icon
التغطية الحية

نيويورك تايمز: ملايين يلفهم النسيان في معقل الثوار الأخير بسوريا

2021.04.07 | 19:16 دمشق

04syria-displaced-superjumbo.jpg
نيويورك تايمز- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

من بين ملايين السوريين الذين هربوا من قصف النظام لمدنهم، وتدميره لبيوتهم، وقتله لأحبائهم، ثمة 150 عائلة تقبع في مدرج لكرة القدم في مدينة إدلب الواقعة شمال غربي البلاد، حيث تؤويهم خيام هشة أقيمت تحت المدرجات أو فوق الفسحة الحجرية.

فرص العمل هنا قليلة، بل إنها نادرة، أما الرعب فيصبح سيد الموقف كلما سمع هؤلاء هدير طائرة حربية تحلق فوقهم، إذ يمكن للغارات الجوية أن تتجدد في أي لحظة، إلا أن الخوف من انتقام النظام يمنعهم من العودة إلى بيوتهم. وهكذا توزع أكثر من 1300 مخيم مماثل في آخر معقل يقع تحت سيطرة الثوار في سوريا، حيث التهمت تلك المخيمات الأراضي الزراعية، وامتدت لتصل إلى قنوات الري، كما شغلت الفسحات القائمة بين الأبنية السكنية، بعدما أصبحت الأسر النازحة تقبع في غرف مدمرة تخلوا من النوافذ.

وحول ذلك يحدثنا عقبة الرحمون مدير المخيم الذي أقيم في ملعب كرة القدم فيقول: "سيبقى الناس في هذه الأماكن بالرغم من كل المصائب قبل أن يفكروا بالذهاب للعيش في ظل نظام بشار الأسد".

وفي زيارة نادرة لمحافظة إدلب، تبين لنا وجود كثير من النماذج التي تعبر عن حالات الصدمة والفقر بين صفوف الناس الذين طواهم النسيان في ظل العنف والغموض الذي يكتنف مصيرهم. وبوجود جدار يمنعهم من الهرب إلى الحدود التركية القريبة، ونظام عدواني يمكن أن ينقض عليهم في أي لحظة، يكدح هؤلاء من أجل تأمين حاجاتهم الأساسية ضمن منطقة تسيطر عليها مجموعة مقاتلة سبق لها أن ارتبطت بتنظيم القاعدة.

 

Hundreds of people have taken shelter in a soccer stadium in the northwestern city of Idlib.

 

خلال العقد الذي قامت فيه الحرب في سوريا، قامت قوات بشار الأسد بسحق المجتمعات التي ثارت عليه، ففر ملايين الناس هرباً من المجهول وطمعاً ببناء حياة جديدة في أوروبا وفي جيوب سورية خرجت عن سيطرة الأسد، ويشمل ذلك هذه المنطقة التي يسيطر عليها الثوار في شمال غربي سوريا.

هذا ولقد قالها الأسد صراحة عندما ذكر بأن هؤلاء الناس لا يناسبون تعريفه للانتصار، لذا قلة قليلة منهم يمكن أن تعود إذا بقي هو في السلطة، الأمر الذي جعل مصير النازحين أعقد وأوعر جزء في تلك الحرب التي لما تنته بعد.

ما هو مستقبل هؤلاء الناس؟

وحول هذا الموضوع يقول مارك كاتس نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا لدى الأمم المتحدة: "السؤال الآن: ما هو مستقبل هؤلاء الناس؟ إذ لا يمكنهم أن يعيشوا هكذا للأبد في حقول موحلة تحت أشجار الزيتون على قارعة الطريق".

إذ خلال تلك الحرب، تحولت هذه المنطقة التي يسيطر عليها الثوار في شمال غربي سوريا إلى وجهة وملاذ أخير يقصده السوريون الذين تقطعت بهم السبل، كما أن حكومة النظام قامت بنقلهم بالحافلات إلى هناك بعد استعادة سيطرتها على مدنهم. وقد أتى بعضهم على متن شاحنات محملة ببطانيات ومراتب وأطفال، وبعضهم أتى سيراً على الأقدام، حاملين معهم شيئاً من متعلقاتهم بالإضافة إلى ما يرتدونه من ثياب.

هذا وقد تسببت حملة عسكرية شنها النظام بدعم من روسيا وإيران خلال العام المنصرم بنزوح ما يقارب من مليون نسمة آخرين إلى تلك المنطقة.

ثم إن نحو 2.7 مليون من أصل 4.2 ملايين نسمة يعيشون في شمال غربي سوريا، تلك المنطقة التي تبقت هي ومنطقة أخرى أيضاً بيد الثوار الذين سبق لهم أن سيطروا على معظم الأراضي السورية في وقت من الأوقات، قد نزحوا من مناطق أخرى من البلاد. وهكذا حولت موجة النازحين ذلك القطاع الرعوي القائم ضمن القرى الزراعية إلى تجمع سكاني كثيف يضم ملاجئ مؤقتة تسببت بالضغط على البنية التحتية لتلك المنطقة، ناهيك عن الأسر النازحة التي انحشرت في كل مساحة متوفرة.

بعدما دمر القتال مدينته ومسقط رأسه، هرب الشرطي السابق أكرم سعيد إلى قرية قاح السورية بالقرب من الحدود التركية في عام 2014، واستقر في قطعة أرض تطل على بساتين الزيتون الموجودة في واد يقع تحتها. ومنذ ذلك الحين أخذ يراقب تدفق النازحين من أبناء جلدته على ذلك الوادي الذي ساعدت أشجار الزيتون الموجودة فيه على قيام مخيم أصبح مكتظاً بالبشر.

وعن ذلك يخبرنا أكرم فيقول: "خلال السنة الماضية، أتت كل سوريا إلى هنا، والله وحده يعلم ما الذي سيحدث مستقبلاً".

 هذا وتلاقي المنظمات الصحية التي تعمل على منع تفشي الجوع والأمراض المعدية، وعلى رأسها كوفيد-19، صعوبات جمة في الحصول على ما يكفي من المساعدات اللازمة لهذه المنطقة. وقد تصبح تلك الجهود والمساعي أصعب وأشق في حال عرقلت روسيا، بوصفها الحليف الأقرب للنظام، قراراً أممياً يقضي بإبقاء معبر حدودي مفتوح من أجل إدخال المساعدات الدولية إلى شمال غربي سوريا.

دور هيئة تحرير الشام

ومما يعقد المأزق الدولي بشكل أكبر حيال تقديم المساعدات لإدلب، هو ذلك الدور المهيمن الذي تضطلع به تلك الجماعة المقاتلة التي تعرف باسم هيئة تحرير الشام.

فقد تفرعت تلك الجماعة عن جبهة النصرة، ذلك التنظيم الجهادي الذي أعلن عن تحالفه وارتباطه بتنظيم القاعدة في بدايات الحرب، وتميز باعتماده الكبير على التفجيرات الانتحارية التي تطول أهدافاً حكومية ومدنية.

ولهذا السبب تعتبر كل من تركيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، بالرغم من أن قادتها نأوا بأنفسهم عن تنظيم القاعدة وأعلنوا فك ارتباطهم عنها علناً منذ عام 2016، وصاروا منذ ذلك الحين يخفون أصولهم الجهادية، وقد اتضحت كل تلك المساعي في المناطق المحيطة بإدلب حيث تشير الرايات والشعارات والكتابات على الجدران إلى غياب وجود تلك الجماعة عن ذلك المشهد، بالرغم من أن أهالي تلك المنطقة ما فتئوا يشيرون إلى تلك الجماعة بحذر عند قولهم: "الجماعة التي تسيطر على المنطقة".

وبخلاف تنظيم الدولة الإسلامية، تلك الجماعة الإرهابية التي حاربت الثوار والنظام لتسيطر على مساحات شاسعة تمتد بين سوريا والعراق، لا تسعى هيئة تحرير الشام لإقامة دولة إسلامية مباشرة، كما لا تقوم بإرسال عناصر من شرطة الحسبة لفرض قواعد اجتماعية صارمة على الناس.

وخلال جولة على المواقع والنقاط التي أقامتها تلك الجماعة على الجبهة، قاد الناطق العسكري الذي يعرف بالاسم الحركي أبو خالد الشامي الصحفيين إلى مكان جعلهم من خلاله يهبطون درجات سلم قذر ومخفي يفضي إلى مخبأ تحت الأرض يصل إلى نفق طويل يربط بين شبكة من الخنادق ومواقع مخصصة لإطلاق النار تم فرز مقاتلين إليها، ثم قال وهو يشير إلى حقول خضراء تمتد لتصل إلى الخنادق التي تمترس فيها أعداء تلك الجماعة: "النظام يكمن هناك، ومن هنا يترصد لنا الروس، أما الميليشيات الإيرانية فتجدونها هناك".

ولدى سؤاله كيف ميزت هذه الجماعة نفسها عن سلفها، أي تنظيم القاعدة، وصف بأن هذه الجماعة جزء من الحراك الثوري الأوسع الذي يسعى لإسقاط الأسد.

The central market area of the city of Idlib.

 

ولتتمكن من إدارة هذه المنطقة، أقامت هيئة تحرير الشام حكومة الإنقاذ السورية التي يعمل لديها خمسة آلاف موظف وعشر وزارات، وتشمل وزارة العدل والتعليم والزراعة، بحسب ما ذكره رئيس هذه الإدارة السيد علي كدة في مقابلة أجريت معه.

بيد أن هذه الحكومة لم تحظ باعتراف دولي كما أنها تعاني في تلبية الاحتياجات المتزايدة ضمن هذه المنطقة.

فقد رفض البعض هذه الإدارة وانتقدوها لكونها مجرد واجهة مدنية تتيح لجماعة محظورة التعامل مع المنظمات الأجنبية، كما اتهموها هي وهيئة تحرير الشام باعتقال كل من ينتقدهم ومنع الأنشطة التي تتعارض مع النهج الإسلامي المتشدد.

فخلال الشهر الماضي، شجعت رانيا قيصر وهي أميركية من أصل سوري تدير منظمة شاين التعليمية مجموعة من النساء على رفض تعدد الزوجات خلال مناسبة أقيمت في إدلب، بما أن هذا المبدأ مباح وفقاً للشريعة الإسلامية.

وفي اليوم التالي، تم إغلاق مكتب منظمة شاين، وتهديد مديرته بالحبس حسبما ذكرت السيدة رانيا.

وقد أكد الناطق الرسمي باسم الإدارة واسمه ملحم الأحمد عملية إغلاق المكتب "حتى إشعار آخر"، بعدما اعتبر كلام السيدة رانيا: "إهانة لمشاعر وأخلاق عامة الناس".

فيما ذكر ناطق باسم هيئة تحرير الشام بأن منظمات الإغاثة والمنظمات الإعلامية كانت تتمتع بحرية العمل داخل "الإطار الثوري" حسب وصفه، ذلك الإطار الذي يحترم القواعد ولا يتجاوز ما هو مباح.

نقص الخدمات الطبية

هذا ولقد تسبب تقدم قوات النظام خلال السنة الماضية بزيادة الضغوطات على الخدمات التي تتعرض لضغوط أصلاً في إدلب.

ففي مشفى التوليد بمدينة إدلب، تتذكر الدكتورة إكرام حبوش بأنها كانت تقوم بتوليد ثلاثة أو أربعة أطفال كل يوم قبل الحرب، أما الآن، وبعد هروب كثير من الأطباء، وقلة عدد المرافق، فإنها أصبحت تشرف على 15 حالة ولادة يومياً.

 ثم إن هذا المشفى بات مزدحماً، ويفتقر إلى الوسائل التي تساعد على معالجة الحالات المستعصية.

وحول ذلك تخبرنا هذه الطبيبة فتقول: "في بعض الأحيان يكون لدينا أطفال خدج، ولكن ليس لدينا مكان متوفر لنضعهم فيه، وعندما يصبح بوسعنا نقلهم إلى تركيا يكون الطفل قد مات".

ومنذ العام الماضي، أدى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين روسيا وتركيا إلى وقف القتال المباشر في إدلب، ولكن وقعت ثلاث هجمات في يوم واحد خلال الشهر الماضي. حيث أصابت قذيفة مخيماً للنازحين، وتسببت غارة جوية بحريق في مستودع محروقات يقع على الحدود التركية، وضربت ثلاث قذائف مدفعية مشفى الأتارب في تلك القرية، ما أدى لمقتل سبعة مرضى، بينهم طفل يتيم أتى ليحصل على لقاح، بحسب ما ذكرته الجمعية الطبية السورية الأميركية التي تقدم الدعم لذلك المشفى.

مطعم ديزني

وفي الوقت الذي يعاني فيه النازحون في تلك المنطقة حتى يتدبروا أمور معيشتهم، يسعى آخرون لتأمين رفاهيات ومتع بسيطة.

ففي مدينة إدلب، أصبح مطعم ديزني لاند يستقطب الزوار الذين أخذوا يرتادونه لتناول المشاوي مع السلطات، وليحاولوا نسيان الويلات والمصاعب التي يعيشونها عبر ألعاب الفيديو ولعبة السيارات التي تصطدم ببعضها، ولعبة الهوكي الهوائي، وآلات اقتناص الألعاب ذات الفرو.

In an area with seemingly endless suffering, the Disneyland restaurant in Idlib city offers a reprieve with grilled meat, video games and air hockey.

 

هذا وتتوسع مساحة الطابق الأرضي في هذا المطعم لتتحول إلى ملجأ عندما يبدأ النظام بالقصف، كما أن شرفته الواسعة مسيجة بأغطية مصنوعة من البلاستيك بدلاً من الزجاج حتى لا يتحطم عند وقوع أي تفجير فيسقط فوق رؤوس من يتناولون طعامهم هناك.  

يذكر أن مدير هذا المطعم، واسمه أحمد أبو خير خسر عمله في مطعم سياحي عندما أغلق أبوابه مع بداية الحرب حسبما أخبرنا، ولهذا افتتح مكاناً صغيراً لكنه أيضاً دمر بسبب قصف النظام بعد مدة.

ثم قام بافتتاح مطعم آخر، لكنه اضطر لتركه بعدما سيطر النظام على تلك المنطقة في العام الماضي، وعندها رحل هذا الرجل إلى إدلب.

وكغيره من النازحين الوافدين عليها، يأمل هذا الرجل أن يعود إلى دياره، لكنه سعيد بعمله في مكان ينشر شيئاً من السعادة والبهجة إلى أن يحين موعد العودة.

ويعلق على ذلك بالقول: "إننا على قناعة تامة بأن الحياة الطبيعية يجب أن تستمر، فنحن نريد أن نعيش".

المصدر: نيويورك تايمز