نظام الأسد غير مؤهل لإنقاذ الأطفال!

2022.02.15 | 05:23 دمشق

post_cover_med_fwaz_qtyfan_1_.jpg
+A
حجم الخط
-A

في غمرة الضجة الإعلامية التي أثيرت خلال اختطاف الطفل فواز قطيفان إثر ظهور مقطع فيديو يظهر تعرضه للضرب من جانب الخاطفين، برزت دعوات ومناشدات لنظام الأسد وقواته الأمنية للتدخل وإنقاذ الطفل من بين أيدي الخاطفين الذين ظلوا يوارونه في مناطق تقع تحت السيطرة العسكرية والأمنية للنظام، ومن المفترض تاليا أن تتحرك السلطات المختصة التابعة له من أجل البحث عن الطفل وتعقب الخاطفين، من دون الحاجة لمناشدات أو دعوات من أحد، وهو ما لم تفعله طوال المئة اليوم التي بقي الطفل فيها مختطفا، إلى أن تم الإفراج عنه بعد أن دفع أهله الفدية التي طلبها الخاطفون.

والواقع أن مثل هذه المناشدات للنظام للتدخل تدخل في باب السذاجة في أحسن الأوصاف، ذلك أن النظام غير مؤهل أخلاقيا وإنسانيا، لمثل هذه المهمات، ولولا الضجة الإعلامية التي أثيرت نتيجة الفيديو الخاص بالطفل، امتدادا مع أجواء التعاطف العالمي مع قضية الطفل المغربي ريان، لما كلف النظام نفسه حتى عناء التعليق على الأمر، والتحريك الإعلامي لقواته بحثا عن الخاطفين، علما بأن هناك أطفالا وبالغين آخرين ما زالوا مخطوفين في المحافظة، وفي مقدمتهم الطفلة سلام الخلف المختطفة منذ عامين.

هل من المنطقي أن نظاما قتل مئات الآلاف من شعبه بالكيماوي والبراميل المتفجرة والمجازر المتنقلة، وتحت التعذيب في السجون، أنه يبالي بمصير طفل مخطوف؟

ومثل هذه الدعوات للنظام للتدخل تشبه مناشدة عصابة مجرمة اقتحمت منزلا فقتلت أهله وأحرقته، كي ترأف بحالة أحد أطفال العائلة! وهل من المنطقي أن نظاماً قتل مئات الآلاف من شعبه بالكيماوي والبراميل المتفجرة والمجازر المتنقلة، وتحت التعذيب في السجون، أنه يبالي بمصير طفل مخطوف؟ وكيف يهتم بمصير طفل واحد، من يحتجز في سجونه 3500 طفل كما تقول معطيات المنظمات الحقوقية، توفي العشرات منهم تحت التعذيب؟

والحقيقة أن ثمة معطيات عدة تشير إلى تواطؤ النظام وأجهزته الأمنية مع الخاطفين الذين يحملون كما يبدو بطاقات أمنية صادرة عن النظام مكنتهم من التحرك والتنقل طوال فترة احتجاز الطفل ويوم إطلاق سراحه، بحيث لم يتم رصدهم من جانب أجهزة النظام الأمنية التي تنغل بها محافظة درعا، كما في باقي المناطق السورية، وظلت الوحيدة التي احتفظت بعافيتها وميزانيتها برغم انهيار الدولة في سوريا، وتراجع خدماتها على الصعد كافة.

 ومع هذا التقاعس الأمني والأخلاقي للنظام وأجهزته، كان ما يشغل بالهم أساسا هو الاستثمار الإعلامي للقضية، خاصة مع تدخل بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة ومحاولتها المساعدة في إطلاق سراح الطفل عبر جمع مال الفدية، مثل الفنان عبد الحكيم قطيفان وهو قريب الطفل المخطوف، لذلك حرص النظام كعادته على انتزاع تصريحات من أهل الطفل، يشكرون فيها رئيس النظام ومسؤوليه على ما بذلوه من جهد لإطلاق سراح ابنهم، رغم أنهم لم يبذلوا أي جهد حقيقي، ما عدا مسارعة قائد شرطة درعا التابع للنظام إلى التقاط صور مع الطفل، وكأنه هو وقواته من أطلقوا سراحه.

منذ استعاد النظام السيطرة على درعا عام 2018، دبت فيها الفوضى الأمنية، فلا يكاد يمر يوم دون وقوع عملية اغتيال أو خطف تسجل كلها باسم مجهولين

ولعل قضية الطفل قطيفان، تلقي مزيداً من الضوء على طريقة تعامل النظام مع محافظة درعا بوصفها مجرد بقرة حلابة لضباط الأمن المتحكمين فيها من جهة، وساحة للانتقام من المحافظة التي اشتعلت منها شرارة الثورة السورية عام 2011 من جهة أخرى.

ومنذ استعاد النظام السيطرة على درعا عام 2018، دبت فيها الفوضى الأمنية، فلا يكاد يمر يوم دون وقوع عملية اغتيال أو خطف تسجل كلها باسم مجهولين، في حين ترتع في المحافظة عصابات المخدرات التي تعمل بحرفية عالية، وبإشراف مباشر من ضباط أمن النظام وحزب الله، حيث يعلن الأردن كل عدة أيام ضبط شحنة مخدرات قادمة من سوريا.

وهذه الاغتيالات التي تتم غالبا بأيدي عناصر محلية مرتبطة بأجهزة النظام المتنافسة في المحافظة، فضلا عن النشر المتعمد للمخدرات على نطاق واسع، وتقسيم أهلها بين موالين ومعارضين، إنما تستهدف تفكيك الروابط الاجتماعية التي اشتهرت بقوتها بين أهل حوران، والقضاء على روح التضامن التي تجلت بـ"الفزعات" خلال السنوات الأولى من الثورة، بحيث لا يسمح للنظام بالاستفراد بمنطقة معينة، في حين تنتظر دورها بقية المناطق.

وقد نجح النظام بالفعل عبر هذه السياسات التخريبية المتعمدة، والتي استتبعها بما سمّيت التسويات والمصالحات ليستكمل بياناته الأمنية عن أهالي المحافظة، ومع تسهيل سبل الهجرة والرحيل للفاعلين من أبنائها، في إضعاف روح الثورة والتمرد داخل المحافظة، مستفيدا أيضا من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها درعا على غرار بقية مناطق البلاد، بحيث يصبح الهمّ اليومي، والخلاص الفردي، هو ما يشغل بال من بقي من الناس، بعيدا عن مناهضة النظام والتمسك بأهداف ثورة الحرية والكرامة.