هل يقترب الحل في سوريا أم يبتعد؟

2022.12.25 | 07:31 دمشق

هل يقترب الحل في سوريا أم يبتعد؟
+A
حجم الخط
-A

ما نعرفه حتى الآن هو وجود مبادرة روسية وافقت تركيا والنظام في دمشق على مناقشتها مع إدخال تعديلات ومطالب وتحفظات لكلا الجانبين قبل الذهاب إلى الطاولة. ما لا نعرفه هو تفاصيل الخطة وبنودها وطريقة تنفيذها. ما لا نعرفه أيضا هو مصير "قسد" ومشروعها في شمال شرقي سوريا بناء على التصور الروسي المعروض على أنقرة والنظام. هذا إلى جانب الغموض حول موقف قوى المعارضة السورية الطرف الآخر في المعادلة السياسية السورية وكيف ستتحرك إذا ما صحت هذه المعلومات.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أواخر شهر أيار المنصرم أن تركيا لن تنتظر كثيرا لحسم الأمور في بعض المناطق المتبقية في شمالي سوريا لتثبيت خطة المنطقة الآمنة. وأن تحريك القوات هي مسألة وقت فقط. في منتصف كانون الأول الحالي قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده جاهزة للعمل المشترك مع النظام السوري إذا ما تصرف بواقعية لمكافحة الإرهاب، ومن أجل العملية السياسية وعودة السوريين إلى بلادهم. تغيرت أولويات تركيا في سوريا بالمقارنة مع ما كانت تقوله القيادات السياسية قبل عقد تقريبا. من هدف إسقاط الأسد إلى ضرورة مواجهة مخاطر المشروع الانفصالي الكردي، والحؤول دون اقتراب الميليشيات والنفوذ الإيراني من حدود تركيا السورية، وحتمية التصدي لارتدادات الملف على الداخل التركي، إلى جانب تسريع عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.

التأخر والتردد في سياسة تركيا السورية ساهم في فتح الطريق أمام تدخلات إقليمية خدمت تطلعات وأهداف لاعبين آخرين بنوا منظومة علاقات واختراق ميداني أضر بنفوذ ومصالح أنقرة هناك

صحيح أن التفاهمات الأميركية الروسية التي كانت تريدها تركيا في سوريا لم تحصل حتى الآن. وأن سيناريوهات التنسيق التركي العربي لم تسفر عن إختراق يقطع الطريق على التدخلات الإيرانية والإسرائيلية، وأن البديل المطروح هو مناقشة هذا العرض الروسي كخيار أهم اليوم بالنسبة للقيادات السياسية التركية الواقعة تحت ضغوطات ارتدادات الملف السياسية والاقتصادية والأمنية والانتخابية. إلا أنه عندما يتحدث البعض في الداخل التركي عن ضرورة مراجعة السياسة المعتمدة في التعامل مع ملف الأزمة السورية، ويعلن أن الحوار مع النظام في دمشق ممكن في إطار تفاهمات جديدة تسرع التفاوض بين أطراف النزاع، فهذا يعني أن علينا الاعتراف بدفع ثمن التفريط بأوراق سياسية كنا نملكها قبل عقد في الملف السوري، وكانت تعطينا فرصا في أن نكون اللاعب الإقليمي والمؤثر الأول القادر على تفعيل صيغة الحل والتسوية. وأن التأخر والتردد في سياسة تركيا السورية ساهم في فتح الطريق أمام تدخلات إقليمية خدمت تطلعات وأهداف لاعبين آخرين بنوا منظومة علاقات واختراق ميداني أضر بنفوذ ومصالح أنقرة هناك.

هل سيكفي التقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام السوري بشار الأسد الصورة التذكارية الموعودة للقول إن مسار الحلحلة والتسويات في ملف الأزمة السورية قد اقترب؟ وهل سيكون بمقدور أنقرة وبشار الأسد بدعم روسي رسم خارطة التفاهمات وتقريب موعد انتهاء الأزمة في سوريا دون إصغاء إلى ما يقوله ويريده بقية اللاعبين الفاعلين هناك مثل إيران وأميركا والعواصم العربية وإسرائيل؟

هذا ممكن بالنسبة لأنقرة التي قررت منذ أشهر تعديل سياستها السورية. وهو قد يطمئن النظام أنه لم يعد على لائحة المغضوب عليهم تركيًا. لكن دون دعم إقليمي ودولي حقيقي لهذه الرغبة التركية لن تصل الأمور إلى أكثر من تفاهمات محدودة بطابع أمني في بقعة جغرافية تجمع الحدود التركية السورية.

إذا كان التقارب والتنسيق الاستراتيجي الروسي الإيراني يقلق واشنطن وتل أبيب فعلا كما قيل على هامش محادثات جرت بين مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونظيره الإسرائيلي، إيال حولاتا وأن "علاقة إيران العسكرية المتنامية مع روسيا، بما في ذلك نقل أسلحة ينشرها الكرملين ضد أوكرانيا واستهداف البنية التحتية المدنية بها وتوفير روسيا تكنولوجيا فنية لإيران مقابل ذلك"، إذا كان ذلك هو العقبة، فلماذا تضحي روسيا بعلاقاتها مع إيران في سوريا إرضاء لأنقرة أو من أجل التودد إلى واشنطن؟

كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يقول في أيلول 2021 وبعد لقائه بوفد الائتلاف الوطني السوري المعارض "دعمنا كامل للحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني الممثل الشرعي للشعب السوري". الحوار على مستوى أجهزة الاستخبارات ممكن، لكن الانتقال به إلى مرحلة الحوار السياسي والدبلوماسي فهذا يعني مرحلة جديدة مختلفة كليا. المشكلة الآن هي كيف ستجمع قيادات حزب العدالة والتنمية في أنقرة بين دعمها لقوى المعارضة السورية وقياداتها وبين فتح الطريق أمام الحوار مع النظام الذي يتهمها بدعم مجموعات خارجة عن القانون فتحت لها الأبواب وتقدم لها الدعم الكامل؟ ثم هناك مشكلة أخرى تتعلق بالتنافس الحاصل اليوم بين الحكم والمعارضة في تركيا على كسب دمشق قبل الذهاب إلى الصناديق. بشار الأسد سيختار حتما المعارضة إذا ما شعر أن حظوظها في الوصول إلى السلطة أكبر من حظوظ حزب العدالة في البقاء. لكن القرار ليس بيده هو. هناك من سيوجه ويعطي النصائح ويقدم التوصيات في طهران وموسكو، وعلى النظام التنفيذ. فكيف سيكون شكل الحوار الثلاثي بين أنقرة وموسكو وطهران هنا؟

الهدف بالنسبة لأنقرة هو ليس إنقاذ الأسد بل فتح الطريق أمام سياسة خروج تركيا من أعباء الملف السوري وتسجيل اختراق حقيقي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على أبعد تقدير. هل هذا سيكون في مصلحة سوريا والسوريين أم لا؟ وهل يعني حراك من هذا النوع اقتراب الحل في سوريا؟

ألا يوجد "زيلينسكي سوري" يقف أمام المؤسسات الأميركية لتذكيرها أن سوريا أيضا تستحق هذا النوع من الاستثمار الأميركي وأن الشعب السوري يستحق الوقوف إلى جانبه

مؤشرات خارجية عديدة تقول إن اللاعبين الإقليميين مع توجه من هذا النوع خصوصا بعد تراجع المشروع الإيراني الإقليمي والوضع الروسي الصعب على أكثر من جبهة، وحاجة تركيا إلى سياسة سورية جديدة وانفتاح العديد من العواصم العربية وإسرائيل على سيناريو الحلحلة في سوريا. لكن المشكلة هي في ملفات الداخل السوري وأزماته السياسية والاقتصادية والأمنية وطريقة صناعة المشهد الجديد. طاولة حوار ثلاثي برعاية روسية تجمع القيادات التركية ورموز النظام تعني أن أنقرة ستتجاهل أن النظام في دمشق فقد السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية المشرذمة تحت نفوذ لاعبين وقوى محلية وإقليمية عديدة وهو عاجز عن استردادها. وأنه لا يملك أي ثقل اقتصادي أو مالي يوفر الحياة اليومية للسكان الموجودين تحت حكمه. وأن النظام لا يريد عودة اللاجئين إلى منازلهم في مناطق هيمنته، لأن ذلك سيتعارض مع التفاهمات التي عقدها في إطار خطط توسيع رقعة النفوذ الإيراني. وأن المقاتلات الإسرائيلية التي تخرق يوميا الأجواء في مناطق سيطرته لمهاجمة الأهداف العسكرية الإيرانية هناك لن تقبل بأية تسويات تشكل طهران فيها خطرا على الأمن الإسرائيلي.

يقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه الموجه للكونغرس الأميركي إن "المساعدات المقدمة لبلاده في مواجهة الغزو الروسي ليست صدقة، بل استثمار في الأمن العالمي والديمقراطية". وصل حجم الدعم الأميركي لأوكرانيا إلى 100 مليار دولار خلال 10 أشهر من الحرب في القرم. أنفقت أميركا مليارات الدولارات في سوريا أيضا لإنشاء جيش مستقل قوامه 100 ألف عنصر كما يقول مظلوم عبدي، بهدف حماية مشروع الكيان الذاتي الكردي تحت ذريعة محاربة مجموعات داعش.

ألا يوجد "زيلينسكي سوري" يقف أمام المؤسسات الأميركية لتذكيرها أن سوريا أيضا تستحق هذا النوع من الاستثمار الأميركي وأن الشعب السوري يستحق الوقوف إلى جانبه وهو يدافع عن حريته وديمقراطيته وكرامته؟ إما أن أميركا عجزت عن مواجهة روسيا في سوريا وإما أن البحث عن صيغة تسوية هناك خسارة لها، أو أن طبخة المقايضات لم تكتمل بعد وعلى الشعب السوري أن يقدم المزيد على طريق الآلام.

الحوار مع دمشق لن يكفي لتلميع صورة النظام أو تفعيل دوره ومحاولة إخراجه من مستنقع الأزمات الاقتصادية والمعيشية والأمنية التي باتت تلوح بثورة اجتماعية معيشية سياسية عنده. وهذا ما لا يمكن الالتفاف عليه حتى ولو تقدمت لغة المصالح في هذه الآونة.