هل يحمل العام الجديد فرصا للحل السياسي في سوريا؟

2024.01.04 | 05:44 دمشق

هل يحمل العام الجديد فرصا للحل السياسي في سوريا؟
+A
حجم الخط
-A

تدخل المنطقة العربية العام 2024 بعنوان بارز وهو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي من غير المعروف مآلاتها حتى الآن، فيما يواصل الوضع في سوريا المراوحة في المكان، دون توقعات أو مواعيد لأية انفراجات محتملة على المدى المنظور.

وإذا كان من المتوقع أن تستمر الأحداث في قطاع غزة في فرض نفسها على رأس أولويات المنطقة خلال الأشهر الستة الأولى على الأقل من العام الجديد، فإن تأثيرها على الوضع في سوريا غير واضح تماما، بغض النظر عن تطوراتها، سواء انتهت بانتصار ما لإسرائيل، وهذا مستبعد، أو بإعادة صياغة الوضع في قطاع غزة، بحيث تشارك أطراف أخرى في إدارة القطاع، مثل السلطة الفلسطينية، بما يتيح تسهيل عمليات إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية.

ومن غير المتوقع أن يختلف سلوك النظام في دمشق خلال الفترة المقبلة حيال الحرب في غزة عما اتبعه خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لجهة محاولة النأي بنفسه عما يجري قدر الإمكان، إلا إذا تدهورت الأوضاع على جبهة جنوب لبنان على نحو كبير، عندها لن يكون القرار بيد النظام ليقرر موقفه، وستفرض عليه علاقاته مع حزب الله وإيران توسيع مشاركته، أو سيكون هناك استخدام أوسع من جانبهما للأراضي السورية المتاخمة للجولان، وهذا احتمال مستبعد أيضا على أية حال.

"العقبة" التي قد تعرقل هذه الطموحات من جانب النظام، هي تواصل التوتر بين إسرائيل وحزب الله بعد انتهاء العمليات العسكرية في غزة

وإذا انتهت التطورات بتسوية لا غالب ولا مغلوب، كما يأمل النظام، بحيث يمكن للجميع ادعاء النصر ودحر العدوان على صعيد خطاب "محور المقاومة" من جهة، ونيل رضى إسرائيل وراعيها الأميركي عن النظام من جهة أخرى، فإن الأخير ربما يتوقع مكافآت من واشنطن على موقفه "الحيادي" أو المنضبط خلال الحرب، برغم تعرض سوريا لهجمات إسرائيلية كثيرة دون استفزاز منها، وهي رسالة تردد في بعض وسائل الإعلام أن دولة عربية (الإمارات) نقلتها إلى واشنطن، على أمل أن يترجم ذلك على شكل تخفيف للعقوبات المفروضة على النظام، أو غض نظر عن محاولات بعض الأطراف العربية لخرقها، ورفع الفيتو الأميركي عن عمليات التطبيع العربية مع النظام والتي جرت فرملتها بعد تحذيرات أميركية بإمكانية تعرض الشركات التي تستثمر في سوريا لعقوبات قانون "قيصر" الذي يمنع الدول والشركات من التعاون الاقتصادي مع النظام خارج إطار المساعدات الإنسانية.

غير أن "العقبة" التي قد تعرقل هذه الطموحات من جانب النظام، هي تواصل التوتر بين إسرائيل وحزب الله بعد انتهاء العمليات العسكرية في غزة، حيث من المتوقع أن تثير إسرائيل مسألة إبعاد قوات الحزب إلى ما بعد نهر الليطاني بموجب القرار الدولي 1701 الذي صدر بعد حرب 2006 بين إسرائيل ولبنان، ووافق عليه الحزب. لكن من غير المرجح أن تتدحرج الأمور هنا أيضا إلى تصعيد عسكري، لأن هذا خيارا لا أحد يسعى إليه، لا إسرائيل المنهكة من حرب غزة والتي تهدد وتتوعد الحزب بهدف زيادة الردع فقط، ولا حزب الله الذي ليس لديه أي حافز لخوض حرب أوسع مع إسرائيل، من شأنها إضعافه وإلحاق تدمير كبير بالبنى التحتية في لبنان وبالبيئة الحاضنة للحزب نفسه على وجه الخصوص.

وفي المسار السياسي السوري نفسه، من غير المتوقع أيضا حصول انفراجات مهمة، حتى لو جرى استئناف أعمال اللجنة الدستورية التي عقدت في العام المنصرم جولة واحدة في حزيران/ يونيو الماضي، وتعطلت أعمالها بعد ذلك بسبب مزاعم روسيا بعدم حيادية جنيف كمقر لانعقاد اللجنة نتيجة الشروط التي وضعتها سويسرا بشأن وصول الدبلوماسيين الروس إلى جنيف نتيجة العقوبات الأوروبية المرتبطة بالحرب على أوكرانيا. وباءت بالفشل المساعي لعقد اجتماعات اللجنة في مسقط أو أماكن أخرى. أما "الإنجاز" الأبرز للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن وهو بلورة مقترح بشأن نهج "الخُطوة مقابل خُطوة" فلم يحقق أي اختراق على الصعيد العملي، لأن النظام لا يريد ببساطة الإقدام على أية خطوة تدفع الحل السياسي وفق المفهوم الدولي للحل، ولا يزال يعتبر نفسه منتصرا في الحرب، وهو غير مضطر تاليا لتقديم أية تنازلات.

ومع إغلاق المسار العقيم الآخر (أستانة) بإعلان رسمي من الدولة المضيفة كازخستان، فإن الرهان المتبقي كان مرهونا بالجهود العربية لاسترضاء النظام مقابل موافقته على تسهيل بعض الملفات المرتبطة بالحل، ولكن نظام الأسد لم يبد أي استعداد للتعاون هنا أيضا، وباءت بالفشل جهود بعض الأطراف العربية في هذا السياق، بما فيها السعودية التي دخلت على خط المصالحة مع النظام، واستقبلت رئيسه بشار الأسد مرتين في الرياض، وسهلت له استعادة مقعده في الجامعة العربية.

النظام لم يتعامل مع المبادرات الأردنية بشكل إيجابي، وواصل، بل صعد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة أيضا، وواصل عرقلة عودة اللاجئين

غير أن الجانب السعودي لم يقدم لنظام الأسد حتى الآن سوى الشرعية السياسية دون منحه مساعدات مالية كما كان يأمل النظام، وهو ما دفع الأخير ربما إلى إعادة إنعاش علاقاته مع طهران من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة والتوقيع على مزيد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وهذا يوضح طبيعة الخيارات التي اعتمدها النظام حتى الآن. ولعل ما يلخص فشل مسار التطبيع برمته، هو علاقة النظام مع جاره الأردن. ورغم أن عمان كانت من أكثر المتحمسين لعودة احتضان النظام على أمل أن يسهم ذلك في ضبط الحدود ووقف تهريب المخدرات باتجاه أراضيه، والبدء بعودة اللاجئين السوريين، إلا أن النظام لم يتعامل مع المبادرات الأردنية بشكل إيجابي، وواصل، بل صعد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة أيضا، وواصل عرقلة عودة اللاجئين من خلال ربط عودتهم بالحصول على مساعدات مالية تمكنه من إعادة تأهيل مناطقهم وفق زعمه.

ومن خلال هذه القراءة السريعة للمعطيات القائمة والمتوقعة، فإن الوضع في سوريا من غير المحتمل أن يشهد تطورات حاسمة في العام الجديد، خاصة مع حالة التردي التي تعيشها المعارضة السورية، والتي يكاد الحراك الشعبي في السويداء يشكل بارقة الأمل الوحيدة لها، لكن هذا الحراك لا يمكنه وحده أن يكون رافعة كافية للنهوض بواقع المعارضة، خاصة مع تواصل التعارض في مصالح القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري، وعدم إدراج الحل في سوريا كأولوية لديها في الوقت الحاضر.