هل سيحاكم الشعب السوري نظام الأسد ومعارضته الفاسدة؟

2019.01.22 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كشف هيثم المالح في منشوره على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعد استقالته نُبذة مختصرة عن أجواء الفساد الداخلي المستشري في صفوف جسم سياسي يدّعي محاربة نظام فاسد، ما قدّمه المالح لم يفاجئ أحدا فتلك الحقائق لم تكن بالأصل خافية على أحد لكن شهادته هذه يجب أن تكون المسمار الأخير في نعش هذه "المعارضة" الفاسدة وغير الوطنية، ويجب أن تمهّد -شهادته- هذه لمرحلة قطيعة تامّة ما بين هذه الوجوه بكافة تشكيلاتها وأسمائها وما بين جيل الشباب الذي فرضت عليه الظروف أن يحارب نظاماً ديكتاتورياً دموياً مدعوماً من قبل كل قوى الشر على هذه الأرض، ومدعوماً أيضاً بمعارضة كان لحافظ الأسد دور في صناعتها، هذه المعارضة اختطفت عبر سنوات الدم الثمانية السابقة المشروع الثوري الوطني

ثقافة "الإفلات من العقاب" التي رُسّخت في سوريا في ظل الأسدين الأب والابن دفعت بعضهم للاعتقاد بأنه فوق المحاكمة وفوق المساءلة بما فيهم هؤلاء المعارضون

وباعت تضحيات الشعب السوري في مزادات علنية وسريّة فكانت الشريك الرسمي لنظام الأسد في جرائم الحرب وجرائم الإبادة التي تعرض لها شعبنا العظيم.

هيثم المالح هذا، كشف المستور عن عصابة عمل في صفوفها "ست سنوات" كاملة وارتزق وانتفع من أموالها، ثم استيقظ اليوم ليخبرنا بأنها عصابة فاسدة ومفلسة لم ولن تقدم في جعجعتها طحينا يصنع خبزاً للشعب، والحق أقول أن ثقافة "الإفلات من العقاب" التي رُسّخت في سوريا في ظل الأسدين الأب والابن دفعت بعضهم للاعتقاد بأنه فوق المحاكمة وفوق المساءلة بما فيهم هؤلاء المعارضون، لكن ولسوء حظهم أن هذه الثقافة لم تعد سائدة، وأعرف حقاً أن عددا لا بأس به من الناشطين والحقوقيين يعمل فعلاً على توثيق جرائم الحرب وجرائم الفساد والاختلاسات التي مارسها هؤلاء المعارضون إلى جانب توثيق الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، والغد السوري كفيل بجر كل "مجرمي الحرب" إلى أقفاص الاتهام والمحاكمة من طرفي النزاع، ولا أستغرب أن يُقدم بشار الأسد جنباً إلى جنب مع معارضيه ويمتثلوا لقضاء سوري نزيه ذات يوم ليس ببعيد.

الخوف المستشرّي في صفوف هذه المعارضة اللا وطنية من المحاكمة على جرائم الفساد والاختلاس هو ما جعل موقفها مخاطياً هلاميّا غير واضح ويفتقد الحسم في قراراته ومواقفه، ففي صيرورة أنفسهم يدركون بأن سوريا الجديدة الحرّة كفيلة بمحاكمتهم إلى جانب الأسد الخائف أيضاً من العدالة، هذا الخوف الثنائي شكّل تحالفا غير مُعلن بين الأسد ومعارضيه ضد إرادة الشعب السوري، وهذا التحالف بحد ذاته جريمة خيانة عظمى قدّمها السادة المعارضون بمن فيهم "الحقوقي" الهيثم المالح.

إن المرحلة الراهنة، باتت تفرز نوعاً من القطيعة التّامة ما بين الشعب السوري بكافة مكوناته وما بين نظام الأسد من جهة ومعارضيه على حدّ سواء من جهة مقابلة، وبدأت الصيحات الشعبية تخرج علناً للمطالبة بإزاحة هذا الثنائي (نظام الأسد ومعارضيه الكلاسيكيين) عن المشهد بشكل تام، فالحاضنة التي كانت تُوصف على أنها حاضنة شعبية لنظام الأسد بدأت فعلياً بالتخلي عنه نظراً لتردّي الأوضاع المعيشية، وبالمقابل تخلّت الحاضنة الشعبية للثورة عن كافة تشكيلات المعارضة بشقيها السياسي والعسكري أيضاً بسبب كم الخذلان الذي منيت به هذه الحاضنة، وفي الأحاديث السرية والعلنية من الحاضنتين الشعبيتين بات الكل يسأل سؤالاً واحداً، أين الجهة الثالثة الرافضة لكل هذا الهراء، أين شرفاء سوريا أين حكماؤها، الحقيقة إن الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عن تساؤلاتهم المحقّة هذه، فثمّة قوى شابة باتت تخطط فعلاً لتشكيل جسم سياسي جديد يقدّم خطابا وطنيا جامعا لكل السوريين على اختلاف مشاربهم، مشروع وطني بأيدي وبخبرات شباب سوريين وبأموال سورية بحتة من أجل نقل سوريا شعباً وأرضاً إلى بر الأمان، الأيام القليلة القادمة ستشكل صفعة للمنتفعين الانتهازيين تجار الدم في صفوف نظام الأسد وفي صفوف معارضيه الأشاوس أو "الحرس القديم" كما يحب أحد الأصدقاء أن يسميهم.

علينا أن نستعد جيداً للالتفاف حول شباب التغيير وحول مشروعهم الوطني الجامع والمرتقب، وبحسب اطلاعي على بعض النشاطات والاتصالات القائمة بين شباب سوريا فإن مشروعهم المرتقب سيقدّم رؤية منطقية للحل في سوريا، رؤية قابلة للتطبيق فعلاً بإرادة السوريين الشرفاء الذين رفضوا في مراحل سابقة الانضمام للتكتلات السياسية التي اختطفت الثورة، لأن هذه التكتلات لم تكن شفافة في مواقفها، ولم تتحلَ بالنزاهة ولا بالوطنية، ولأن غالبية هؤلاء المعارضين كانوا مجرّد "دُمى" يُحركها الممول والداعم بحسب مصالحه لا بحسب مصلحة الشعب السوري، لهذه الأسباب رفض الشرفاء العمل السياسي في المرحلة السابقة، وعلى هؤلاء الشرفاء أن يتجهّزوا فعلاً لتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم وتجاه شعبهم في الأيام القادمة.

وبالعودة إلى المعارضة التقليدية لا يسعنا هنا إلا التذكير بأن هذه المعارضة لم تقاتل يوماً من أجل سوريا ديمقراطية حرّة وإن ادعت ذلك، بل قاتلت منذ اليوم الأول من أجل

على الشعب السوري اليوم البحث عن الثوّار الأوائل، أصحاب التضحيات لا أصحاب المناصب والأرصدة البنكية

الوصول إلى الحكم، ونظام الأسد لم يقاتل يوماً من أجل صد "المؤامرة الكونية" كما يدّعي بل قاتل لكي يبقى في سُدّة الحكم، وآن الآوان لكلا الطرفين أن يرحلوا عن المشهد السوري برمّته، تمهيداً لظهور قوى شابّة مخلصة للوطن وللشعب، غايتها الأساس نقل بلادنا إلى بر الأمان ومن دون أي مصالح شخصية عفنة، وسوريا ولّادة.

لا بد للتنويه قبل الختام في هذا الصدد إلى الفرق الجوهري ما بين كلمة "معارض" وكلمة "ثائر" وعلى الشعب السوري اليوم البحث عن الثوّار الأوائل، أصحاب التضحيات لا أصحاب المناصب والأرصدة البنكية. هؤلاء الثوّر اختطفت المعارضة تضحياتهم لا بل قزّمتها وميّعتها، وضاع صوتهم وسط ضجيج فوضى السلاح الذي جلب الويلات والدمار والخراب لشعبنا.

وفي الختام أؤكد لحضراتكم بأن سوريا اليوم في صدد إطلاق ثورة جديدة إن صح التعبير، ثورة مدنية، ثورة سلمية، لا مكان للعنف فيها، ولا مكان للطائفية والمذهبية فيها، ولا مكان للتدخلات الخارجية فيها، ثورة سورية يلتف حولها الشعب السوري بأكمله، هذا الشعب الذي أدرك كل ما يحيط به من مخاطر، ثورة واحدة بأذرع المقاومة المدنية كالعصيان المدني الشامل، والمفتوح مثلاً.. ينفّذه كل أبناء الشعب بدءا من رجل الأمن وصولاً إلى شرطي المرور وموظفي الاتصالات والمطارات وموظفي الدولة بكافة اختصاصاتهم وطلاب المدارس والجامعات وصولاً لسائقي سيارات الأجرة، إضراب عام يشل مفاصل الحياة العامة في سوريا، تعبيراً عن الرفض الشعبي لكل ما آلت إليه الأمور في سوريا بقيادة "نظام فاشل" و"معارضة منحطّة"، غداً وإنّ غداً لناظره قريب، سيذوب الثلج وسيعود شعب الخيام لدياره معززاً مكرّماً، وسيرحل الطغاة والمستبدون والانتهازيون وتجار الدماء والحروب عن المشهد السوري إلى غير رجعة.