نظام الأسد يحرق سوريا

2023.08.15 | 10:46 دمشق

نظام الأسد يحرق سوريا
+A
حجم الخط
-A

ما ينفك نظام الأسد يورّط سوريا في حروب المنطقة لصالح محاور تبدأ في لبنان وتنتهي في الحرب الروسية الأوكرانية. آخر الدلالات فشله المريع بعدما أعطاه العرب له من فرصة ذهبية للتخلص من أدران الطائفية والمذهبية والعودة إلى وحدة وطنية لم تعرف سوريا غيرها في كل عصورها دفاعاً عن سيادتها وشعبها.

كانت الدلالة الأبلغ هي وفاء النظام السوري بما تعهد به سراً وعلانيةً للانفتاح العربي الذي قادته المملكة العربية السورية وأفضى إلى "قدرة" بشار الأسد إلى الانتقال للرياض وعرض ابتسامته على كاميرات العالم متناسياً عدد قتلى وجرحى السوريين، ناهيك عن الشتات الذي صار يفوق الشتات الفلسطيني. لقد فعل بحربه على السوريين ما لم يفعله العدو الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني.

على الرغم من كل التقارب منه فقد فشل في الوفاء بأي تعهد من تعهداته خصوصاً لجهة المخدرات التي صار يسمم بها العالم العربي. بل على العكس من ذلك، بل ذهب أبعد إذ انخرط في الانقسام الدولي ومبتدؤه لبنان فيما خبره في روسيا ـ أوكرانيا.

كان الانفتاح السعودي نحو النظام ينهض على ثوابت أخلاقية وسياسية تحمي العالم العربي وأولها وقف تهريب الكبتاغون وبدء إجراءات عودة النازحين السوريين من لبنان والأردن، مقابل دعم خليجي تنموي يعيد بناء البصرة بعد خرابها، ناهيك عما يوفره ذلك من ضمانات اجتماعية ومعيشية للشعب السوري. لكن الأسد ونظامه الأمني الموالي لإيران وأذرعتها ذهب نحو عدم تلبية سوريا شروطاً أساسية للسعودية وسائر الدول العربية.

الحرب القادمة

يحصل كل ذلك، فيما أميركا تعود إلى الشرق الأوسط على العكس مما أعلنته عن نيتها الانسحاب الذي بدأته في أفغانستان. فها هي ترسل حاملة طائرات إلى المنطقة على متنها ثلاثة آلاف جندي وتحكم الطوق على القرصنة الإيرانية لناقلات النفط مع تنفيذ فعلي لحماية هذه الناقلات عبر تزويدها بمقاتلين من المارينز. قد يقول قائل إن هذا يتعلق بأمن النفط. وهذا فيه شيء من الصحة. لكن الرؤية السياسية تُحتم قراءة الأمر من منظار آخر معياره أنّ طبول الحرب في المنطقة تقرع.

ما يؤكد ضجيج السلاح والحرب القادمة هو الدعم اللامتناهي الأميركي للمكون الكردي مع الشروع في بناء خط دفاعي ـ قتالي يتكون من المعارضة السورية وأهل العشائر. يُصاحب هذا سياق يُظهر الصراع الدولي على سوريا وفي الإقليم الذي يزيده تأجيجاً نظام الأسد. وأبرز تجليات هذا الأتون الجهنمي وقف التنسيق بين الجيشين الروسي والأميركي في سوريا الذي وُضعت آليّته منذ عام 2016 لتجنّب حوادث بين قواهما العسكرية، فتزايدت الاحتكاكات بينهما، وآخرها إعلان نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم الروسية، أوليغ غورينوف عبر وسائل الإعلام أنّ مسيّرة تابعة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة حلّقت بلا تنسيق مع الجيش الروسي "واقتربت بشكل خطير" من مقاتلة "سوخوي – 34" روسية في سماء سوريا في 30 تموز.

لو كان هذا النظام يدافع مع شعبه ضد أية هيمنة أميركية لكان البنيان مرصوصاً، لكن من يقاتل على أرض سوريا الحضارات والتنوع الثقافي في إطار الوحدة هو الإيراني بأذرعه التي ما توقفت عن تنكيلها بسوريا وأهلها عطفاً "على تاريخ مرضي". وآخر أشكال القتال هو الهجمات التي تشنها مسيّرات إيرانية ضدّ القواعد الأميركية في سوريا، وخصوصاً قاعدة التنف في مثلّث الحدود بين العراق وسوريا والأردن، وهي مدعومة من روسيا.

"التيه" السوري الوطني

الكل يقاتل اليوم على أرض سوريا لالتهام سوريا وثرواتها المائية والنفطية والزراعية. بينما هناك من أهلنا السوريين لا يرون أو لا يريدون أن يروا نهب أرضنا من عائدات آبار النفط في محافظات دير الزور والرقّة والحسكة، أي في مناطق سيطرة "قسد".

لمن لا يعلم فقد كانت هناك مفاوضات سورية ـ أميركية أُحيطت بسرّية تامّة جرت خلال زهاء ثلاث جولات في عُمان، وتناولت بين عناوينها الإفراج عن الصحفي الأميركي أوستن تايس ومسائل أخرى تتعلّق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

المُفاجىء بهذا المشهد أنّ مفاوض النظام الأسدي أبلغ الأميركيين أنّ الجلسات السابقة لا "وجود لها وكأنها لم تكن حصلت بالنسبة للإدارة السورية والأمنية في دمشق" والمطلوب أن ينسحب الجنود الأميركيون من شمال شرقي سوريا بشكل كامل وبلا شروط.

لقد طال زمن سوريا تحت هيمنة النظام العائلي الأمني. زمنٌ كان مليئاً بالقتل والقمع والتخلف وأقبية الأمن والمفقودين. في الحال هذه فإن السؤال المطروح علينا كسوريين وعرب هو التالي: متى العودة إلى الحرية ومن دون يدٍ مضرجة بالدماء. فالحرية وحدها "نورٌ وحقٌ".