هل ستكون أوكرانيا أفغانستان ثانية لروسيا؟

2022.03.08 | 06:44 دمشق

206189.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتواصل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين وصرح أنها تهدف إلى نزع السلاح في هذا البلد وتطهيره على حد زعمه من النازيين الجدد، وتحييده عن التحالفات الغربية (حلف الناتو)، كل هذا جاء به الخطاب المتلفز الذي وجهه بوتين للشعب الروسي مع بدء الساعات الأولى للاجتياح العسكري الواسع الذي قام به جيشه بعدته وعتاده للأراضي الأوكرانية على العديد من الجبهات بغية الوصول إلى العاصمة كييف وإسقاط حكمها وإعادة تعيين حكام أوكرانيين ربما ولكن بخط سير بوتيني.

كما هو معروف كانت" أوكرانيا" جزءاً من الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار في نهاية الحرب الباردة عام"1991"، مما أدى إلى استنزاف روسيا شعباً وموارد واقتصاداً، وتقليل مكانتها الدولية كقطب وقوة عظمى، ولكن الواضح من خلال هذه الحرب أن "بوتين" ومن خلال جنون العظمة والانفصال عن الواقع الدولي المعاش فهو في الواقع ومن خلال سلوكه العدواني يسعى جاهدا لاستعادة بعض من هذا المجد التليد المفقود وما خسرته روسيا خلال "الحرب الباردة"، ضاربا بعرض الحائط التهديدات الدولية القاضية بفرض عقوبات اقتصادية على" موسكو" وعزلها، وغير عابئ أيضا بكل المبادرات الدبلوماسية الدولية والزيارات المكوكية التي قام بها العديد من قادة الدول الغربية خلال الأسابيع الماضية إلى "الكرملين" حيث كانت جميعها حقيقة تهدف لنزع فتيل الأزمة وإيجاد حلول مرضية لكل الأطراف بالطرق الدبلوماسية والمفاوضات!

يرى "القيصر بوتين" الباحث عن العظمة والمجد الشخصي أنه يحق لروسيا بجميع الأحوال ودون أي رادع أن تستخدم القوة الخشنة إذا ما اعتقدت وحسب تقديراتها أن أمنها القومي ومصالحها الحيوية باتت تحت التهديد، إذ تُعَدُّ مصالح روسيا وحسب رأيه (بوتين) وكيفما كانت مشروعة مثلها مثل مصالح واشنطن والغرب، مؤكدا في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة وأوروبا تجاهلت وتتجاهل عمدا مصالح بلاده الأمنية ويسعون لضم محيطه الجيوسياسي إلى حلف "الناتو" والوصول ببنية الحلف التحتية وصواريخه إلى عقر داره.

الحرب البوتينية التاريخية والمستنقع الأوكراني

بدأت الحرب التي وصفها "بوتين" بأنها عملية خاصة سيقوم بها جيشه وترسانته العسكرية على الأراضي الأوكرانية، ولكن العلم العسكري يقول إن العملية الخاصة هي بالأساس عملية محدودة تقوم بها قوة صغيرة ولهدف محدد، وليست غزوا بريا وبحريا وجويا وسيبرانيا بمئات الآلاف من الجنود ورمال متحركة ومستنقع ستغرق فيه "موسكو" طويلا، كما غرق الاتحاد السوفيتي السابق في المستنقع الأفغاني في "ثمانينيات" القرن الماضي وخرج مهزوما مطرودا من أفغانستان.

من الناحية التكتيكية والإستراتيجية ومن خلال متابعة مجريات الأعمال القتالية في الأيام العشرة الماضية، على كل الجبهات والمحاور التي فتحتها جحافل القوات البرية فإننا نستطيع القول بأن مجريات الأعمال القتالية ونتائجها وحساباتها حتى هذه الساعة لم تكن كما يريد "بوتين" وقياداته العسكرية لها أن تكون أو يشتهون. وكما يقول المثل العامي (حساب الحقل ماطبق على حساب البيدر)، كما أن وتيرة الهجوم التي من المفترض تكتيكيا أن تكون في بداياتها وتيرة سريعة لإحداث الصدمة والرعب في صفوف القوات الأوكرانية المدافعة قد باءت بالفشل، وأصبحت الوتيرة إن لم نقل إنها "تراوح" في مكانها فإنها أصبحت بطيئة وذلك نتيجة صمود الجيش الأوكراني وتكبيد الجيش الروسي الخسائر الفادحة بالعدة والعتاد، ناهيك عن حسن إدارة القيادات الميدانية الأوكرانية لمجريات المعارك الدفاعية التي يخوضون غمارها أمام ثاني قوة في العالم.

أما العوامل التكتيكية التي ساعدت الجيش والمقاومة الأوكرانية على امتصاص زخم جحافل الهجوم الروسي وتكبده خسائر فادحة فهي كالآتي:

  1. الأسلحة والعتاد الذي يزود به الجيش الأوكراني المقدم من جميع دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وخاصة الصواريخ النوعية المضادة للدروع الأميركية من نوع "جافلين" والبريطانية من نوع "إن لاو" وصواريخ "ستنجر" الأميركية المضادة للطيران التي كبدت الجيش الروسي المعتدي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات.
  2. المسيرات التركية بيرقدار " التي أحدثت المفاجآت وكان لها الفضل الكبير في تدمير العديد من الأرتال المدرعة المتقدمة على كل الجبهات والمحاور.
  3. صمود القوات الأوكرانية المدافعة في مواقعها والروح المعنوية والانضباطية القتالية العالية التي يتمتع بها أفرادها.
  4. الكمائن م/د الناجحة بأنواعها التي يقوم بها المقاتلون الأوكران في القرى والطرق والغابات، ومحاور التقدم المتوقع أن يسلكها الجيش الروسي.
  5. معرفة طبيعة الأرض والإيجابيات التي تقدمها تضاريسها للقوات المدافعة جيدا، وهذا لا يتوفر للقوات الروسية التي يقاتل فيها جيشها على أرض لا يعرفها ويتعرض فيها للكثير من المفاجآت والخسائر.
  6. طرق الإمداد التي ماتزال أغلبها مفتوحة بالإضافة إلى التخزين السابق للمؤن والذخائر والمعدات الطبية بأنواعها استعدادا لقتال طويل في حال حدوث الحصار.
  7. بالتأكيد هناك معلومات استخبارية واستطلاعية في كل الأوقات ومن عدة جهات دولية تزود بها القيادة العسكرية الأوكرانية عن تحركات الأرتال الروسية وطرق التصدي لها.

نظرة تكتيكية عن مجريات المعارك

من خلال الأيام الماضية فالملاحظ عسكريا هو التخبط والعشوائية وسوء إدارة المعارك من قبل القيادات الميدانية الروسية للوصول إلى الأهداف الخاصة التي أراد بوتين تحقيقها، وهذا ما عكسته كثرة الخسائر البشرية في العدة والعتاد التي تتكبدها القوات الروسية على أكثر من جبهة وعلى أكثر من محور، ويأتي هذا دون إحداث أي اختراقات استراتيجية مهمة تحسب لهم سوى عمليات التدمير التي يقومون بها للمنشآت والبني التحتية والمطارات، ويبدو أن الأمر وبحسب ما صرح به البنتاغون هو صحيح عندما وصف القوات الروسية بأنها لا تملك القدرة أو الخبرة الواسعة في احتلال دولة أخرى بهذا المستوى والحجم والتنفيذ.

عملياً إن الواقع الميداني يقول إن المحاولة الروسية للاستيلاء على الأرض والمدن والاحتفاظ بها لن تكون سهلة وتسير كما تشتهي “موسكو” وتحب، وسوف تتأثر على الأرجح بعدة تحديات من بينها الطقس، والقتال في مناطق مدنية إضافة إلى صعوبة القيادة والسيطرة وتأمين الخدمات اللوجستية وصعوبة الإمداد والتموين نتيجة تباعُد الخطوط لهذه القوات، ناهيك عن الروح المعنوية للقوات الروسية التي ستنخفض جراء الخسائر التي ستتكبدها في حروب العصابات والكمائن والإغارات بأنواعها، والتي ستقوم بها المقاومة الشعبية والجيش الأوكراني على طول مساحة البلاد وعرضها هذه المساحة المليئة بالأحراش والغايات والمستنقعات التي ستساعد الأوكرانيين على أعمال المفاجأة وأعمال الكرّ والفرّ واستلام زمام المبادرات.

ختاماً… حسب التحليلات فلا شك أن المزايا العسكرية الروسية على القوات الأوكرانية ستتضاءل إلى حد كبير مع مرور الوقت ومع صمود الجيش الأوكراني الذي تقاتله ومع تحوُّله من جيش منظم إلى “مقاومة لا مركزية متحركة وحروب عصابات” وبذلك ستواجه القوات الروسية مضايقات ومقاومة عنيفة قد تقوّض وتُضعف القوات الروسية كثيرا وتجعل جيشها منغمساً في المستنقع الأوكراني كما انغمس الجيش السوفياتي سابقاً وخرج منكسراً مهزوماً من المستنقع الأفغاني.