هل سيطال قانون قيصر الإمارات؟

2020.07.07 | 00:07 دمشق

927_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ مؤخراً، بدأ النقاش يزداد حول مفاعيل هذا القرار والجهات التي سيطولها والانعكاسات التي سيتركها على النظام وحلفائه. وفي هذا السياق، غالباً ما يرِد اسما إيران وروسيا ضمن لائحة المستهدفين بهذا القانون. هناك سيل من النقاشات اليوم حول كيف بإمكان القانون أن يحدّ من نشاط الدولتين داخل سوريا وأن يمنعهما من تقديم الدعم الذي يحتاجه نظام الأسد لقمع السوريين.

خلال السنوات القليلة الماضية، وبينما كانت الأضواء تتّجه إلى كل من إيران وروسيا كداعمين أساسيّين لنظام الأسد، كان هناك طرف ثالث يلعب في الظل ويستغل الضوضاء الناجمة عن الصراع الحاصل داخل سوريا ليًقوّي من علاقاته مع نظام الأسد بذريعة أنّ علاقات أمتن مع النظام من شأنها أن تُضعف علاقات الأسد بإيران. هذا اللاعب بطبيعة الحال هو الإمارات العربيّة المتّحدة.

نشطت أبو ظبي في إرسال الوفود الاقتصادية إلى نظام الأسد محمّلة برسائل سياسية من أعلى سلطة في الدولة. وقامت الإمارات في المقابل باستضافة وفود سورية رسمية ضمن فعاليات متعددة. البعض رأى في مثل هذه المواقف تحوّلاً في الموقف الإماراتي من نظام الأسد، لكن في حقيقة الأمر إنّ هذا الانطباع غير دقيق على الإطلاق، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الدور الإماراتي في مساعدة النظام خلال الفترة الأولى من الثورة واحتضانه رموز النظام وأقربائهم وكبار حيتان الاقتصاد.

افتتحت الإمارات سفارتها في دمشق نهاية عام ٢٠١٨، ونشطت في نسج علاقات مع نظام الأسد تحت مسميات مختلفة. السفير الإماراتي في دمشق وصف الأسد حينها بالزعيم "الحكيم"!. وفقاً لتقارير نُشرت مؤخرا، فإنّ أبو ظبي تواصلت مع الأسد وعرضت عليه مبالغ كبيرة من المال مقابل تخريب الاتفاق الروسي-التركي في إدلب، وسرعان ما تلقى بشّار الأسد بعدها اتصالاً من الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد تحت يافطة التضامن الإنساني في ظل انتشار فيروس كورونا!

في شهر يونيو الماضي، كشف تحقيق استقصائي للمنظمة الفرنسية غير الحكومية “لجنة العدالة والحرية للجميع”، نشره موقع "أوريان ٢١" عن جهود إماراتية تتجاوز التطبيع الدبلوماسي مع نظام الأسد إلى المساعدات المالية والدعم الاستخباراتي وتدريب طيارين وعناصر من الاستخبارات العسكرية لا سيما مع بداية العام ٢٠٢٠. مثل هذه المعلومات تعطيك فكرة عن حجم الدعم الإماراتي لنظام الأسد.

من السخافة بمكان أخذ التبريرات الإماراتية التي تقول أنّ علاقات أقوى مع الأسد ستضعف من علاقات الأخير مع إيران. حيث تمّت تجربة هذه النظرية منذ مجيء الأسد الابن إلى السلطة وأثبتت فشلها الذريع تماماً في وقت كان العرب فيه أقوى بكثير مما هم عليه اليوم. فضلاً عن ذلك، فإنّ حجم وطبيعة العلاقات الإماراتية –الإيرانية يدحض الادعاء القائل أنّ أبو ظبي مشغولة في محاربة نفوذ إيران في سوريا أو غيرها من البلدان.

لكن بغض النظر عن ذلك، وبالرغم من التحذيرات الأميركية المتكررة لها من عمليات التطبيع التي تقوم بها مع الأسد، لا يبدو أنّ أبو ظبي ستتوقف عند هذا الحد. أبرز المؤشرات على ذلك هو التحذيرات الجديدة الصادرة عن مبعوث الولايات المتّحدة الخاص للملف السوري جيمس جيفري الذي لفت إلى أنّ بلاده تعارض التطبيع الإماراتي مع نظام الأسد وأنّ قواعد العقوبات معروفة، مشيراً الى أنّ قيام الإمارات أو أي شخص فيها بأنشطة اقتصادية تخص سوريا يجعل أبو ظبي هدفا محتملا للعقوبات.

هل ستفرض الولايات المتّحدة عقوبات فعلا على الإمارات؟ التجربة تقول أنّ ترامب لن يفعل ذلك، لكن هناك إجراءات أوّلية ستسبق مرحلة اتخاذ القرار وهي إثبات أنّ هناك تعاملات تجري بين دمشق وأبو ظبي، ومن المعلوم أنّ الأخيرة تعتمد في عملها على شبكة واسعة من الأنشطة غير الشرعية والشركات الوهمية أو الوسيطة التي تقوم بأنشطة سوداء. ولهذا، فإنّ العقبة الأولى ستتمثّل في ملاحقة وتوثيق مثل هذه الأنشطة وليس هذا بالأمر السهل بطبيعة الحال.

أمّا العقبة الثانية فهي تتعلّق بشكل النشاط. ماذا إذا علّقت أبو ظبي العلاقات الاقتصادية وأبقت على العلاقات الأمنيّة. هل ستخضع مثل هذه العلاقات لعقوبات؟ من المسؤول عن توثيقها إذا كانت ستتم بسريّة بالغة؟ وهل يمكن التغاضي عنها حال توثيقها وإرسالها إلى الولايات المتّحدة؟ وماذا عن قدرات أبو ظبي في الضغط داخل هيئات صنع القرار في واشنطن؟

حتى الآن لا يوجد أجوبة واضحة أو حاسمة على هذه الأسئلة وسيكون هناك حاجة للعمل على توثيق الخروقات بانتظار فحص الفرضيات المحتملة والإجابة على هذه الأجوبة. لكن الأكيد في الأمر، أنّه ما لم يردع قانون قيصر الإمارات عن الاستمرار في نسج علاقات مع نظام الأسد، فهذا يعني أنّه قد يولد ميّتاً ذلك أنّ خرق الإمارات له دون تعرَضها لعقوبات سيفرغ القانون من مضمونه، وسيعطّل أهدافه بل ربما قد يصبح كذلك ذريعة للدفع بعلاقات أعمق بين الأسد وأبو ظبي بذريعة الأسطورة السابقة الذكر إياها وهي أنّ علاقات أقوى مع الأسد ستضعف من تحالفه مع إيران.