هل يريد ترامب "إخراج إيران من سوريا" حقاً؟

2018.06.30 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

سيمر وقت طويل ربما حتى يدرك بعده فريق رياض2 أن ثمن بقائهم في واجهة المعارضة وشعورهم بالأهمية، لأنهم يتحدثون ويتفاوضون و"يلعبون" مع دول كبرى ويلتقون صباح مساء اتصالاً من هذا أو يذهبون للقاء ذلك، هو موت العملية السياسية نفسها وخروجهم من اللعبة برمتها، فاللعبة صارت خارج اللجنة الدستورية بعد استقرار مناطق النفوذ في سوريا ومرهونة باتفاق الدول العظمى الفاعلة.

مناسبة هذه المقدمة هو النقاش الذي دار في أروقة المعارضة حول تفسير الموقف الأمريكي في الجنوب، بعد أن تبين أن ما جرى كان بناء على صفقة إسرائيلية-روسية وافق عليها الأمريكيون بعد تبادل الخرائط وتحديد الأهداف من العملية بدقة، التي من المحتمل أنها تهدف إلى إنشاء منطقة إسرائيلية أمنية داخل الأراضي السورية تتوج لاحقا باتفاق دولي وقرار لمجلس الأمن، وتمكين النظام من التقدم نحو الحدود واستدراج الإيرانيين للتصعيد تمهيداً للاعتراف الأمريكي ثم الدولي بشرعية سيطرتها و"سيادتها" على هضبة الجولان المحتلة.

صار ضرورياً الآن أن يعاد تعريف المصلحة الأمريكية في سوريا بناء على ما جرى، هل هي مكافحة الإرهاب الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي؟ أي إرهاب بالضبط؟ هل هو الإرهاب "السني"؟ أم هو "الإرهاب الشيعي"؟ أي هو موقع إسرائيل من المصلحة الأمريكية؟ ما الذي يربط بين المصالح الأمريكية في الخليج وإيران وسوريا؟ ما تأثير المصلحة الأيديولوجية لليمين المحافظ  في الإدارة الأمريكية؟ ما هي المصلحة الأمريكية في التسوية السياسية في سوريا؟ إلى أي حد تتقاطع المصالح الأمريكية مع المصالح الروسية؟ ما هو الخطر الذي تشكله إيران والأطراف الأخرى الفاعلة في سوريا على المصلحة الأمريكية؟

إذا لم تستطع المعارضة تقدير المصلحة الأمريكية في هذه الأسئلة الرئيسية سيكون من الصعب عليها معرفة مواقف الإدارة الأمريكية والتنبؤ بها؛ إذ لم يكن أحد من المعارضة يتخيل أن تقوم إدارة ترامب بهذه الخديعة في الجنوب، ففي الوقت الذي كانت الخارجية الأمريكية تصدر بيانات تحذر من التصعيد في الجنوب كانت الصفقة مع الروس تنعقد، كان الأمر تمريراً للوقت لا أكثر، وانكشفت الأمور على حقيقتها بعد اندلاع المواجهة وتحذير أمريكي للفصائل بعدم المواجهة! ما من شك أن هذا كان صادماً، وهو لا يشبه صدمة ميليشيا  YPGالكردية في منبج، فتلك صفقة كانت ملامحها تتبلور منذ أكثر من سنة.

السبيل إلى إقامة توازن بين الخطر والمصلحة بحيث يمكن جني الفوائد وتجنب المخاطر يكمن بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين في وجود إيراني قلق وغير مستقر، ضعيف على المستوى العسكري ولكنه قوي على المستوى السياسي.

وريثما يكون هنالك جواب لدى المعارضة وتقدير للإجابة من الملائم أن نركز على مسألة جوهرية يبدو أنها ستكون حجر الزاوية في تحقيق مصالح الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا جميعها، وهي الوجود الإيراني والميليشيات الشيعية المرتزقة التابعة له، يجدر – وبالنظر إلى الاستراتيجية الأمريكية المعلنة المتضمنة إخراج إيران من سوريا – رؤية الممارسة الأمريكية بهذا الخصوص، ومعرفة مدى جدية الولايات المتحدة في إخراج إيران من سوريا، فمن جهة سمحت الولايات المتحدة بتقدم النظام والميليشيات الإيرانية على الحدود العراقية السورية، وفتح الطريق البري من دمشق إلى طهران؟ لماذا لم تقم الولايات المتحدة بهجوم على مواقع القواعد العسكرية الإيرانية ومخازن الأسلحة ومصانعها التابعة لها وهي تعرف مكانها أكثر من أي جهة أخرى؟ وأخيراً لماذا لم تتحرك وهي ترى أن ألوية وكتائب من الميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية انضمت بكاملها لجيش النظام ومنح أعضائها الجنسية؟ لماذا لم يكن موضوع إعادة بناء الجيش والأمن على أجندة الحل السياسي في الرؤية الأمريكية كما هو في "لاورقة تيلرسون"؟ والآن الميليشيات الإيرانية المجنَّسة في قوات النظام ومعها ميليشيات (مجنَّسة أيضاً) بقيادة إيرانية مباشرة تتقدم في الجنوب لماذا لا تتحرك القوات الأمريكية ولا الإسرائيلية لقصفها؟ إذا كان الهدف إبعادها عن المنطقة الحدودية فلماذا لا يتم ضربها وإيقافها؟ ولماذا إسرائيل هي التي تقصف عند الحاجة ولا يفعل ذلك الأمريكيون؟

تقود هذه الأسئلة المتعلقة بالوقائع بالضرورة إلى وضع علامة استفهام كبيرة حول بند "إخراج إيران" من سوريا في الاستراتيجية الأمريكية المعلنة، فتفسير هذا الموقف الأمريكي لن يكون مفهوماً في ظل هذه الاستراتيجية، فما يجري هو مؤشر على عدم جدية الأمريكيين في إخراج إيران، وعلينا أن نفسر عدم الجدية هذه بدل الانتظار إلى ما لا نهاية. 

من الواضح أن الوجود الإيراني المباشر على الحدود الإسرائيلية وتمكين الإيرانيين من وجود مستقر ونقل التكنولوجيا الحربية إلى سوريا مع احتمال تحول إيران إلى دولة نووية في المدى المتوسط أو البعيد أمر يشكل خطراً على عموم المنطقة وعلى إسرائيل بشكل خاص فضلاً عن الأمن القومي الأمريكي والدولي، هذا أمر مفهوم، لكن أيضاً الوجود الإيراني هذا له فوائد كثيرة، أهمها تطويع الأنظمة العربية لصفقة مثل "صفقة القرن"، وجعلهم بحاجة لإسرائيل أكثر من حاجة إسرائيل إليهم لتتحول إلى دولة "طبيعية" ضمن علاقات دول الجوار، ويساعد كذلك على قمع الأكثرية السنية في المنطقة الرافضة للوجود الإسرائيلي، أي يتيح للإسرائيليين فرصة تاريخية لتغيير نمط العلاقة والمصالح في المنطقة. وهو أيضاً يتيح للأمريكيين ابتزاز دول الخليج، وتحويلهم إلى بقرة حلوب تدر بلا حساب في إطار نظرية ترامب عن الأمن المدفوع الثمن من المستفيدين المباشرين.

السبيل إلى إقامة توازن بين الخطر والمصلحة بحيث يمكن جني الفوائد وتجنب المخاطر يكمن بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين في وجود إيراني قلق وغير مستقر، ضعيف على المستوى العسكري ولكنه قوي على المستوى السياسي، ولتحقيق ذلك، يصبح ضرب القواعد العسكرية الإيرانية ومصانع الصورايخ وأي تصنيع حربي قد يشكل خطراً لا يمكن السيطرة عليه ضرورة، بما في ذلك نقل السلاح الكيميائي إلى لبنان (معظم المجازر بالسلاح الكيميائي منذ نهاية 2017 تمت بسلاح إيراني الصنع)، وكذلك إقامة مساحة آمنة مبنية على إبعاد الميليشيات الإيرانية مسافة بين 20 إلى 70 كم في عمق الأراضي السورية لكن على المدى المتوسط، والاستفادة من الوجود وتهديده في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. وهو أمر يسمح باستمرار الخطر الإيراني على الخليج وربما يسمح للإيرانيين بالتمدد نحو الأراضي السعودية إذا ما انتهت الأمور في سوريا بتسوية سياسية ستكون مصالح الدول الكبرى هي الأساس فيها، وسيكون للسوريين (نظاماً ومعارضة) مجرد "الاسترضاء" بفتاتها، وواجهة لتوقيعها.

ولأن الأمور صارت هكذا، فإن الإيرانيين باقون، وإخراجهم مجرد وهم من أوهام حلفاء واشنطن العرب، وبقائهم مصلحة غربية مشتركة من أوربا إلى الولايات المتحدة، وهو أمر سيتحقق باحتوائها ضمن شروط محددة، وسينوب عنهم في التفاوض حولها الروس في أي مفاوضات تسوية في سوريا التي ستبدأ فعلياً في اجتماع بوتين-ترامب في 16 تموز/يوليو في هلسنكي، في حين ستكون مهمة أستانا الفعلية من الآن فصاعداً هي صياغة اتفاق سياسي بين الدول الثلاث يكون أساساً للاتفاق مع الأمريكيين، حيث سيكون هذا الاتفاق هو أساس التسوية السياسية ودفن جنيف1، وحتى ذلك الوقت سيبقى أعضاء هيئة التفاوض لفريق رياض2  تلعب في الوقت الضائع ريثما يحين وقت الحقيقة.