هل ستسهم خطوط الغاز في تطبيع العلاقات بين النظام مع إسرائيل وتركيا؟

2023.12.02 | 07:02 دمشق

هل ستساهم خطوط الغاز في تطبيع العلاقات بين النظام مع إسرائيل وتركيا؟
+A
حجم الخط
-A

في النظام الدولي تتغير خريطة العلاقات بين الدول بسرعة غير متوقعة، وذلك عندما تتلاقى مصالحهم حول قضية أو حدث معين أو مشروع اقتصادي أو سياسي، وتهرع الفواعل الدولية بكل مستوياتها لتحقيق المكاسب والمحافظة عليها بما يتلاءم مع تموضعها الدولي المرتبط بحدث أو مشروع ما. في هذه المقالة نحن في صدد مناقشة مشروع يتوقع أن يكون له مكتسبات لعدد من الأطراف الدولية، حيث يقوم المشروع على سعي إسرائيل منذ سنوات لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بجدوى بناء خط أنابيب للغاز ينطلق من السواحل الإسرائيلية إلى السواحل اليونانية عبر مياه البحر المتوسط، إلا أن الأوروبيين لم يوافقوا بعد على فكرة المشروع لأنه لا يحقق الجدوى الاقتصادية بسبب كلفة بنائه التي قد تتجاوز 7 مليارات يورو، إضافة إلى بعض الصعوبات الفنية والسياسية التي قد تعرقل بناءه. وحتى يومنا هذا تعمل إسرائيل جاهدة لإيجاد طرق ومشاريع بديلة لإيصال غازها إلى المحطات الأوروبية. ونناقش في سطور هذه المقالة سيناريو بحث إسرائيل عن خط أنابيب بديل للخط العابر للبحر المتوسط ويكون ذا جدوى اقتصادية ويحقق الشروط الفنية والسياسية والاقتصادية، ونفترض أن الغاز الإسرائيلي سيعبر الأراضي السورية وسيحمل معه صفقات سياسية واقتصادية بين النظام السوري مع إسرائيل وتركيا. وتستند مقاربة هذه المقالة على محددين رئيسين الأول اتفاقية ترسيم الحدود المائية بين إسرائيل ولبنان، والثاني المنفعة المتبادلة التي ستحققها الأطراف. وتجدر الإشارة هنا إلى أن سيناريو هذه المقالة يتوقع تنفيذه على المدى المتوسط وليس بالوقت الحالي، لأن الظروف الحالية في منطقة الشرق الأوسط لم تتهيأ بعد لاسيما بين دول عبور خط الأنابيب.

سيكون هذا الاتفاق بمثابة بوابة وشرعية للنظام السوري لبدء عملية تطبيع محتملة ومشابهة على المستوى الاقتصادي من جانب تدفق الغاز الإسرائيلي عبر الأراضي السورية

وقع لبنان وإسرائيل بعد سنوات من المفاوضات والضمانات الأميركية اتفاقية ترسيم الحدود المائية، واتفق الطرفان على  أن يكون حقل كاريش البحري تحت السيطرة الإسرائيلية، وحقل قانا تحت السيطرة اللبنانية، مقابل أن تحصل إسرائيل على حصة من الإيرادات المستقبلية لحقل قانا من شركة "توتال" الايطالية التي ستتولى استخراج الغاز المحتمل منه. الكثير من القانونيين والسياسيين يرون في هذه الاتفاقية اعترافاً لبنانياً بإسرائيل، لأن بيروت اعترفت ووقعت على حق إسرائيل بالحدود المائية وبحقل كاريش. فمن الناحية الاقتصادية قد يحقق الطرفين فوائد اقتصادية إذا ما اكتشف الغاز بكميات جيدة في الحقول المذكورة والتي يتطلب العمل عليها مدة زمنية قد تستمر لخمس سنوات. والأهم من الفوائد الاقتصادية حصول حالة من الاختراق في العلاقات بين إسرائيل ولبنان، ومن المهم التنويه إلى أن حزب الله حافظ على الاتفاق الموقع مع إسرائيل بعد عملية طوفان الاقصى، وهذا يؤكد على أهمية الاتفاق الجيواستراتيجي للأطراف الموقعة والضامنة، كما سيكون هذا الاتفاق بمثابة بوابة وشرعية للنظام السوري لبدء عملية تطبيع محتملة ومشابهة على المستوى الاقتصادي من جانب تدفق الغاز الإسرائيلي عبر الأراضي السورية.

وبالحديث عن خطط ومشاريع خطوط أنابيب الغاز المتوفرة لدى إسرائيل فهي تقف أمام مشروعين للوصول إلى الأسواق الاوروبية:

المشروع الأول، استخدام خط الغاز العربي الذي يربط بين مصر والأردن وينتهي عند مدينة حمص السورية، وإذا تمت عملية إكمال بناء خط الأنابيب من الممكن أن يصل للحدود التركية ستتمكن حينها إسرائيل من تصدير الغاز عبر الخط العربي القريب جداً من حدودها، إلا أن هذا الطريق يحمل عقبات أمنية وسياسية في الوقت الحالي تتمثل بعدم وجود استقرار في سوريا وانتشار الميليشيات المسلحة بشكل واسع النطاق، ولابد أيضاً أن يمر من مناطق سيطرة المعارضة السورية، بالإضافة إلى الاتفاق على صيغة معينة لعمل المشروع والمكاسب التي سيحققها الأطراف.

المشروع الثاني، عبر البحر المتوسط ويتجاوز المرور من المياه الإقليمية السورية، حيث من الممكن أن تؤسس إسرائيل بمساندة الشركات الأوروبية للطاقة مشروع خط أنابيب ينطلق من مراكز الإنتاج الإسرائيلي ويعبر المياه الإقليمية اللبنانية متوجها إلى تركيا عبر جزيرة قبرص الرومية والتركية. توجه الإسرائيليين نحو هذا الطريق في الوقت الحالي قد يبدو بعيداً بسبب الكلفة التي قد لا تتناسب مع حجم إنتاج إسرائيل من الغاز في الوقت الحالي، أما في حال ظهور اكتشافات جديدة فيصبح المشروع ذا جدوى اقتصادية. كما يعتبر هذا المشروع مكلفا بالمقارنة مع خط الغاز العربي الذي يعتبر جزء كبير منه مكتملاً، إلا أنه ما زال يواجه تحديات أمنية وسياسية وهذه التحديات ليست صعبة المنال على دول العبور.

يحقق المشروع بالصيغة الأولى عوائد سياسية واقتصادية للعديد من الدول، وبالنسبة لإسرائيل فإنها ستجد الطريق لتصدير وتدفق غازها إلى السوق الأوروبية وبجدوى اقتصادية تناسب احتياطاتها الحالية من الغاز لأن مشروع خط الأنابيب سيكون غير مكلف مالياً، وقد يكون من السهل تلبية المطالب الفنية المتعلقة بالتفاهمات مع النظام السوري. تركيا سترحب بالمشروع لأنها ترغب فعلياً بأن تكون مركزاً وسوقاً دولياً لإعادة تصدير الغاز، فهي ستحقق من ذلك إيرادات مالية ليست بالقليلة، وستعزز من موقعها في الخريطة الجيوسياسية لدى دول الاتحاد الأوروبي باعتبارها الجسر الذي يوصل موارد الطاقة لهم.

النظام السوري الذي لم يخرج من جحره طوال العملية العسكرية التي تلت عملية طوفان الاقصى بعدم إبدائه أي سلوك سياسي أو عسكري ضد إسرائيل على الرغم من استهداف الأخيرة مطاري حلب ودمشق عدة مرات في الفترة ذاتها، وفي هذا الصدد تبادلت أنباء في الأوساط السياسية أن الإمارات هي من أشارت على النظام لاتباع هذا السلوك ليحقق فيما بعد بعض المكاسب السياسية والاقتصادية.

سيحقق النظام دعماً أكبر لإعادة تعويمه دولياً عبر إسرائيل وتركيا، فضلا عن المكاسب الاقتصادية من إيرادات مرور الغاز من الأراضي السورية، وقد يحصل النظام على غاز بكلفة منخفضة

وبالعودة إلى مساهمة خطوط أنابيب الغاز في تطبيع النظام للعلاقات مع إسرائيل وتركيا، فعند الاقتناع بتطبيق الإسرائيليين المشروع الأول ستكون هناك صفقة بين النظام السوري مع إسرائيل وتركيا ولا يمكن التنبؤ بمجريات هذه الصفقة بدقة إذا تم هذا المشروع، لكن على أقل تقدير من الناحية السياسية سيعتبر الاتفاق مع إسرائيل بمثابة تطبيع للعلاقات والذي يشبه ما حصل مع لبنان، كما سيكون هذا المشروع بوابة لعودة العلاقات بين النظام وتركيا وهذا لا يعني انحلال الخلافات الأمنية بين الطرفين التي قد تبقى عالقة ويستمر العمل عليها إلى جانب الروس، وسيحقق النظام دعماً أكبر لإعادة تعويمه دولياً عبر إسرائيل وتركيا، فضلا عن المكاسب الاقتصادية من إيرادات مرور الغاز من الأراضي السورية، وقد يحصل النظام على غاز بكلفة منخفضة.

الروس الذين من المفترض أن يحاربوا ويعرقلوا كل مشاريع الغاز الواصلة إلى أوروبا إلا أنهم قد يتغاضون عن هذا المشروع بشكل أو بآخر، أولاً، لأن إتمام هذا المشروع قد يخفف من الضغط الإسرائيلي على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية لبناء خط أنابيب شرق المتوسط والذي يعني بناؤه دخول منتجين للغاز إلى جانب اسرائيل وقد تكون بعض الدول الخليجية مثل الإمارات التي وقعت على مذكرة تفاهم الطريق الهندي الأوروبي الذي يمر من الإمارات والسعودية وإسرائيل، وقد يحمل هذا المشروع في أروقته مشاريع خطوط أنابيب الغاز، وبهذا السيناريو تتأثر المصالح الروسية في سوق الطاقة الأوروبية سلباً. ثانياً، إن إنتاج إسرائيل من الغاز لا يشكل خطراً على الصادرات الروسية إلى السوق الأوروبية لأنها قليلة مقارنة بدول مثل الجزائر وقطر والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا.

في هذه المقالة لا أُرجِع عملية تطبيع النظام السوري للعلاقات مع إسرائيل وتركيا من جانب مشاريع خطوط أنابيب الغاز بل هي أحد العوامل الرئيسية التي قد تسهم في عملية التطبيع. ولا بد من التنويه إلى صعوبة نجاح تصدير الغاز الإسرائيلي عبر خط الغاز العربي في الوقت الحالي بل يحتاج إلى بعض الترتيبات السياسية والتقنية، فما زال الخط بحاجة إلى عملية اكتمال بنائه من سوريا إلى تركيا، كما أن خريطة تقاسم مراكز السيطرة والنفوذ في سوريا قد تلعب دوراً في عملية النجاح، والأمر لا يتوقف فقط على موافقة النظام بل أيضاً على الإيرانيين، وأيضا تعاطي المعارضة السورية مع هذا الموضوع غير واضح بعد إلا أن تركيا سيكون لها الدور الأبرز في الشمال السوري.