نوايا روسيّة جديدة في سوريا

2020.06.02 | 00:06 دمشق

bshar_wyfymwf.jpg
+A
حجم الخط
-A

في ٢٥ مايو الماضي، عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سفير موسكو لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، ممثلا رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات الروسية مع سوريا. بعدها بعدّة أيام فقط، وقّع بوتين مرسوماً فوّض فيه وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد وذلك بغية تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع سيطرتهم البحرية في سوريا على أن تكون هذه الترتيبات الجديدة مكمّلة للاتفاقية التي تمّ عقدها في آب ٢٠١٥ وتمّ بموجبها فرض سيطرة روسيا على مناطق حيوية استراتيجية ونشر قواتها فيها لعقود قادمة دون تكاليف مادية على الجانب الروسي.

وتزامناً مع الإجراء الأخير، نشرت وكالة أنباء نظام الأسد (سانا) خبراً قالت فيه إنّ النظام تسلّم دفعة من طائرات "ميغ-٢٩" الحربية من روسيا. وأشارت مواقع تابعة للنظام أنّ المقاتلات المحدّثة أكثر تطوراً من نسختها القديمة، وأنّ تسليمها للجانب السوري يأتي في إطار التعاون العسكري بين الطرفين وأنّ استخدامها لإجراء مناوبات دوريّة في الأجواء السورية سيتم بشكل مباشر بدءاً من الأول من حزيران.

وتثير هذه القرارات سلسلة من التساؤلات حول الغاية الحقيقية منها، فتطوير العلاقات الروسية-السورية لا يحتاج إلى ترفيع السفير إلى درجة ممثّل رئاسي، ومن المفترض أنّ مهام السفير تتضمن ذلك بكل الأحوال. لكن حتى إذا افترضنا أنّ هذه المهمّة تتطلّب مبعوثاً رئاسياً خاصّاً، فإنّ لموسكو مبعوثين رئاسيين لسوريا غير ذلك الذي تمّ تعيينه مؤخراً!

أو ربما أنّ ما تريد موسكو إيصاله من خلال هذه القرار هو أنّه بات لديها مندوب سام في سوريا

ما الغرض من هذه الحركة إذاً؟ من الممكن فهم الأمر من زاوية أخرى على أنّه تخويل -ربما- للمبعوث الجديد بالتوقيع على أي اتفاقات جديدة تكرّس سيطرة موسكو على المناطق و/أو الموارد الاستراتيجية السورية باسم روسيا بدلاً عن الرئيس بوتين، أو ربما أنّ ما تريد موسكو إيصاله من خلال هذه القرار هو أنّه بات لديها مندوب سام في سوريا.

ويُعطي الكشف عن المرسوم الذي يخوّل موسكو الاستيلاء رسمياً على المزيد من الموارد السورية مصداقية للحملة الإعلامية التي شنّتها روسيا الشهر الماضي ضد رأس النظام السوري، متّهمة إياه بالفساد، وفُهم منها في حينه وجود امتعاض روسي ومطالبة بالمزيد من المكاسب كثمن لتدخّلها العسكري لإنقاذ الأسد في العام ٢٠١٥.

وإن أنكرت أطراف عدّة هذه الحملة في حينها، فقد باتت أهدافها واضحة الأن مع الإجراءات المتّخذة في هذا الصدد. ومن شأن هذه الخطوات أن تزيد من نفوذ روسيا في سوريا بشكل هائل ليس على مستوى سيطرتها وتوسيع رقعة نفوذها المباشر فقط، إنما على الأسد نفسه الذي يخضع لتجاذب روسي-إيراني ثنائي.

هناك من يربط أيضاً بين ترفيع السفير الروسي في سوريا ليصبح بمثابة الحاكم الحقيقي باسم روسيا هناك، وبين وظيفته السابقة كسفير مفوّض فوق العادة في الإمارات، وتزايد انفتاح أبو ظبي مؤخراً على نظام الأسد وتقاطع المصالح بينهما في عدد من القضايا من بينها المسألة الليبية، حيث تلعب روسيا دوراً متزايداً هناك منذ ما يزيد على عام.

وبموازاة هذا التقاطع في المصالح، هناك تقاطع مصالح آخر بين موسكو وأبو ظبي في ليبيا حيث يُعتقد أنّ تمويل العمليات العسكرية الروسية هناك يتم من خلال الإمارات. ولأنّ روسيا تريد أن تتملّص من مسؤوليتها الرسمية عن انخراطها في الملف الليبي، فإنّها ستعتمد بشكل أكبر على دور الأسد في ليبيا.

مثل هذا الأمر سيساعد على تملّص روسيا بشكل دائم من تحمّل المسؤولية المباشرة، وقد يقوّي أيضاً من العلاقة بين الأسد والإمارات، وهي علاقة قد لا ينظر لها الجانب الروسي بشكل سلبي بالضرورة خاصّة أنها قد تفتح أبواباً بشأن مساهمة الإمارات في عملية إعادة الإعمار وهي عمليّة يأمل الجانب الروسي أن تخفّف من الأعباء عليه في سوريا.

الهدف النهائي من هذه الحركة استخدام المقاتلات الروسية في ليبيا بشكل شرعي على أن يتم نسبتها إلى نظام الأسد في حال اكتشافها

من الممكن ربط مثل هذا التصوّر كذلك مع التطوّر الأخير الذي كشف عنه نظام الأسد والمتمثل بتسليمه مقاتلات (ميغ-٢٩)، إذ يُعتقد أنّ الهدف النهائي من هذه الحركة استخدام المقاتلات الروسية في ليبيا بشكل شرعي على أن يتم نسبتها إلى نظام الأسد في حال اكتشافها بذريعة أنّ الأخير مرتبط باتفاقات مع حفتر ليبيا وأنّ موسكو لا علاقة أو دور لها في الموضوع.

يأتي مثل هذا التطوّر بعد أن كشفت الولايات المتّحدة مؤخراً عن تهريب روسيا مقاتلات عبر إيران وسوريا إلى ليبيا وتسليمها لقوات حفتر بعد أن تمّ طلاؤها لإخفاء العلامات الروسية عليها في قاعدة حميميم الجوية في سوريا.

ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أنّ روسيا أصبحت أقوى في سوريا، لكنّ هذه القوّة هي نقطة ضعفها التي تجعلها تغرق في مأزق لا أفق له حتى الآن. أمّا النقطة الثانية، فهي أنّ النظام السوري تمزّقه الديون الثقيلة لتدخّلات روسيا وإيران. الأسد شخصياً أصبح مديناً لأكثر من سيّد، ومن شبه المستحيل أن يستمر مثل هذا الوضع إلى ما شاء الله لا سيما في ظل ازدياد الضغوط الاقتصادية والخلافات الداخلية أيضا بين أقطاب النظام. المثير للاهتمام أنّ الربط بين الأسد وحفتر والذي قصد منه في البداية تقوية الرجلين قد ينتهي بنتيجة عكسية، فهزائم حفتر قد تزيد من ضعف نظام الأسد لاحقاً.