icon
التغطية الحية

هل لدى بوتين استراتيجية للخروج من مأزق العزلة في الداخل والخارج؟

2022.10.17 | 18:09 دمشق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
The Conversation - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

من أهم القواعد البوتينية التي يتم الاستشهاد بها كثيراً قاعدة: "من الضروري أن تكون وحيداً في بعض الأحيان لتثبت بأنك على حق"، ومع توسع غزو بوتين الآثم في أوكرانيا وامتداده، نجده وقد أصغى لنصيحته بكل اهتمام.

تزداد عزلة بوتين يوماً بعد يوماً، ليس فقط على الساحة الدولية، بل أيضاً داخل روسيا نفسها. إذ كلما طال أمد الحرب، بات من الصعب عليه أن يخلص نفسه وأن يخرج بأي مصداقية، سواء في الداخل أو الخارج، إذن إلى أين سيكون مفره؟

تناقص الحلفاء

في التصويت الذي أجرته الجمعية العمومية لدى الأمم المتحدة وتم من خلاله إدانة "الاستفتاءات الشعبية" المشينة التي أجرتها روسيا لضم أجزاء من أوكرانيا، تعرض بوتين في نهايته لتقريع شديد، وذلك عندما صوتت 143 دولة لصالح إدانة تلك الاستفتاءات، في حين امتنعت 35 دولة عن التصويت، وصوتت خمس دول (بينها روسيا) ضد تلك الإدانة.

فإن اعتبرنا التصويت مؤشراً، فهذا يعني بأن روسيا لديها بالضبط أربعة أصدقاء وهم: كوريا الشمالية وسوريا وبيلاروسيا ونيكاراغوا. أما بالنسبة للحركة المناهضة للاستعمار، فقد أعلن بوتين بأن روسيا ستسود وذلك في خطاب الضم الغريب الذي ألقاه في 30 من أيلول الماضي، إلا أن ذلك لم يدفع أحداً للثقة بكل ما قاله.

كان من بين الدول التي امتنعت عن التصويت عناصر فاعلة صاحبة نفوذ وقوة لدى موسكو، بينهما الصين والهند، إلا أنهما سبق أن عبرتا وبشكل علني عن قلقهما وانزعاجهما من حرب بوتين.

أما في الشرق الأوسط، فقد حاولت موسكو أن تقيم نفوذاً دبلوماسياً وتمثل ذلك بدعم مشكوك بأمره تجلى بحالة عدم تدخل من قبل بعض الدول الخليجية العملاقة في مجال الطاقة، والتي طالبت باحترام سيادة أوكرانيا على أراضيها.

وبالنسبة لجيران روسيا، من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي، فجميعها امتنعت عن التصويت، باستثناء جورجيا وملدوفا اللتين صوتتا لصالح إدانة روسيا، وبيلاروسيا التي صوتت لصالح موسكو.

خلافات داخلية

على الجبهة الداخلية، تظهر صورة الزعيم مفككة بما أنه بات يجد صعوبة في إبقاء خصومه تحت السيطرة، فلقد استهدفته الانتقادات التي ظهرت مؤخراً من قبل كبار القيادات العسكرية الروسية وزير الدفاع سيرغي شويغو وقائد الأركان فاليري غيراسيموف.

ومن بين أهم الشخصيات التي عبرت عن سخطها ييفغيني بريغوزين رئيس مجموعة فاغنر وهي شركة عسكرية خاصة لكنها في الحقيقة تعمل عمل الذراع العسكري للدولة، ورمضان قديروف الرئيس الحالي لجمهورية الشيشان التي تتبع لروسيا.

وبصرف النظر عن مدى انتهازية تلك الشخصيات وطموحاتها الجلية، إلا أن تلك الانتقادات جعلت بوتين يظهر وكأنه قد تورط في مشكلة، بعدما كان في السابق مرتاحاً لفكرة تطهير المستويات المتدنية من كوادر النخبة الروسية، سواء في الجيش أو المخابرات وغيرها من قطاعات البيروقراطية الروسية. بيد أن شويغو من أقوى الناس نفوذاً بعد بوتين في روسيا. وفي الوقت الذي يمكن لإقالة شويغو من منصبه أن تخلص بوتين من منافس محتمل، إلا أن ذلك لابد وأن يخل بدائرة المحسوبية والسلطة القائمة على توازنات دقيقة، كما قد ترتد عواقب ذلك على بوتين نفسه.

صحيح أن بوتين تمكن من احتواء حالة التململ بين صفوف الشعب، إلا أن الـ 700 ألف روسي الذين فروا من بلدهم عقب إعلان بوتين التعبئة العامة لم يعد أي منهم مصدراً للقلق. ولكن إن كان التنافس على المناصب هو الذي يغذي حالة السخط بين صفوف الشعب الروسي، لذا فإن بوتين قد يجد نفسه بين فئتين غير راضيتين من أبناء الشعب: فئة المدنيين الروس الذين أخل باتفاقه معهم عندما أرسلهم إلى الحرب، وفئة النخبة الروسية التي من المتوقع منها أن تنفذ أوامر بوتين دونما مناقشة، وأن تتخلى عنها إن لم تجد نفعاً.

ثمة مؤشرات ظهرت منذ البداية، وذلك عندما طالب الجنرال أندريه كارتابولوف، وهو عضو في البرلمان الروسي، ورئيس مجلس الدفاع صاحب النفوذ القوي حتى فترة قريبة، الحكومة الروسية وبكل صراحة أن: "تكف عن الكذب" على الشعب بالنسبة للإخفاقات العسكرية التي منيت بها في أوكرانيا. فقد لاحظ كارتابولوف بأن "الشعب يعرف"، وأضاف: "شعبنا ليس غبياً، بل إنه يرى كيف يخفون عنه الحقيقة، إلا أن هذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة".

إلى أين مفرك يا بوتين؟

كيف سينتشل بوتين نفسه من كل هذه الفوضى التي صنعها بيديه؟ إن السبيل الوحيد -واقعياً- للقيام بذلك هو الانتصار في حرب أوكرانيا، أو على الأقل كسب ما يكفي من التنازلات التي تتيح لبوتين أن يقدمها على أنها انتصار.

إلا أن ذلك غير مرجح على الإطلاق في الوقت الراهن، وذلك لأن بوتين وسع حدود النزاع عبر تأييده للسردية التي ضخمها اليمين المتطرف في روسيا، والتي تقول إنه لا يحارب أوكرانيا وحدها، بل حلف شمال الأطلسي كله.

يبدو بأن بوتين اعتبر كل ذلك ضرورياً لحشد الدعم الذي بات ضعيفاً في الداخل، إلا أن قيامه بذلك أعاد تعريف مفهومه للنصر. إذ حتى تنتصر القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، يتعين عليها اليوم ألا تحقق أهدافها المعلنة فحسب، بل أن تتجاوزها بأشواط حتى تجبر الغرب على القبول بشروط بوتين فيما يتعلق بإقامة حلف أمني جديد في أوروبا.

وثمة مشكلة أخرى يعاني منها بوتين وهي أن أوكرانيا لن ترضخ لبوتين سواء في ساحة المعركة أو على طاولة المساومات، وذلك لأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سبق أن أعلن بأنه لن يتفاوض مع روسيا إلا في حال انتخابها لرئيس جديد، كما زاد هذا الرجل من الأهداف الحربية لأوكرانيا، فوصلت لتحرير كامل ترابها بشكل كامل.

كانت الضربة الرائعة لجسر كيرتش التي يشار إليها أحياناً بخاتم الزواج الذي أهداه بوتين للقرم، إهانة مباشرة لبوتين، بما أنه أشرف بنفسه على بنائه. وإلى جانب تأثير تلك الضربة على الروح المعنوية الروسية، فإنها تعتبر خير دليل بالنسبة للأوكرانيين على تغير مسار الحرب لصالحهم.

وأخيراً فإن الموقف العسكري الروسي في أوكرانيا بات اليوم ميؤوساً منه، بعدما استُنزفت القوات الروسية وأخذت تنسحب وتواصل انسحابها من هناك.

ولذلك لم يكن قرار بوتين القاضي بتعيين سيرغي سوروفيكين، ذلك الجنرال الذي أمر بشن قصف عشوائي في سوريا والشيشان، حتى يشرف على الحرب الروسية في أوكرانيا مفاجئاً.

إلا أن السحر المتمثل بتغيير بوتين لتكتيكات الحرب لتشمل الاستعانة بغارات بصواريخ كروز لتستهدف مراكز تجمعات المدنيين ومرافق توليد الكهرباء في أوكرانيا قد انقلب كله على الساحر، لأن ذلك جعل الأوكرانيين أكثر اندفاعاً وحماسة للقتال، كما أن العالم بأسره اعتبر ذلك العمل عملاً انتقامياً حدث بدافع الغضب الشديد.

بما أن سوروفيكين لم يتمكن من تحقيق انتصار في ساحة المعركة، لذا فقد زاد من عدد الصواريخ التي تمتلكها روسيا بقيمة تتراوح ما بين 400-700 مليون دولار أميركي بعدما تناقص مخزونها وذلك في محاولة منه لتخويف الشعب الأوكراني، وقد شمل ذلك قصف مدن سبق لروسيا أن ضمتها، فبدت روسيا وكأنها تستهدف أرضها وشعبها.

والنتيجة هي أنه إذا اختار بوتين التصعيد بشكل كبير، فسيصبح خياره الوحيد، حتى في حال تجاوزه لعتبة النووي (وهي عتبة محملة بالمخاطر بحد ذاتها) فلن يعثر على مخرج يحفظ ماء وجهه بعد كل هذا.

ثلاثة تلميحات لحفظ ماء الوجه

حاول بوتين مؤخراً أن يحفظ ماء وجهه بثلاث طرق، لكنها تتعارض بالأساس مع عنفه وتهديداته المعتادة، كما توحي بتعاظم إحساسه بأنه بات في موقف لا يحسد عليه، وهذه الطرق هي:

  1. نقل دبلوماسيين أتراك لرغبة بوتين بتجديد "المساومة الكبرى" مع أوروبا، حيث أوردوا بأنه يتصور قيام محادثات بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يخرج أوكرانيا من العملية حال قيامها، بيد أن هذا المقترح لم يتمخض عن شيء مهم.
  2. محاولة واضحة لاستخدام مؤسس شركة SpaceX أي إيلون ماسك، كسلاح، بما أنه نشر تغريدة جاء فيها مقترح سلام من أجل أوكرانيا وحذر روسيا من استخدام الأسلحة النووية في حال تعرض قاعدتها في القرم على البحر الأسود لأي تهديد. وعلى الرغم من أنه أنكر حديثه إلى بوتين، إلا أن مقترح ماسك يقترب كثيراً مما طالب به بوتين في الماضي، بل إنه يشتمل على تفاصيل محددة تتعلق بالوصول إلى مياه جديدة في القرم.
  3. عرض قدمه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، زعم من خلاله بأن بوتين منفتح على محادثات السلام مع الرئيس الأميركي جو بايدن وذلك في قمة مجموعة العشرين المقبلة التي ستعقد في بالي.

ينبغي على الغرب ألا يرد على تلك التلميحات الصادرة عن الكرملين، لسبب وحيد، هو أنها تواصل اشتراط المهل القديمة التي حددها الكرملين، وهنالك سبب آخر يتمثل بتجاهل بوتين في السابق لأي مخرج دبلوماسي عُرض عليه، وقيامه عوضاً عن ذلك بتصعيد حملته في أوكرانيا بشكل أشد وحشية وضراوة.

ومن المرجح بأن يستغل بوتين أي وقف لإطلاق النار كفترة استراحة ليقوم خلالها بإعادة ترتيب قواته حتى تشن هجوماً جديداً.

كان من مصلحة الرئيس الأميركي جو بايدن أنه أعلن في وقت سابق بأنه ليست لديه أية نية للقاء بوتين، كما رسمت استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي نشرت مؤخراً صورة يسودها التشكيك المستمر بنوايا بوتين.

وفي نهاية المطاف فإنه في حال نشر السلام في أوكرانيا فإن ذلك يجب أن يكون شيئاً قد توصل إليه بوتين بمفرده، وإلا فمن المرجح للقوات المسلحة الأوكرانية أن تقنعه بذلك رغماً عنه.

على الرغم من أن بوتين قد يجد أي تنازل أمراً محرجاً ولن يروق له ذلك البتة، إلا أنه خسر كرامته قبل كل ذلك، فلم يعد يتبقى لديه سوى أن ينجو بجلده على المستوى السياسي.

المصدر: The Conversation