خصوم أردوغان مصدر قوته ومطيته إلى الرئاسة مجدداً

2023.05.24 | 05:32 دمشق

آخر تحديث: 24.05.2023 | 05:32 دمشق

خصوم أردوغان مصدر قوته ومطيته إلى الرئاسة مجدداً
+A
حجم الخط
-A

في رد فعل على نتائج الانتخابات الرئاسية التركية، أعلن الصحفي التركي المعارض محمد يلماز انقطاعه عن الكتابة، مؤقتاً، معترفاً بأنّه لم يكن موفّقاً في "قراءة المجتمع" الذي يعيش فيه بشكل صحيح.

رد فعل يلماز يعكس ردود أفعال المعارضين في تركيا، بعد الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التركية. تلك الانتخابات التي فاجأ فيها الرئيس رجب طيب أردوغان العالم، بعد أن حقّق نتيجة مبهرة لم تتوقّعها معظم مراكز الاستطلاعات، على الرغم من مآلات الزلزال والأزمة الاقتصادية، وعلى الرغم من تكتل المعارضين ودول الغرب ضدّه.

في الدورة الأولى استعرض أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" عضلاتهما، وأظهرا أنّ الجولة الثانية باتت أقرب إلى الحسم بشكل مريح، وقد ساعده على ذلك المعارضون أنفسهم، نتيجة سلوكهم وتخبّطهم، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.

وفي ما يلي أبرز الأسباب التي ساهمت في تفوق أردوغان على معارضيه:

1. انعدام الإنجازات في المجالس البلدية التي يديرها المعارضون على مدى سنوات، بالمقارنة مع إنجازات حزب العدالة والتنمية. وهذا يمكن لأيّ زائر إلى تركيا مشاهدته بأم العين ومقارنته بين البلديات التي يسيطر عليها الحزب الحاكم، المنظّمة بأبنية وبنية تحتية حديثة، وبين تلك التي يُمسك بها المعارضون، قديمة ببنى تحتية مترهّلة، وهذا قابل لتمييزه بسهولة.

2. التناقض في الطروحات مع القاعدة الأتاتوركية، خصوصاً بعد أن تراجع حزب الشعب الجمهوري عن بعض ثوابته العلمانية القديمة (مثل التراجع عن رفض الحجاب) وبعد وَضْع يده بيد أحزاب محافظة، مثل حزب "السعادة" وحزب "المستقبل" وحزب "التقدم والديمقراطية". تلك المحاولة لكسب مؤيدين إضافيين أضرت بشكل كبير بقاعدة حزب الشعب الجمهوري التقليدية، فخسر الحزب من رصيده من دون أن يكسب من رصيد أردوغان. ناهيك عن التناقضات الأيديولوجية وغياب المواقف الموحدة بين أركان المعارضة أنفسهم، وهو أمر جعل الأتراك يشعرون بأنّ الهدف من تكتلهم هو إسقاط أردوغان لشخصه أكثر مما هو محاولة إصلاح أو سعي لتنفيذ مشروع جدّي لتكتل مُعارض ومنسجم.

استطاع الأتراك أن يلمسوا في ظل حكم أردوغان أهمية "الوسطية"، وقدرتها على تحقيق المكاسب من كل الأطراف في نفس الوقت وعلى السواء

3. في مقابل الانفتاح على الأحزاب التقليدية، كان حزب الشعب الجمهوري يُفرط في طروحات "الغربنة" بشكل متناقض، محاولاً جرّ مناصريه نحو الغرب بشكل نافر ومتطرّف، متوعداً بإلغاء الاتفاقيات مع روسيا والسير بتطبيق العقوبات الغربية ضد موسكو وفقًا للمشيئة الغربية. هذا الأمر ذكّر الأتراك بعهود الانصياع للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص، في حين المجتمع التركي اليوم تفوّقت عليه الروح القومية مع ميول بارزة نحو الأوراسية. استطاع الأتراك أن يلمسوا في ظل حكم أردوغان أهمية "الوسطية"، وقدرتها على تحقيق المكاسب من كل الأطراف في نفس الوقت وعلى السواء، فلم يرُق لهم في ما يبدو الانحياز نحو طرف واحد (الغرب).

4. ضعف البرنامج السياسي والاقتصادي للمعارضة. لم يقدّم المعارضون، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، خطة قابلة للتنفيذ. بل اقتصرت مشاريعهم على تشويه كل ما كان يقوم به حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان، خصوصاً في المجال الاقتصادي والنقدي، والضغط من بوابة رفع الفائدة مصوّرين الأمر على أنّه الحل السحري الذي سيعيد الاقتصاد ومستويات التضخّم إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وهذا طبعاً غير دقيق.

5. الأخطاء المتكررة والقاتلة التي صرّح بها مرشح حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو خلال حملته الانتخابية. في إحدى حملاته الانتخابية. مثلاً حينما طالب بتسليم مطار أتاتورك لأكاديمية أميركية تختصّ بشؤون الطيران والفضاء، من دون أن يعرف أنّ ثمة شركة تركية أصيلة موجودة في المطار المذكور، وتقوم بالعمل نفسه وتخرّج الطيارين الأتراك. بدا برنامج كليتشدار أوغلو كأنه يقوم على وقف الشركات التركية عن العمل لصالح الشركة الأجنبية، الأميركية تحديداً.

إصرار كليتشدار أوغلو على ترشيح نفسه، دفع برئيسة "حزب الجيد" ميرال اكشنار إلى الانسحاب من طاولة المعارضة، لكنّها عادت إليها نتيجة ضغوطات داخلية (ويقال أخرى غربية)

6. إصرار حزب الشعب الجمهوري على ترشيح كمال كليتشدار أوغلو، الذي يكبر أردوغان بسنوات، على الرغم من أنّ أحزاب الطاولة المستديرة وحزبه، كانوا يرغبون في ترشيح وجهٍ شابٍ جديد، مثل عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أو عمدة أنقرة منصور ياواش، باعتبار أنّهما من بين الشخصيات المخضرمة والناجحة والشابة. إصرار كليتشدار أوغلو على ترشيح نفسه، دفع برئيسة "حزب الجيد" ميرال اكشنار إلى الانسحاب من طاولة المعارضة، لكنّها عادت إليها نتيجة ضغوطات داخلية (ويقال أخرى غربية)، لكن ليس بالزخم والحماسة نفسهما.

7. محاولة اغتيال سمعة المرشح الأتاتوركي المنافس محرم إنجه، الذي كان عضواً في حزب الشعب الجمهوري في ما مضى. انشقاق إنجه عن الحزب وتأسيسه حزباً مستقلاً ضعضع حزب الشعب الجمهوري. بينما خلال الحملة الانتخابية حاول كليتشدار أوغلو اغتياله سياسياً من خلال اتهامه بالترويج للأكاذيب والفبركات. هذا السلوك ترك امتعاضاً بين محبي إنجه، فصبّوا أصواتهم لصالح أردوغان والمرشح الثالث سينان أوغان.

كل هذه الأسباب جعلت رجب طيب أردوغان أقرب إلى الفوز في الدورة الثانية المنتظرة في 28 أيار (مايو)، كما زرعت عقبات إضافية في طريق كمال كليتشدار أوغلو الذي بدأ وحزبه يعترفان بأن الجولة المقبلة قد لا تكون منثورة بالورود.