هل سيقود العراق سفينة نجاة النظام السوري؟

2023.03.10 | 07:22 دمشق

هل سيقود العراق سفينة نجاة النظام السوري!
+A
حجم الخط
-A

تقاس علاقة الأنظمة الحاكمة بشعوبها في وقت الشدائد وليس في أوقات الرفاهية والرخاء، ولهذا فإن الأنظمة الظالمة تستخدم الأدوات المميتة للوقوف بوجه الشعوب التي تنادي بحقوقها وحريتها وكرامتها، والأنظمة العادلة تعمل لتطبيق وتحقيق ما يمكن تطبيقه من مطالب الجماهير سعيا لتوفير حياة حرة وكريمة للمواطنين.

وقد كان للشعب السوري في العام 2011 موقف مميز من النظام الحاكم في دمشق برئاسة بشار الأسد، وخرجت مظاهرات رافضة للظلم وللخراب العام في البلاد، ولكن النظام واجهها بقسوة قلّ نظيرها في العصر الحديث.

ولقد بلغت فاتورة التضحية الشعبية السورية لمستويات مذهلة، وهذه الحقائق أكدتها مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت نهاية أيلول/ سبتمبر 2021، حيث كشفت لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن عدد قتلى سوريا المؤكد بلغ نحو 350 ألف شخص، وأن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، وأن الإحصائيات الأممية تشمل أولئك المعروفين بأسمائهم الكاملة وتاريخ الوفاة والذين ماتوا في كل محافظة معينة.

ولفتت إلى وجود امرأة بين كل 13 قتيلًا، (26 ألفًا و727 امرأة)، ووجود طفل تقريبًا بين كل 13 قتيلًا (27 ألفًا و126)!

وعلى إثر تلك الثورة والقسوة المفرطة التي استخدمها النظام ضد المواطنين السوريين في منازلهم عانى النظام من عزلة سياسية عربية وعالمية إلا من بعض البلدان القريبة والبعيدة التي آثرت مصالحها الاستراتيجية والفكرية على أرواح الشعب السوري الحرّ وفي مقدمة هذه الدول روسيا وإيران!

بعد البيان الختامي للمؤتمر وإقراره لتشكيل وفد برلماني عربي لزيارة سوريا، لاحظنا أن الترتيبات كان معدة سلفا لهذه الزيارة التي شارك فيها بعض رؤساء البرلمانات العربية!

وبعد 11 عاماً على انطلاق الثورة السورية نلاحظ أن النظام بدأ يتنفس الصعداء في بعض الميادين العربية، وقد تابعنا نهاية شباط/ فبراير 2023 فعاليات مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي ببغداد، والتي تمخض عنها زيارة غربية لوفد من الاتحاد برئاسة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي إلى دمشق!

وبعد البيان الختامي للمؤتمر وإقراره لتشكيل وفد برلماني عربي لزيارة سوريا، لاحظنا أن الترتيبات كان معدة سلفا لهذه الزيارة التي شارك فيها بعض رؤساء البرلمانات العربية!

وجاءت الزيارة بمبادرة من الحلبوسي الذي اقترح تشكيل الوفد والانطلاق إلى دمشق بمجرد اختتام أعمال دورة الاتحاد!

وتضمنت الزيارة وفقا لتصريحات الحلبوسي دعوة الدول العربية إلى تغيير سياساتها تجاه النظام السوري، وأن تتخذ الدول العربية وعلى "كافة المستويات البرلمانية والحكومية قراراً نهائياً بعودة سوريا إلى محيطِها العربي"!

ولا ندري هل التوقيت مقصود لبيان أن الدول التي وافقت على زيارة دمشق تقف بالضد من الثورة السورية وبالنتيجة بالضد من الشعب السوري، أم أن الإملاءات الخارجية وبالذات الإيرانية منها أوجبت على بعض القوى الإقليمية الفاعلة أن تسعى لكسر الطوق المحكم المفروض على النظام السوري في علاقاته الخارجية؟

ولتأكيد الدور الإيراني في التشجيع على هذه الزيارة تابعنا كيف أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أشاد عبر حسابه في "تويتر" بهذه الخطوة، وأكد بأن "الانفتاحات الأخيرة في علاقات الدول العربية مع سوريا، بما في ذلك زيارة وفد من البرلمانات العربية إلى دمشق لإعلان التضامن معها بعد الزلزال المدمر الأخير، خطوة واقعية وإيجابية على طريق التضامن الإسلامي".

أظن أن إيران ومن معها قد نجحوا في ترميم بعض صورة النظام السوري في الوطن العربي وذلك عبر أدواتها الفاعلة في عموم المنطقة والعراق خصوصا، وبالذات ونحن نتحدث عن العديد من الشخصيات الفاعلة والمحركة للسياسة العراقية والقريبة في ذات الوقت من طهران، وفي مقدمتهم الإطار التنسيقي (الشيعي) برئاسة نوري المالكي الذي يبدو أنه يدير العديد من الملفات من وراء ستار!

وبحسب ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، ضمّ الوفد رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، والأمين العام للاتحاد، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى ممثلَي مجلس نواب سلطنة عمان ولبنان.

ولا ندري لمصلحة مَن كانت هذه الزيارة، وهل هي فعلا لدعم الشعب السوري ومؤازرته بعد الزلزال القاتل الذي ضرب الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، أم هي لدعم النظام الإجرامي الحاكم في دمشق؟

وعلى الجانب الآخر رأى حمودة صباغ رئيس مجلس الشعب السوري الذي مثل النظام في اجتماعات الدورة 34 للاتحاد البرلماني العربي ببغداد أن "أجواء مؤتمر الاتحاد كانت إيجابية جداً، وركزت على الموقف الموحد لجميع الدول العربية بضرورة عودة سوريا إلى حضنها العربي"!

وكأنما أراد، حمودة صباغ، أن يعلن، ومن بغداد، أن النظام انتصر على دماء مئات آلاف السوريين الأبرياء الذين سحقتهم آلة النظام الإرهابية؟

والمؤلم أن الوفد البرلماني لغالبية الدول العربية قد التقى برئيس النظام السوري بشار الأسد!

فهل ستكون هذه الزيارة (المخجلة والمهمة) بداية لتطبيع العلاقات العربية – السورية، وهل غطاء التلاحم مع الشعب السوري بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا والشمال السوري مناسبة للتطبيع مع النظام، الذي قتل بآلته الدموية قرابة مئة ضعف المواطنين الذين قتلوا نتيجة الزلزال؟

إن الدول العربية التي رفضت أن ترسل ممثليها في الزيارة للنظام السوري، سجلت لنفسها موقفا تاريخيا مهما ومتضامنا مع أهالي الضحايا السوريين

وحتى موقف النظام السوري من الزلزال كان سلبيا ولم يفتح الحدود البرية لتقديم المساعدات للشمال السوري إلا بعد أربعة أيام تقريبا من الكارثة مما تسبب بتأخر وصول المساعدات وبالتالي زيادة أعداد الضحايا نتيجة الزلزال المدمر!

ثم هل هذه الخطوة لمصلحة الشعب السوري الذي أصبح اليوم ما بين مهجر ومطارد وغريب في داخل وطنه وخارجه؟

إن الدول العربية التي رفضت أن ترسل ممثليها في الزيارة للنظام السوري، سجلت لنفسها موقفا تاريخيا مهما ومتضامنا مع أهالي الضحايا السوريين، لأن القفز على دماء قرابة نصف مليون شهيد سوري لا يمكن أن يقبل، وفي ذات الوقت هذا طعن بكل القيم الإنسانية والأخلاقية والسياسية!

ويبدو أن بعض الإملاءات الإقليمية والدولية هي التي مهدت لعودة النظام السوري إلى الاتحاد البرلماني العربي، وهذا بدوره سيمهد الطريق لعودة النظام للجامعة العربية، والذي جمدت عضويته في الجامعة العربية منذ العام 2011، وقد يسبقها تبادل غالبية الدول العربية لتمثيلها الدبلوماسي مع النظام!

فما الذي تغير حتى يتم التطبيع مع النظام السوري؟ وهل هنالك (مصالحة وطنية) سورية مع النظام حتى نقول بأن الدول العربية تتماشى في سياساتها مع إرادة الشعب السوري، ولم يحدث حتى اليوم أي تقارب (شعبي من المعارضة السورية أو غيرها) مع النظام؟

إن هذه المحاولات الرسمية من بعض الدول العربية لا تمثل الرأي الشعبي العربي حتى للبلدان التي زارت دمشق لأن الدم العربي لا يمكن التهاون به، ولهذا كان يفترض ألا تكون هذه الخطوة الاستفزازية التي أقلّ ما يقال عنها إنها جاءت في توقيت خاطئ، واستخفت بدماء وتضحيات ملايين المواطنين السوريين!