هل نجح الأسد في دفن العملية السياسية قبل أن تبدأ؟

2018.10.26 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انتهت العمليات البرية، ومعها انتهت - كما قلت في مقال الأسبوع الفائت – آمال الأسد بالسيطرة على سوريا والعودة بها إلى ما قبل 2011، وفيما يبدو واضحاً أن نظام الأسد وحلفاءه غير راغبين في المضي في عملية سياسية حقيقية وأنهم طول الفترة الماضية كانوا يشترون الوقت لتدميرها فإنه لا شيء يدفعهم الآن لتغيير سلوكهم، فقد كانت الظروف أصعب عليهم بما لا يقاس من الآن ومع ذلك لم تتغير استراتيجيتهم وممانعتهم لأي حل سياسي وتحقيق أي تقدم عبر الأمم المتحدة، فما الذي يدفعهم الآن لقبول ذلك وهم يشعرون أنهم أفضل حالاً؟!

كل المؤشرا ت تدل على ممانعة المضي قدماً في أي عملية سياسية وخصوصاً الأمم المتحدة لتحقيق هدفين: تعزيز شرعية النظام، وتقويض فرص الأطراف الدولية والأممية في فرض شيء على نظام الأسد، بإمكاننا مراجعة مسار الحل السياسي الأممي والأداء المخزي لديمستورا الذي تحول باسم الواقعية إلى عراب لتنفيذ أجندة نظام الأسد وحلفائه، وتحقيق الكثير مما كان يريد نظام الأسد وحلفاؤه أن يحققوه، وتقرير ديمستورا الأخير عن اللجنة الدستورية سيضع الخلاصة التي توضح بشكل حاسم أن النظام لا يريد أن يفعل أي شيء لتحقيق أي تقدم.

في الواقع يريد النظام أن يجمدها ويترك للزمن أن يكون عامل تفكيكها، وهو موقف روسيا على ما يبدو من اللجنة ذاتها، فليست اللجنة أمراً مستعجلاً، كما قال لافروف، المهم هو العملية ذاتها، باختصار هنالك عمل ممنهج لتفكيك فكرة اللجنة ونسفها، النظام يرفع مستوى مطالبه لجعلها غير ممكنة، ولا أحد يرغب بالضغط وإجبار الأسد على ذلك، لا الروس ولا الأمريكيين.

المؤسف أن هيئة رياض2 نسيت بيان جنيف 1 ونسيت الانتقال السياسي من أساسه وتحمست للجنة قوضت كل القرارات الأممية

المؤسف أن هيئة رياض2 نسيت بيان جنيف 1 ونسيت الانتقال السياسي من أساسه، وتحمست للجنة قوضت كل القرارات الأممية، وصارت في اللجنة بارقة أمل وحيدة، بل ذهبت قيادتها أبعد في ذلك في تسويق اللجنة باعتبارها مفتاح الحل السياسي في سوريا على دول "الأصدقاء"، ماذا إذا لم تشكل اللجنة؟ النظام قادر على منعها من التشكل، فماذا سيبقى من الحل السياسي؟! موقف الهيئة أشبه بوضع سلة بيض في حظيرة ثيران، يجب أ ن يدركوا أن اللجنة مستحيلة ولن تتشكل، وإذا تشكلت فبشروط تجعلها غير قابلة للحياة، النظام الآن في وضع سيء ولن يقبل بتشكيل لجنة دستورية حتى وإن كان احتمال تأثيرها عليه صفراً.

بدلاً من ذلك سيسعى في نصف الأرض السورية التي سيطر عليها بعد توقف العمليات البرية إلى تعزيز سلطته على المجتمع، وإمساكه بقبضة حديدية، هذا أمر سيفعله بلا ريب لتعميق وقائع التغيير الديمغرافي وتحويلها إلى واقع صلب، كما أنه من متطلبات الوجود الإيراني ومستقبله سيفرض أن يتيح لهم حرية مطلقة في العبث بالنسيج الاجتماعي والتغلل إلى عمق مؤسسات النظام وترسيخ أقدامهم في كل زوايا "الدولة" المتبقية.

النظام وحلفاؤه باتوا ينظرون إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة ميتة ووقت مستقطع يجدر صرفه على تعزيز نفوذ النظام وحلفائه بدل من الانتظار الطويل لصفقة تسوية سياسية محتملة بين الأطراف الثلاث: تركيا، الولايات المتحدة، النظام وحلفائه، والتي لا يبدو أنها تلوح في الأفق. ويجدر أن يتم الإعداد لها وتعزيز موقع كل طرف لتحسين شروطه التفاوضية، والنظام يذهب أبعد من ذلك إلى الانتقام من المجتمع ذاته.

حتى الآن نجح النظام في تقزيم الحل السياسي إلى لجنة دستورية مستخدما وسيلة الممانعة وضغط الروس وفقدان الفاعل الدولي المقابل، ومن الواضح أنه مقبل على تقويض ما تبقى من الحل السياسي ونسفه بالمرة، سواء انتظاراً لتغيير إدارة ترامب بعد عامين، أو انتظاراً لنضوج صفقة ملائمة له، وخلال هذا الوقت يبدو أن النظام قادر على التعايش مع شبه دولة تابعة مطلقا للإيرانيين وعليها بعض ملامح النفوذ الروسي لعقود طويلة.

النظام وحلفاؤه باتوا ينظرون إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة ميتة ووقت مستقطع يجدر صرفه على تعزيز نفوذ النظام وحلفائه

ربما يلح السؤال هنا عن طبيعة الصفقة التي سيقبلها النظام، والتي لن يكون للجنة الدستورية الخرافية أي وجود لها سوى في ذهن بعض "الموقعيين" من المعارضة، فعلى الأرجح الصفقة ستتعامل مع وقائع ومصالح متكونة في ظل الظروف الحالية وما بعدها وليس ما قبلها، وهو أمر سيتتغير ملامحه مع الوقت لكن الشيء الأكيد أن النظام وحلفاءه لن يقبلوا بصفقة سياسية تغير  بنية النظام وتغير في مصالحهم، إنما ينتظرون أن تؤدي الظروف إلى حل يعيد للنظام الشرعية ويتركه المجتمع الدولي يستفرد وشركائه بشعبه.

وما دام ليست لدينا خططاً ولا استرتيجية واضحة غير الاعتماد على الأمم المتحدة ورهان البعض على الروس، فإن توقع حل سياسي ملائم في الحد الأدنى لنا أمر غير ممكن، وانتظار حل سياسي من خلال اللجنة الدستورية هو شكل من أشكال انتظار تحول الخرافات إلى واقع.

لقد نجح النظام في تقويض الحل السياسي الأممي وفشلنا في منعه من ذلك، لكن ما دام هنالك مسار آخر سيتشكل عاجلاً أم آجلاً فعلى المعارضة أن تكون واقعية فعلا وتفكر فيه وتعد من أجله بدلا من انتظار الأسد الممل.