نفاق أوروبي تجاه "نبع السلام"

2019.10.25 | 16:02 دمشق

2019-10-11t075648z_1919584585_rc1e596b3770_rtrmadp_3_syria-security-turkey-usa.jpg
+A
حجم الخط
-A

جاء الموقف الأوروبي من عملية "نبع السلام" صاخباً مفعماً بالنفاق والازدواجية ومفاجئاً حتى كون أهداف العملية الرئيسية تمثل ولو شكلاً عناوين للسياسات والمواقف الأوروبية تجاه القضية السورية.

للتذكير، فقد شملت تلك الأهداف محاربة التنظيمات الإرهابية، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتهيئة بيئة مناسبة أمام عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم ووطنهم، الملف الضاغط على أكثر من دولة أوروبية، والذي كان سبباً لانخراط أوروبي أكبر ولو نسبياً في القضية السورية بعد سنوات من الصمت وتجاهل نظام بشار الكيماوي وجرائمه ضد البشر والحجر في سوريا.

لا بأس من التذكير أيضاً أن الاتحاد الأوروبي يعتبر بي كا كا تنظيماً إرهابياً، ويعرف أنَّ "قسد" مجرد اسم حركي لجناحه السوري من اختراع الشيطان الأميركي بريت ماكغورك، ويعرف ما تعرفه واشنطن أيضاً وما صرح به الزعيم العراقي الكردي مسعود برزاني علناً، وما نشرته وكالة أوروبية - وكالة أكي الإيطالية - عن تحكم قادة بي كا كا المتمركزين في جبال قنديل التام بقسد كتابع وجناح له في سوريا.

الوكالة الإيطالية كانت قد نشرت-مارس 2017- بالتفصيل أسماء قادة التنظيم فى سوريا وجلهم من أكراد أتراك -بعضهم علويون - لا يتحدثون العربية ولا حتى الكردية.

من هنا، يبدو التساؤل منطقياً عن أسباب هذا الضجيج والصخب الأوروبي والنفاق تجاه عملية يفترض أن تحقق نفس الأهداف الذي يقول الاتحاد أنه يسعى لتحقيقها في سوريا.

الإجابة تتضمن عدة بنود أولها أن بروكسل كانت متأكدة من نتائج العملية وأنها ستؤدي إلى زيادة وتضاعف قوة تركيا سياسياً وعسكرياً، وتكريس حضورها ونفوذها في المنطقة، وهذا شيء لا تريده بالتأكيد لصعوبة فرض أي أجندات أو مطالب خاصة بها على أنقرة.

السبب الآخر للموقف الأوروبي المشين والمنافق، يتعلق بالرغبة فى استنزاف وإضعاف تركيا عبر بي كا كا بجناحيه، وإشغالها في مشاكل إقليمية ترهقها، أو على الأقل تمنعها من التحول إلى قوة كبرى

هنا نتحدث طبعاً عن تركيا الجديدة غير الخاضعة للوصاية الخارجية أو المنفصلة عن تاريخها وعقلها الجمعي، تركيا المدنية الديمقراطية التي يجلس قادتها بانتظام لامتحان الشعب بوعيه السياسي والتاريخي.

السبب الآخر للموقف الأوروبي المشين والمنافق، يتعلق بالرغبة في استنزاف وإضعاف تركيا عبر بي كا كا بجناحيه، وإشغالها في مشاكل إقليمية ترهقها، أو على الأقل تمنعها من التحول إلى قوة كبرى سياسياً اقتصادياً جيوسياسياً، وحتى استراتيجياً.

ثمة بُعد فكري سياسي أو تاريخي سياسي يتعلق بالعداء للإسلام - تركيا العنوان بينما إيران حليف تاريخي هنا - في أوروبا، مع تزايد قوة اليمين الفاشي وتأثيره المضطرد على الأجندات السياسية للحكومات الأوروبية.

أما فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب فتعرف أوروبا أن "قسد" تنظيم إرهابي، ولكنها استغلته وتستغله كأداة رخيصة للتخلص من دواعشها بعدما غضت الطرف عمداً عن سفرهم إلى سوريا، كما لحماية مصالحها الاقتصادية والنفطية في سوريا، كما حصل مع فضيحة مصنع الإسمنت الفرنسي الذي استخدم وساطات وحتى قدّم رشاوى لتنظيم داعش لتسهيل عمله وتجارته.

ثمة سبب جوهري إضافي يتمثل باستخدام أوروبا لـ قسد كسجّان رخيص لمقاتلي داعش، مع نسائهم وأطفالهم في سوريا، حيث يوجد نحو عشرة آلاف مقاتل من داعش مع خمسين إلى ستين ألفاً من أسرهم -النساء والأطفال- في معتقلات تمولها أوروبا وتحرسها "قسد" كون الأولى لا تريد استعادة مواطنيها حتى الأطفال منهم، وهي الحجة التي يستخدمها ضدهم دائماً الرئيس الأمريكي ترامب.

وإذا ما تجاهلنا أكذوبة أو أوهام دعم تركيا لداعش التي طلبت قوائم بأسماء أعضاء التنظيم لمنعهم من دخولها، بينما سهلت أوروبا سفرهم للتخلص منهم في سوريا، وهي تعلم علم اليقين أن تركيا دولة تحترم نفسها وستحاكم المعتقلين ثم تعيدهم مع أسرهم إلى بلادهم، ولن يكون بإمكان أوروبا التملص أو التعامل معها كما تتعامل مع "قسد".

هنا، لا بد من تذكر فضيحة تفجيرات مطار بروكسل –مارس 2016-، حيث اعتقلت تركيا الخلية المسؤولة عن التفجير، ثم أرسلتهم معتقلين متهمين إلى بلادهم، مع تفاصيل عن عضويتهم في تنظيم داعش لكن تم إطلاق سراحهم قبل التفجيرات بفترة وجيزة، أيضاً ما يثير الريبة والشكوك حول مجمل التعاطي الأوروبي مع الملف.

إلى ذلك لم يصدر عن أوروبا هذا الصخب والصراخ تجاه الاحتلال الروسي، وارتكابه جرائم حرب في سوريا وعدم فرض عقوبات ضد موسكو، كما فعلت مثلاً في القضية الأوكرانية، هذا هو بالضبط النفس العنصري تجاه الدم العربي الإسلامي الرخيص بنظرهم.

إلى ذلك لم يصدر عن أوروبا هذا الصخب والصراخ تجاه الاحتلال الروسي، وارتكابه جرائم حرب في سوريا وعدم فرض عقوبات ضد موسكو، كما فعلت مثلاً في القضية الأوكرانية، هذا هو بالضبط النفس العنصري تجاه الدم العربي الإسلامي الرخيص بنظرهم

لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن أوروبا أو قواها ومراكزها الكبرى شريكة رئيسية في تحالف أمريكا - الدولي - لمحاربة داعش الذي تقول الأمم المتحدة إنه أي التحالف ارتكب جرائم حرب موصوفة في سوريا، بمعنى اشتراك أو تورط أوروبا فيها التي تحاضر تركيا الآن عن حقوق الإنسان وحماية وسلامة المدنيين.

فيما يخص المدنيين فقد كانت أوروبا أيضاً شريكة أساسية في نموذج "عين العرب"، الرقة، الموصل، الباغوز التدميري الذي تم فيه تدمير المدن، تشريد أهلها حتى إجراء تغيير ديموغرافي فيه هو ما لا يحدث أبداً مع النموذج التركي في "درع الفرات"، "غصن الزيتون" ثم "نبع السلام".

أوروبا شاهدة كذلك وعن قرب على ممارسات بي كا كا السوري في مناطق سيطرته بسوريا، وكما قالت الأمم المتحدة ومنظماتها، فقد شملت تلك الممارسات التطهير العرقي التغيير الديموغرافي الإخفاء القسري والتجنيد الإجباري، تماماً كما يفعل النظام في مناطق سيطرته.

النفاق الأوروبي الذى رأيناه تجاه "نبع السلام" نجده بشكل عكسي في الموقف اللين والمتراخي، من إيران وجرائمها في المنطقة، من سوريا إلى العراق مروراً بلبنان واليمن، ناهيك عن البلطجة الفظة ضد السفن في الخليج العربي.

عموماً فلا شيء يفضح النفاق الأوروبى أكثر من المطالبة بمنطقة حظر جوي، في سماء منطقة نبع السلام شمال سوريا، علماً أن هذا كان المطلب الأساسي لتركيا طوال السنوات الماضية، لحماية المدنيين من جرائم نظام الأسد دون أن تحرك أوروبا ساكناً، ثم وبعد العجز الأوروبي عن إدانة العملية في مجلس الأمن، أو عرقلتها في الميدان، جرى طلب اللقاء مع تركيا من أجل الحوار حول طبيعة المنطقة الآمنة وأهدافها، وهي حيثيات لا تخفيها أنقرة منذ طرحت الفكرة لأول مرة قبل ست سنوات تقريباً، بقعة محمية للاجئين والنازحين في وطنهم دون النظام ودون الإرهابيين على اختلاف مسمياتهم، وعلى قاعدة وحدة أراضي سوريا والسعي لحل سياسي عادل وفق قرارات ومواثيق الأمم المتحدة.