هل يطلق عون "رصاصة الرحمة" على اتفاق الطائف؟

2022.09.30 | 05:03 دمشق

ت
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من تحديد أول جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يوم الخميس الموافق لـ 29 من الشهر الجاري، إلاّ أنّ مصير هذا الاستحقاق يكتنفه الغموض. فالفراغ الرئاسي بات أمراً حتمياً، وبات يُنظر إليه في لبنان مع رحيل الرئيس ميشال عون، على أنّه عامل استقرار سياسي محتمل، وخصوصاً إذا ما توصّل أركان السلطة إلى اتفاق بالحدّ الأدنى، يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حين التوافق على رئيس جديد للبلاد.

ويضاف إلى محفّز "الحكومة الجديدة"، مستجدّ آخر قد يدفع البلاد أكثر صوب تثبيت الاستقرار الأمني، وهو ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، الذي يُفترض أن يصل إلى خواتيمه في غضون الأسابيع القليلة المقبلة حسبما تشير آخر التطورات.

ترسيم الحدود إذا ما تمّ بسلاسة، فسيكون هو الإنجاز الوحيد دون سواه، الذي سيُكتب لعهد الرئيس عون، ولهذا يحاول عون تعويض فشله بمحاولة إيصال صهره جبران باسيل إلى الرئاسة، فتراه يتخبّط  بطرح الأفكار البديلة، ويجترح الخيار تلو الخيار.

أولى تلك الخيارات التي تسرّبت في الإعلام وتحدّث عنها إعلاميون وصحافيون مقرّبون من عون مواربة، تلويح "التيار الوطني الحر" (حزب عون) بتهديد عون بتكليف شخصية سُنيّة بتشكيل حكومة جديدة من خارج التكليف الشرعي الموكل للرئيس نجيب ميقاتي. في هذه الحالة سيكون لبنان أمام رئيسين مكلّفين: الأول مكلّف بموجب الدستور واستشارات نيابية ملزمة بنتائجها كما ينص الدستور، وأخرى صُوَرية غير شرعية ستؤسس حكماً إلى انقسام المناطق اللبنانية كما في السابق بين شرقية وغربية!

وثانيها، كان يوم لمح "التيار الوطني الحرّ"، بتنظيم تظاهرات في محيط القصر الجمهوري مساء 31 تشرين الثاني (تاريخ انتهاء ولاية عون)، وذلك بهدف منع الرئيس من المغادرة، ورفضاً لتسليم صلاحيات الرئاسة إلى حكومة منتهية الصلاحية.

وثالثها، ما تحدثت عنه أوساط القصر الجمهوري ملمحة إلى احتمال توقيع عون مرسوم استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (المستقيلة أصلاً)، وذلك للتأكيد على عدم شرعيتها في تسلّم صلاحيات الرئيس، على الرغم من تأكيدات الخبراء الدستوريين على أنّ هذه الخطوة "لزوم ما لا يلزم"، وأنّ العرف المعتمد منذ اتفاق "الطائف" كان يقضي بتوقيع مرسوم استقالة الحكومة تزامناً مع تشكيل أخرى جديدة، وأنّ توقيت التوقيع ليست ذات أهمية، ولا مفاعيل قانونية له على الإطلاق.

حتى اللحظة، لا يُعرف ما هو الخيار الذي سوف يسير به عون، لكن الخيار الوحيد المتاح في زحمة هذه الطروحات هو صلاحية التوقيع على مرسوم تشكيل حكومة الجديدة. ولهذا يبالغ عون برفع سقف مطالبه للموافقة على تشكيل الحكومة، فيضغط على الرئيس ميقاتي، تارة لتغيير أسماء الوزراء وأخرى بزيادة عدد الوزراء في الحكومة، وطوراً في طلب إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.. وذلك كلّه حتى يكون لحزبه فيها (وصهره طبعاً) "حصّة الأسد"، فتمكّن الأخير من السيطرة على القرار داخل مجلس الوزراء وخارجه.

محاولات عون كلّها أعادت اللبنانيين في الذاكرة إلى حقبة العام 1989، يوم كان مناصروه يتقاطرون إلى قصر بعبدا دعماً له في مواجهة جيش النظام السوري في "حرب التحرير"، ثمّ رفضاً لاتفاق "الطائف"

محاولات عون كلّها أعادت اللبنانيين في الذاكرة إلى حقبة العام 1989، يوم كان مناصروه يتقاطرون إلى قصر بعبدا دعماً له في مواجهة جيش النظام السوري في "حرب التحرير"، ثمّ رفضاً لاتفاق "الطائف"، الذي أقرّ تحت ضغوط دولية انتهت بتسليم لبنان إلى النظام السوري بعد حرب الخليج الأولى، التي أودت بعون إلى المنفى الفرنسي.

برغم ذلك لم يتعظ عون من التاريخ، ويراهن على الفوضى الدستورية، فيتوسلها ليحاول من خلالها تثبيت الحالة العونية في الحياة السياسية اللبنانية بعد نهاية عهده، وبالتالي لحجز مقعدٍ متقدمٍ لصهره باسيل في اللعبة السياسية وعلى مائدة أيّ مفاوضات أو تسوية مقبلة تؤسّس لمرحلة جديدة في بلاد. فيكون باسيل عبرها صاحب "حق النقض" (الفيتو) في عملية اختيار أيّ رئيس مقبل، أو في أيّ قرار تتخذه الحكومة أو أقطاب السلطة في لبنان.

يرفض عون الاعتراف بالهزيمة، ويرفض الاعتراف بأنّ العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية على صهره بتهم فساد قد دمّت فرص وصوله إلى الرئاسة. يرفض أيضاً الاعتراف بأنّ مغالاته السياسية، وقربه مع صهره من "حزب الله" أوصلاهما ولبنان كله إلى هنا.. لكن برغم ذلك يستمر في اجتراح المحاولات الواحدة تلو الأخرى بلا طائل.

اللافت في كل تلك المحاولات، أنّها من خارج دستور "الطائف"، وهذا يشي صراحة بأنّ عون وفريقه والمقربين منه ما زالوا على إصرارهم إلى اليوم: رفض اتفاق "الطائف"، برغم انتخابه رئيساً بموجب هذا الاتفاق، الذي حلّ تعديلاً دستورياً وبات جزءاً لا يتجزأ من الدستور اللبناني منذ نحو 33 عاماً.

وسط هذا كلّه سؤال يطرح نفسه: أين حزب الله من كلها هذا؟ وهل يرضى بهذا السيناريو؟

الجواب البديهي والسريع، يفيد بأنّ "حزب الله" محرج جداً في مجاراة حليفه "التيار الوطني الحرّ" في أي واحد من هذه السيناريوهات، لأنّ مسؤولية لبنان في رقبة الحزب، شاء أم أبى، وحتى لو ادعى عدم امتلاكه للأكثرية البرلمانية. فهو المسيطر الأوحد على مفاصل الدولة، وعلى القضاء، وأغلب الأجهزة الأمنية، وهو خلف تأخر الإصلاحات، ولا مصلحة له لدفع البلاد نحو الانهيار. جلّ ما يمكن تقديمه إلى عون وباسيل اليوم هو محاولة استرضائهما، والضغط من أجل ولادة في الحكومة المقبلة قدر المستطاع ومن دون كسر "شوكة" ميقاتي.

بذلك، يستطيع الحزب تمرير الفراغ الرئاسي بهدوء وبلا جلبة، ويترك أمر التوافق على اسم الرئيس الجديد للظروف الإقليمية المقبلة، والتوافقات الدولية التي بدأت تظهر مفاعيلها من خلال البيان الأميركي – الفرنسي السعودي الذي صدر قبل أيام، ودعا إلى احترام المهل الدستورية والقرارات الدولية، وخصوصاً اتفاق الطائف، بعد أن لمس المجتمع الدولي مؤشرات جدية على قرب انهياره وبالتالي دخول البلاد مجدداً وببطء في نفق الحرب الأهلية. خصوصاً مع استفحال الأزمة الاقتصادية الحادة التي بدأت تؤسس لتفسّخ البلاد إلى حكم "أزقة وزواريب"، وسط غياب تام لهيبة الدولة.

فكل منطقة من المناطق اللبنانية باتت تتبع أصحاب النفوذ و"الفتوات" من قدامى الميليشيات والعصابات. في كل منطقة ثمة مجموعة من هؤلاء يحتكرون تقديم الخدمات من اشتراكات الكهرباء والانترنت وكوابل ستلايت، وخزانات مياه..

مع الوقت قد يؤسس هذا الواقع إلى بروز ميليشيات صغيرة متفرقة في كل منطقة، تحت مسميات "الأمن الذاتي". ومع الوقت أيضاً، لا يُستبعد أن تظهر المتاريس مجدداً بين المناطق من هذا الباب. فالكل يذكر كيف بدأت الحرب اللبنانية في العام 1975 ضد الميليشيات الفلسطينية، ثم انتهت بتقاتل اللبنانيين وذبح بعضهم بعضاً على الهوية!