icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: الغرب يفقد ذاكرته عندما يصف الأوكرانيين بأكثر تحضراً من السوريين

2022.03.24 | 09:48 دمشق

سوري يحمل بيده القرآن بعد إنقاذه وصعوده على متن قارب لجمعية الأذرع المفتوحة قبالة السواحل الليبية في 5 شباط 2022
سوري يحمل بيده القرآن بعد إنقاذه وصعوده على متن قارب لجمعية الأذرع المفتوحة قبالة السواحل الليبية في 5 شباط 2022
واشنطن بوست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

مع الغزو الروسي لأوكرانيا، عبر كثيرون ممن نقلوا الأخبار خلال التغطية الإعلامية للأحداث عن ردود الفعل تجاه اللاجئين الأوكرانيين باستخدام تصريحات مهينة أتت عرضاً حول اللاجئين غير الأوروبيين، فمثلاً، قالت مراسلة محطة إيه بي سي الإخبارية، واسمها كيلي كوبيلا : "هؤلاء ليسوا بلاجئين من سوريا... إنهم مسيحيون، وبيض، ويشبهون كثيراً أناساً يعيشون في بولندا". وذلك لأن غالبية الدول الأوروبية ردت على ذلك الغزو عبر استعادة هويتها المشتركة المتمثلة بتحالف سياسي-عسكري يعمل على حماية الحضارة والمدنية، إلا أن الفكرة التي تدور حول أوروبا وأنها موطن للشعوب والمجتمعات المسالمة يحتاج إلى حالة فقدان ذاكرة متعمد يتم من خلاله نسيان تاريخ أوروبا الإمبريالي.

فقدان ذاكرة متعمد

في عام 2001، رأى العالم السياسي سانكاران كريشنا بأن نظام الدولة الحديثة ذات السيادة في أوروبا لم يظهر إلا بعد استعباد الأفارقة، وبعد الاستعمار وبعد عمليات الإبادة الجماعية التي مورست بحق الشعوب الأصلية. ودافع عن فكرته تلك بالقول بإن كثيرا من الباحثين والدارسين درسوا العلاقات الدولية بدلاً من أن يناقشوا هذا التاريخ، فأتت تلك الدراسة "مبنية على حالة تناس ممنهج، وفقدان ذاكرة متعمد، لمسألة العرق"، وقد قصد هذا العالم عند استخدامه لمصطلح فقدان الذاكرة المتعمد تلك العملية التي يتم التعامل بموجبها مع الأحداث التاريخية كالحروب والجرائم بوصفها أجزاء بعيدة من الماضي الأوروبي، وكأن تلك الحروب والفظائع لا تحدث اليوم إلا في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية ، بصرف النظر عن أي تدخلات أوروبية حدثت في الماضي.

فلقد تحدث مراقبون وكتبوا عن النزاع القائم في أوكرانيا معبرين عن أمثلة صريحة وواضحة عن حالة فقدان الذاكرة المتعمد، إذ وصفت بعض الشخصيات البارزة ذلك الغزو بأنه كان "صدمة، وكأن الحرب في القارة الأوروبية أمر شاذ خارج عن المألوف، إلا أن الفكرة القائلة بإن أوروبا بقيت آمنة ابتداء من عام 1945 تقوم على تجاهل أجزاء مهمة من التاريخ الأوروبي، مثل حرب كوسوفو، أو الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة ما بين عامي 1992-1995، أو العنف المستمر الذي يحدث على حدود القارة الأوروبية.

عندما يتحدث المراقبون عن اللاجئين الأوكرانيين البيض بوصفهم يشبهونهم، ولهذا السبب يعتبرون مختلفين عن ملايين السوريين الذين لجؤوا إلى أوروبا منذ قيام الحرب في بلادهم عام 2011، فإن ذلك يوحي بأن عرق الشخص يعبر عن مدى "تحضره"، كما يحدد جدارته وأهليته للتمتع بحق الهروب من العنف والتنعم بالسلام.

وكمثال على ذلك نذكر ما حدث لكثير من الطلاب الأفارقة السود الذين فروا من أوكرانيا، فتمت إعادتهم إليها أو نقلهم إلى آخر الطابور في الوقت الذي دخل فيه اللاجئون الأوكرانيون البيض بسرعة إلى بقية الدول الأوروبية، وهذا المثال يذكرنا بشكل صريح وفاقع بالحدود الفاصلة بين ألوان البشر والتي ماتزال معتمدة في الغرب.

لقد أكد الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف الحلفاء الغربيين تجاه صعود قوى غير غربية وغير ليبرالية والذي يمكن أن يهدد القواعد التي رسمت بعد عام 1945 والمؤسسات التي تدير السياسة العالمية، فقد دفع ذلك الغزو تلك الدول المتحالفة لتجدد التزامها بتلك المؤسسات التي تخصها بشكل جمعي، إذ ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير ليين بأن أوكرانيا "منا ونحن نريدها ضمن الاتحاد الأوروبي"، في حين ذكر بايدن في تصريحه حول الغزو بأن إدارته ستتعاون مع مجموعة السبع والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.

في كتابه: (عالم آمن من أجل الديمقراطية)، يرى الباحث السياسي ج. جون إيكينبيري بأن النظام الدولي القائم على قواعد معينة رسمت بعد الحرب الباردة تعتريه بعض المشكلات الأساسية، وأولها محاولة الغرب وسعيه الجاهد لتحويل بقية دول العالم إلى دول ديمقراطية ليبرالية بحسب منظوره، حيث جرى السعي نحو هذا التحول عبر سبل لاعنفية، وذلك عندما أضيفت حالة حقوق الإنسان في بلد ما لأهليته وجدارته بعقد صفقات مع الغرب والحصول على معونات تنموية، إلى جانب اتباع الغرب لأساليب عنيفة وذلك من خلال حروب نشر الديمقراطية وتعزيزها كما حدث في العراق وأفغانستان. ولذا يقترح هذا الباحث حلاً لكل ذلك وهو أن يكف الغرب عن محاولة إعادة صياغة العالم ورسمه وفقاً للصورة التي تحددها الدول الغربية، مع التركيز على التعاون بين الدول الديمقراطية الليبرالية.

وهكذا، وبطريقة ما، فتحت الحرب على أوكرانيا المجال أمام دول حلف شمال الأطلسي لتتوحد في وقوفها ضد العدوان وفي مطالبتها بالسلام، وقد شمل ذلك تعبئة غير مسبوقة من قبل الدول الأوروبية تمثلت بفرض عقوبات على روسيا وبمساعدة أوكرانيا والدول الجديدة التي تسعى للانضمام لحلف شمال الأطلسي. إلا أن هامش التوحد من أجل أوكرانيا تحت لواء حلف شمال الأطلسي ضيق وفقاً للمنظور الذي يركز على الغرب، إذ تماماً كما أورد إيكينبيري، يسعى الغرب لتصوير نفسه على أنه قوة تسعى من أجل السلام والدفاع عن الدول الديمقراطية الليبرالية.

غير أن هذه المقاربة تتغاضى عن آليتين سياسيتين وتاريخيتين في آن معاً، إذ في الوقت الذي تفعل فيه حالة فقدان الذاكرة المتعمد فعلها، عبر تناسي تورط أوروبا في العنف الذي وقع في الماضي والحاضر، وذلك في أجزاء مختلفة من العالم تقع خارج النطاق الغربي المحمي، نجد هذه المقاربة تنكر وبشكل كبير آراء القسم الجنوبي من هذا العالم حول السياسة العالمية الخالية من أي اعتداء إمبريالي.

فعلى سبيل المثال، في الخطاب الذي ألقاه مندوب كينيا مارتن كيماني أمام مجلس الأمن الدولي في 21 شباط الماضي، طالب هذا الرجل روسيا بنبذ حنينها للحقبة الإمبراطورية في تاريخها، كما تطرق للفكرة القائلة بإن النظام الدولي قائم على حالة إنسانية جمعية تحمي الجميع من أي توسع إمبريالي أو أي اعتداء أو أي كارثة نووية.

الغرب يعيد اكتشاف السلاح النووي

صدم إعلان بوتين حول إصداره أوامر للقوات النووية حتى تصبح "بأعلى جاهزية قتالية" كثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا، لدرجة أن المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة عبر عن حزنه وأسفه تجاه: "خطوة تصعيدية أخرى لا لزوم لها تهددنا جميعاً"، ولكن في الحقيقة، لطالما بقي التهديد بإفناء الكون نووياً حكراً على الغرب، فقد تعرضت الكثير من المجتمعات والجاليات المستضعفة في الغرب وشعوب الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية لأضرار ناجمة عن الأسلحة النووية، إذ منذ عام 1945، قامت القوى التي تمتلك سلاحاً نووياً بتفجير ما يزيد عن ألفي قنبلة نووية، وخلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1946-1958 وحدها، ألقت الولايات المتحدة 67 قنبلة نووية وحرارية نووية في جزر مارشال، التي كانت تحت الوصاية الأميركية حينذاك.

وتماماً كما بينت المؤرختان ميرز تيت ودوريس هول في عام 1964، فإن شعب جزر المارشال تقدم بعرائض استرحام لمجلس الوصاية الأممي حتى يقوم بمنع الولايات المتحدة من إجراء تجارب نووية في تلك المناطق وذلك طوال حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، دون أن تنجح تلك العرائض في تحقيق مبتغاها، وذلك لأن الولايات المتحدة بقيت تخالف ميثاق الأمم المتحدة واتفاق الوصاية. كما واصلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفييتي والصين رمي القنابل النووية على الأطراف القصية من إمبراطورياتها العسكرية والأراضي التابعة لها البعيدة عن الشعوب "المتحضرة".

والحق يقال، إن الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية انشغل طوال عقود في أنشطة مناهضة للسلاح النووي، إذ دعا مؤتمر باندونغ الذي عقد في عام 1955 إلى تفكيك أي ترسانة نووية، وكذلك فعل المؤتمر الأول للدول الأفريقية المستقلة الذي عقد في عام 1958. وعندما رمت فرنسا بقنبلة نووية على الجزائر في عام 1960، قام رئيس غانا، كوامي نكروما، بتجميد أصول فرنسا وتعليق العلاقات الدبلوماسية معها، وقد وثق الباحث السياسي روبي شيليام الجهود الرائدة التي بذلتها الشعوب الأصلية من أجل إبعاد السلاح النووي عن منطقة المحيط الهادئ.

غير أن قلق الغرب من الترسانة النووية لدى بوتين بعد مرور ثلاثة عقود على الحرب الباردة انتهى بتجاهل الحقيقة التي ترى بأن شعوب الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية تحملت تداعيات الأسلحة النووية مرات كثيرة ودعت بصورة ممنهجة إلى تفكيك السلاح النووي ونزعه.

إن الرد على الاعتداء الروسي على أوكرانيا بوصفه هجوماً على الحضارة الغربية قد يقدم ذريعة للغرب للتوحد حتى يحمي نفسه، غير أن التأكيد والإصرار على أن الغرب محق في تصرفه هذا يعتبر تجاهلاً متعمداً لتاريخ من تحملوا العنف الغربي ونظامه الإمبريالي وتغاضياً عن الأفكار التي طرحوها حول سياسة اللاعنف في العالم.

 

المصدر: واشنطن بوست