثقت منهم (45 عضواً) تقبل القسمة ذاتها، فإذا طرحنا "المصغرة" من "المكبرة" كان الباقي 105، هو أيضاً عدد يقبل القسمة على 3! أما إذا أعدنا ضم "المصغرة" إلى ما تبقى، بعدما تنجز مهماتها في دراسة كل الدساتير السورية منذ 1920 إلى 2012، للوصول إلى مسودة دستور جديد لكي يعيش السوريون في ظله برفاه وأمان، فتلتئم بذلك "الهيئة العامة" للجنة الدستورية وتصوت على التعديلات أو الدستور الجديد، فسوف نرى أنفسنا مرةً أخرى أمام العدد الإعجازي 150 الذي يقبل القسمة على 3!

ولم العجلة؟ فالسقف الزمني المفتوح ضرورة لكي يقدموا لنا دستوراً مثالياً لا يحلم بمثله سكان جنيف ولا أستانة ولا سوتشي حيث تنعقد الاجتماعات وفقاً للروايات المختلفة. المهم أن "نكيّف" في نهاية المطاف

من المحتمل أن ترفض الهيئة العامة اقتراحات اللجنة المصغرة، جزئياً أو كلياً، على رغم كل الجهود التي بذلها أعضاؤها لـ"تذليل العقبات"، مع العلم أن زمن "عمل" المصغرة هو زمن مفتوح. وفي هذه الحالة، لا مفر أمام المصغرة أن تعود إلى اجتماعاتها بسقف مفتوح للأخذ بملاحظات الهيئة العامة وإعادة صياغة التعديلات أو المسودة مرة أخرى.. وهكذا (لا شيء يمنع من انتخاب لجنة مصغرة جديدة، غير الأولى الفاشلة، بشرط أن تقبل القسمة على 3 أيضاً). ولم العجلة؟ فالسقف الزمني المفتوح ضرورة لكي يقدموا لنا دستوراً مثالياً لا يحلم بمثله سكان جنيف ولا أستانة ولا سوتشي حيث تنعقد الاجتماعات وفقاً للروايات المختلفة. المهم أن "نكيّف" في نهاية المطاف.

ولكن ماذا بعد كل التعديلات، والتعديلات على التعديلات؟ يعود سبب السؤال إلى أن الأطراف الممثلة في اللجنة الدستورية ذات قابلية القسمة على 3، لا تمثل أحداً. فالنظام الكيماوي لا يعتبر الثلث الذي يخصه في اللجنة ممثلاً له. والبيئة المعارضة لا تعترف بتمثيلية الثلث الذي يخصها أيضاً، بدلالة المواقف المعارضة الظاهرة على صفحات فيسبوك. أما الثلث غير المعطل المسمى بممثلي المجتمع المدني، فهم يمثلون ستافان ديمستورا مبتكر قابلية القسمة على 3 في الرياضيات، ولسوء حظ الجميع أن الرجل المذكور قد انتهت صلاحيته الأممية بعدما فشل في إفهام السوريين معنى تعبير "ثلث الثلاثة كام؟".

أين الخلل إذن؟ هل في قابلية القسمة على 3، أم في افتقاد الأثلاث الثلاثة للحيثية التمثيلية، أم في أنواع الأشخاص الذين اختارهم ثلاثي أستانة المؤلف من روسيا وإيران وتركيا؟ أم في هذا الأخير نفسه؟ أم في غموض مكان انعقاد اللجنة وتجهيزاته اللوجستية؟

يمكن لغير بيدرسون، أو الأجيال القادمة من الممثلين الأمميين الذين سيخلفونه في مهمته، أن يغيروا مكان انعقاد اللجنة ليروا، بالملموس، أثر ذلك التغيير على عمل اللجنة

ربما جميع الأسباب المذكورة تلعب دوراً في تراجع التفاؤل باختراقات جديدة في السنوات والعقود المقبلة (لنتذكر أن الزمن مفتوح!). يمكن لغير بيدرسون، أو الأجيال القادمة من الممثلين الأمميين الذين سيخلفونه في مهمته، أن يغيروا مكان انعقاد اللجنة ليروا، بالملموس، أثر ذلك التغيير على عمل اللجنة واختراقاتها المحتملة. أو قد يلزم تغيير أعضاء اللجنة أو تغيير مبدأ المثالثة ذاته، لنرى هل يتحسن الوضع وتدور عجلة الاقتصاد ويستتب الأمن ويكيّف السوريون بكل مكوناتهم؟ أم أن إعادة الإعمار تحتاج لإضافة أبواب جديدة لمسودة الدستور؟ وماذا بشأن القضاء على الإرهاب وإعادة سيادة الدولة على كافة "ربوع الوطن"؟

إذا صرفنا النظر عن جميع العقبات المذكورة، وتم إجراء انتخابات نزيهة وشفافة دون أي تدخل خارجي، فهل يتم انتخاب مجلس بعدد قابل للقسمة على 3، وحكومة قابلة للقسمة ذاتها، ورئيس قابل للقسمة على الرقم السحري نفسه؟ أم يبتكر المبعوث الأممي رقم (ن)، بالاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية المنقضية، صيغة "رئاسة مشتركة ثلاثية"؟

من المحتمل أن تصطدم هذه الصيغة برفض "نساء ديمستورا" اللواتي سيطالبن باقتسام "كعكة" الرئاسة بالتساوي بين الجنسين! هل يعلم أحد "نصف الثلاثة كام؟". ليت الله خلق الإنسان من 3 أجناس، بدلاً من اثنين!

كل هذه العقبات هدفها إفشال عمل ثلاثي أستانة. ما العمل للخروج من هذا المأزق؟ فنحن نريد أن ينتهي العذاب ونكيّف في آخر النهار!

هناك ثلاثي آخر مهتم بالبضاعة نفسها (مصير سوريا) اجتمع رؤساء أركان دوله، في حزيران الماضي في القدس (الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل). ما المشكلة إذا ارتاح الثلاثي الأول قليلاً وسلم العمل لثلاثي القدس لعله يعمل "اختراقاً" كأن يلغي اللجنة الدستورية القائمة ويدعو مجلس شعب النظام إلى تعديل الدستور الحالي تمهيداً للقضاء على الإرهاب والبدء بإعادة إعمار عقولنا المخربة؟