أعلنت وزارة العدل في حكومة نظام الأسد عن قرارٍ جديد، ادّعت أنه سيضع حداً نهائياً لمشكلة "تشابه الأسماء"، التي تسبّبت في اعتقال آلاف الشبان دون أن يكون عليهم أي شُبهة أمنية، ما أثار تساؤلاتٍ حول مدى جدية القرار، وفيما إذا كان سيُسهم فعلاً في إنهاء هذه المشكلة من قبل الأفرع الأمنية.
أصدر وزير العدل في حكومة نظام الأسد، القاضي "أحمد السيد" تعميماً الأحد الماضي، طالب فيه القضاة وجميع المساعدين العدليين لدى الدوائر القضائية، باستيفاء كل البيانات الشخصية، وبشكلٍ خاص الرقم الوطني المدوّن على البطاقة الشخصية.
ويأتي التعميم استناداً لأحكام المادة /12/ من "قانون الأحوال المدنية" رقم /13/ تاريخ 2021/3/25، التي تنص على منح المواطن بمجرد تسجيله في السجل المدني رقماً وطنياً خاصاً به، ويتميز هذا الرقم بأنه وحيد ودائم وتلتزم جميع الجهات الرسمية باستخدام هذا الرقم، وتثبيته في سائر المعاملات والسجلات لديها والوثائق الخاصة بهذا المواطن.
الأفرع الأمنية غير معنيّة بالقرار
شكّك كثيرون في مدى إمكانية تطبيق هذا القرار على أرض الواقع، خاصةً من قبل أجهزة المخابرات، وفي هذا السياق قال المحامي سامر العمر: إن "التعميم الذي صدر قبل أيام كان موجّهاً إلى القضاة والمحامين للتدقيق في مذكرات التوقيف، بحيث تتضمن الاسم الثلاثي والرقم الوطني وليس فقط الاسم الثنائي".
وينص القرار الجديد للنظام بشكلٍ فعلي، أنه عند تعميم أي مذكرة توقيف من القضاء، أو عندما يحضر المواطن أمام محكمة أو قاضٍ، يجب على الكاتب أن يُسجّل بشكلٍ مفصّل كامل بيانات بطاقته الشخصية، وعلى رأسها الرقم الوطني، حتى إذا صدر حكم عليه، يُلاحق وفق رقمه الوطني.
وأضاف العمر لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "التعميم لم يكن موجّهاً إلى الأفرع الأمنية التي تعد الجهات الأكثر ممارسةً للاعتقالات بسبب تشابه الأسماء، وبالوقت نفسه لم يتم الإشارة لمصير الأشخاص الذين اعتُقلوا بسبب تشابه الأسماء، ومازالوا حتى الآن في سجون الأسد، ما يعني أن القرار غير ملزم للأفرع الأمنية، وحتى لو تمت مخاطبتها فلن تلتزم بأي شيء، فهي تعمل خارج نطاق القانون، وأكبر دليل على ذلك أنه رغم إلغاء قانون الطوارئ في 2011، استمرت المخابرات باعتقال السوريين بشكلٍ تعسفي دون أي مذكراتٍ رسمية".
بدوره أكد رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، أن "أفرع المخابرات تعتمد على التقارير الأمنية التي تصلها من عناصرها أو المتعاونين معها، والذين في الغالب يذكرون في التقرير الاسم الثنائي للشخص المطلوب فقط، ليتم فوراً تعميم الاسم، دون الانتظار لحين جمع كل البيانات عن هذا الشخص، ما يعني أنه قد يتم اعتقال عشرات الأشخاص المتشابهين بنفس الاسم من أجل شخص واحد مطلوب، وهذا يؤكد أنه ليس هناك قانون في البلد، والقرار للأجهزة الأمنية فقط".
وأوضح قرنفل لموقع "تلفزيون سوريا"، أنه "من المرجّح أن يكون هناك تشابه في الاسم الثلاثي ومكان وتاريخ الولادة، وحتى في القيد بين عدة أشخاص، ما يعني أن الأفرع الأمنية (التي تستند حتى الآن إلى الاسم الثنائي فقط في ملاحقة المطلوبين)، حتى لو قررت التدقيق في كل البيانات السابقة، فقد يحدث تشابه في الأسماء، ما لم تدوّن في مذكرة التوقيف اسم الأم والرقم الوطني، واللذيّن يعتبران عاملين حاسمين في منع حصول التشابه لدرجةٍ كبيرة".
دوافع النظام وغاياته من التعميم الجديد
في ظل عدم إمكانية تطبيق القرار الجديد على أرض الواقع، يبدو أن الأسد يُخطّط لتحقيق عدة أهدافٍ خفية من وراء هذا القرار، يقول رئيس هيئة القانونيين السوريين، القاضي خالد شهاب الدين: إن "التعميم الجديد للنظام شكلي، وهدفه التغطية على الاعتقالات التي قام بها، والادّعاء أن الأسد بعد أن نجح في انتخاباته المزعومة يقوم بمجموعةٍ من الإصلاحات، ومنها إصلاح القضاء عبر هذا التعميم، بغية تلميع صورته أمام الرأي العام".
وأشار شهاب الدين لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أن "قرار الأسد لمنع تشابه الأسماء، هو بمثابة تقزيم لقضية الاعتقالات والاختفاء القسري، حيث يظن النظام أنه يستطيع بمجرد تعميم صغير بلا قيمة، إنهاء قضية الاعتقال بسبب تشابه الأسماء، والمستمرة على مدار خمسين سنة، وبالوقت نفسه يهدف الأسد من القرار، تخفيف الضغط عنه من قبل المجتمع الدولي، أو حتى الموالين الذين ضجروا من اعتقال أبنائهم بسبب تشابه الأسماء".
ويعتبر هذا التعميم تعدّياً من الأسد على أصل القانون، الذي يمنع إصدار أي مذكرة إحضار أو توقيف أو دعوى، دون ذكر اسم الشخص وكنيته، واسم الأب والأم ومكان وتاريخ الولادة، واسم ورقم القيد، والرقم الوطني.
وأضاف شهاب الدين، أن "ما حصل من اعتقالات من قبل مخابرات النظام تحت ذريعة تشابه الأسماء، كان اعتقالاتٍ تعسفيةً مقصودة وليس بسبب تشابه الأسماء، فالأفرع الأمنية تعرف أن من اعتقلته ليس هو الشخص المطلوب، ورغم ذلك كانت تعتقل الآلاف بغية ابتزاز ذويهم بالأموال مقابل إطلاق سراحهم، إضافةً إلى الانتقام من السوريين الذين ثاروا ضد الأسد".
وليست المرة الأولى التي يُصدر فيها الأسد تعميماً حول تشابه الأسماء، إذ أصدرت حكومة النظام في شباط الماضي، تعميماً مماثلاً منع فيه إصدار مذكرات قبض أو نشرات شرطية استناداً إلى الاسم الثنائي للشخص، وإنما يتطلب الاسم الثلاثي، باستثناء الجرائم “الخطيرة”، كالقتل وتجارة المخدرات وغيرها.
وكانت وزارة الداخلية التابعة للنظام أصدرت أيضاً في عام 2017، تعميماً حظرت بموجبه تعميم الاسم الثنائي، منعاً لتشابه الأسماء، لكنّ القرار بقي حبراً على ورق.
ضحايا تشابه الأسماء
وقُتل واختفى مئات الآلاف من السوريين بموجب "قانون الطوارئ" الذي فرضه "حزب البعث" لدى الاستيلاء على السلطة عام 1963، وألغي عام 2011 عقب اندلاع الثورة السورية، ليحلّ مكانه "قانون مكافحة الإرهاب" الصادر عام 2012، والذي استمرت في ظله اعتقالات "تشابه الأسماء"، ولكن بشكلٍ مضاعف عما كان عليه في ظل "قانون الطوارئ".
وحصلت الكثير من حالات الاعتقالات طوال خمسين سنة من حكم الأسد، نتيجة تشابه اسم شخص مع آخر مطلوب، وقد يكون الاعتقال فقط بسبب التشابه في الاسم الثنائي رغم الاختلاف في اسم الأب والأم أو أحدهما، أو الاختلاف في مكان وتاريخ الولادة، أو قد يكون التشابه في الاسم الثلاثي مع اختلاف اسم الأم ومكان وتاريخ الولادة، إلى جانب القيد والرقم الوطني.
"انزل معنا أنت مطلوب"، كلمة باتت تبث الرعب في قلوب السوريين، فلا يكفي أن تكون متأكداً من عدم وجود أي شُبهة أمنية عليك حتى تشعر بالارتياح عند المرور على الحاجز، فالخوف من تشابه الأسماء بات يُرعب الجميع على الحواجز الأمنية بما فيهم الموالون، الذين لم يشفع لهم تأييدهم للنظام من عدم الاعتقال، هكذا يصف أبو غسان من سكان دمشق حال السوريين في ظل حكم الأسد.
يضيف أبو غسان "تعرّض ابني البالغ من العمر 21 عاماً، للاعتقال على حاجز شارع بغداد في عام 2013، خلال ذهابه إلى الجامعة، حيث انقطع الاتصال حينها معه، وبعد ثلاثة أشهر من البحث في الأفرع الأمنية، تبيّن أنه اعتُقل بسبب تشابه اسمه مع شخص مطلوب من الغوطة الشرقية يحمل الاسم نفسه، رغم اختلاف اسم الأب والأم ومكان وتاريخ الولادة والرقم الوطني، لذا قمنا بتوكيل محامٍ لإثبات مشكلة تشابه الأسماء، واضطررنا لدفع مليوني ليرة سورية حتى تمكنا من إطلاق سراحه".
مشكلة تشابه الأسماء لم تتسبّب فقط في اعتقال الكثيرين لفترة من الزمن وإطلاق سراحهم بعدها، لكن كانت سبباً في وفاة العديد من الأشخاص تحت التعذيب في معتقلات النظام، رغم عدم وجود أي تهمة مثبتة ضدهم.
يستذكر مؤيد شعبان من سكان مدينة أريحا بريف إدلب بغصةٍ وحُرقة، كيف توفي والده قبل سبع سنوات في أقبية الأسد، حيث تعرّض للاعتقال على حاجز السعن بريف حماة، خلال توجهه لقبض راتبه التقاعدي، رغم أنه رجلٌ كبير في السن (65 عاماً)، إلا أن عمره الكبير لم يشفع له.
يضيف شعبان: "حاولنا كثيراً معرفة مكان اعتقال والدي لكن لم نحصل على أي نتيجة، وبعد عام توجّهت إلى مقر الشرطة العسكرية في منطقة القابون بدمشق للسؤال عن مصير أبي، لأفاجأ بأنه متوفى منذ خمسة أشهر، وقاموا بتسليمي هويته الشخصية".
وتابع شعبان قائلاً: "شعرت حينها بصدمة وانهيارٍ عصبي، فكيف لرجلٍ كبيرٍ في السن وليس عليه أي شُبهة أمنية أن يُعتقل ويموت تحت التعذيب!!! بعد عدة أشهر تم الإفراج عن أحد المعتقلين من سكان أريحا، ليُخبرنا أنه كان مع والدي في الزنزانة نفسها، وبأن مخابرات النظام اتهمت والدي (بتهريب الأسلحة والانضمام لصفوف المسلحين والمساس بهيبة الدولة حسب زعمهم)، ورغم تأكيد أبي أنه كبير في السن وليس له علاقة بحمل السلاح، لم يتم تصديقه وقُتل تحت التعذيب".
بعد أن استمع مؤيد شعبان للتُهم التي وُجّهت لوالده قبل مقتله، علم حينها أنه كان هناك تشابه أسماء، حيث إن هناك شخصاً مطلوباً من نفس مدينته أريحا يحمل ذات الاسم الثلاثي ومكان الولادة، لكنه يختلف باسم الأم وتاريخ الولادة، حيث إن الشخص المطلوب عمره 30 عاماً، وكان يُقاتل ضمن فصائل المعارضة في جبل الزاوية.
كيف يحاول السوريون تجنب الاعتقال بتشابه الأسماء؟
استمرار حالات الاعتقال من قبل الأفرع الأمنية للنظام بسبب تشابه الأسماء، دفع البعض إلى حلولٍ بديلة لتجنب الاعتقال.
يقول عبادة اليماني من سكان بلدة احسم بريف إدلب: "جرت العادة أن يتم تسمية المولود الأول على اسم الجد من قبل جميع الإخوة كتخليدٍ للاسم، وبالتالي تجد في العائلة نفسها عدة أشخاص يحملون الاسم نفسه، مع اختلاف اسم الأب، لكن ذلك كان نقمة علينا، حيث اعتُقل عدة شبان من العائلة بسبب تشابه الأسماء، ما دفعني إلى أن أصرّ على ابني كي يُسمي حفيدي باسمٍ جديد بدلاً من اسمي، لتجنب تشابه الأسماء مستقبلاً مع باقي أقربائه".
من جهته وجد أحمد الخطيب من سكان مدينة حلب والذي لجأ إلى ألمانيا، أن الحل الوحيد للتخلص من كابوس تشابه الأسماء، بعد تعرضه للاعتقال في عام 2017 لهذا السبب، هو الهروب خارج البلد، حيث يرى أن البقاء تحت حكم النظام قد يُعرّضه للاعتقال لمرةٍ ثانية وثالثة، وربما الموت تحت التعذيب، دون وجود أي تهمة، خاصةً أنه من آل الخطيب، والتي تعتبر من العوائل الكبرى في سوريا، وقد يكون هناك مئات الأسماء التي تشبه اسمه بمختلف المحافظات.
كما فضّل البعض لتجنب الاعتقال على الحواجز الأمنية، عدم التنقل بين المحافظات، خاصةً المقيمين في المناطق الختضعة لسيطرة النظام، حيث عزف معظم سكان تلك المناطق عن السفر إلى مناطق النظام رغم حاجتهم لذلك، لاستلام رواتبهم أو استكمال الدراسة في الجامعة، أو تسيير بعض الأوراق الضرورية، وذلك خوفاً من الاعتقال بسبب تشابه الأسماء.
في السياق ذاته أفاد أحد سكان مدينة دمشق، فضّل عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية، "تعرّضت للاعتقال عدة مرات بسبب تشابه اسمي مع اسمه أحد قادة الفصائل في داريا، ولتجنب الاعتقال لمراتٍ أخرى، دفعت مبلغاً كبيراً لأحد الضباط، مقابل استخراج ورقة تطالب أي جهة تقوم بإيقافي، بأن تقوم بالتأكد جيداً من معلومات هويتي الكاملة قبل اعتقالي".
وبحسب أرقام “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، تعتقل قوات النظام أو تُخفي قسراً، أكثر من 131 ألف شخص، بينهم أكثر من ثمانية آلاف امرأة وقرابة أربعة آلاف طفل، بينما قُتل قرابة 15 ألف شخص تحت التعذيب في أقبية الأسد، منذ مطلع الثورة وحتى آذار 2021.