icon
التغطية الحية

ناشيونال إنترست: الحملة العسكرية على درعا فرصة للقضاء على حكم الأسد

2021.08.27 | 20:12 دمشق

e5jradqwyacsffo.jpg
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كتب الدكتور الأميركي السوري محمد بكر غبيس ومدير منظمة "مواطنون من أجل أمريكا آمنة" مقال رأي في مجلة ناشيونال إنترست بعنوان "هجوم النظام السوري على درعا يوفر فرصاً لإنهاء حكم الأسد"، طالب فيها واشنطن بقيادة مبادرة دبلوماسية لإنهاء الأزمة الإنسانية في سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد الذي يرفضه السوريون، مستدلاً بما يجري في درعا من شهرين.

 

فيما يلي ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا للمقال:

اندلعت الثورة السورية في محافظة درعا جنوب سوريا عندما قام أطفال بالكتابة على الجدران عبارة: "جاك الدور يا دكتور"، ومنذ ذلك الحين، أثبتت درعا بأنها أيقونة من أيقونات الثورة السورية لكونها أخذت تطالب بالحرية والديمقراطية وحكم القانون في سوريا. إلا أن نظام الأسد رد على تلك الدعوات بالرصاص الحي وبالحصار والقتل والتدمير.

إذ تحتل محافظة درعا ومدينتها موقعاً جيوسياسياً حساساً في البلاد، إذ تحدها دولتان استراتيجيتان حليفتان للولايات المتحدة، وهما الأردن وإسرائيل، كما أن الطرق التجارية الرئيسية التي تمر عبر سوريا لا بد أن تمر بدرعا ابتداء من دول الخليج العربي، وصولاً إلى لبنان فتركيا فأوروبا. ولهذا يعتبر معبر نصيب- جابر الحدودي المعبر الأكثر ازدحاماً في سوريا.

ولسوء الحظ، يقوم النظام السوري بتطبيق سياسة الحصار ذاتها على درعا البلاد منذ عدة أسابيع، ونتيجة لذلك أصبحت الظروف الإنسانية والطبية التي يعيشها نحو 55 ألف رجل وامرأة وطفل لا تطاق، فالنظام يستخدم العقوبة الجماعية وأسلوب الانتقام من مجموعات كبيرة تضم مدنيين في درعا، وهذا بحد ذاته يعتبر جريمة ضد الإنسانية. ناهيك عن سرقة ميليشيات يدعمها نظام الأسد لكل اللوازم والمعدات الطبية التي قدمتها المنظمات الغربية غير الحكومية للمشافي والمستوصفات المحلية في درعا، حيث تقوم تلك الميليشيات بسرقة تلك اللوازم بهدف التربح المادي إذ تقوم ببيعها في السوق السوداء.

ومما يزيد الطين بلة نقص الكوادر الطبية في درعا، بسبب استهدافهم من قبل نظام الأسد منذ بدايات الثورة السلمية قبل عقد من الزمان، إذ إن كثيراً من الأطباء غادروا البلاد، إلا أن هنالك من لم يتمكن من الخروج منها، وهكذا تعرض هؤلاء للاغتيال مع عائلاتهم قبل أن يتمكنوا من الخروج من الحصار المفروض على مدينتهم.

درعا الرافضة لحكم الأسد والتنظيمات الإرهابية

ومنذ انطلاقة الثورة السورية، لم يدخر بشار الأسد جهداً في وصم كل من يعارضه، حتى ولو كان طبيباً، واتهامه بأنه إرهابي، وتشمل تلك الادعاءات الكاذبة التي أطلقها النظام وصف أهالي درعا بأنهم يطمحون لتأسيس إمارة إسلامية متطرفة في جنوب البلاد. ولكن مع مرور الوقت، أثبتت محافظة درعا بأنها أعتى من وقف ضد الفكر المتطرف، بالرغم من المصاعب الخانقة التي ألمت بها.

كما لم يستطع تنظيم الدولة أن يسيطر على أي منطقة تابعة لدرعا بالرغم من سعي نظام الأسد لتسهيل وصول خلايا تنظيم الدولة إلى هناك، وعلى رأسها ميليشيا شهداء اليرموك.

وهكذا اقتنصت كتائب الجيش السوري الحر في درعا تلك الفرصة، واستغلتها لمحاربة الجماعات المتطرفة بما فيها شهداء اليرموك، واستمرت على ذلك المنوال لسنوات عديدة قبل عام 2018، إذ بقيت تلك الكتائب على موقفها الثابت ضد تلك الجماعات. ولكن في عام 2018، تم تسليم محافظة درعا لنظام الأسد تحت ستار ما يسمى بالمصالحة. عندها أخذ الأسد يزعم بأن نظامه يسعى لترحيل العناصر المتطرفة إلى مناطق أخرى في البادية السورية قريبة من دير الزور تحت مراقبة صارمة من قبل النظام وداعميه.

وعقب التوقيع على الاتفاقية التي أبرمت في عام 2018، بوساطة روسيا أولاً وإدارة ترامب ثانياً، عاد الأسد ليسيطر على المنطقة الجنوبية في سوريا، ومن بين الأمور التي تم الاتفاق عليها بموجب تلك الاتفاقية وجود الميليشيات الإيرانية وضرورة بقائها على مسافة لا تقل عن 50 كم بعيداً عن الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل، إلا أن هذا الشرط لم يتحقق على الإطلاق.

وبالمقابل، تم الالتزام بعدد من الشروط والبنود الأساسية في هذا الاتفاق، وعلى رأسها عدم السماح لقوات النظام بدخول درعا، وتسليم مقاتلي الجيش الحر من أبناء درعا للأسلحة الثقيلة، واحتفاظهم بالأسلحة الخفيفة فقط، كما تم استيعاب بعض مقاتلي الجيش الحر هناك ضمن كتيبة تأسست حديثاً تخضع للقيادة الروسية.

بعد اتفاق 2018.. ميليشيات إيران تتغلغل للجنوب السوري

وفي تلك الأثناء، أخذت الميليشيات الإيرانية تخترق المجتمع السوري والأحياء السورية بطرق متعددة في طول البلاد وعرضها، وبعض تلك الميليشيات تعمل تحت قيادة حزب الله اللبناني، فيما تحمل ميليشيات أخرى أسماء مختلفة، مثل فاطميون وزينبيون. وهذه الميليشيات الأجنبية تتجول بين السوريين بزي عسكري يشبه البزة العسكرية التي يرتديها جيش الأسد، وقد انخرط البعض من هؤلاء ضمن الفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام، والتي يرأسها شقيق الأسد، ماهر، وتخضع بأكملها للمصالح الإيرانية، إذ من المعروف أن قوات الأسد والميليشيات الإيرانية هي من يقوم بفرض الحصار على درعا، سعياً منها لتشريد 55 ألف مدني سوري من بيوتهم، والهدف من ذلك إحكام قبضتها على الجنوب السوري.

وهكذا بات من الواضح أن إيران تسعى للسيطرة على المناطق الجنوبية في سوريا، مثل درعا، وذلك لتبسط نفوذها على رقعة أوسع في الداخل السوري. وقد سبق لإيران أن قامت بذلك في الجنوب اللبناني مع حزب الله، وفي نهاية الأمر تمدد النفوذ الإيراني في لبنان ليصل إلى مناطق خارج الجنوب بما فيها العاصمة اللبنانية، بيروت. وفي الحقيقة، تتمنى إيران أن تحتل الجنوب السوري كما سبق أن فعلت بالجنوب اللبناني لتحقيق أهداف الثورة الإسلامية التي قامت في إيران عام 1979.

بيد أن أهالي درعا لم يتقبلوا المشروع الإيراني في سوريا بأي شكل من الأشكال، بل رفضوه بشتى الطرق والوسائل. إذ في الوقت الذي يشترك فيه أهالي الجنوب اللبناني بالمعتقدات الطائفية ذاتها مع إيران، لا ينطبق الأمر ذاته على الجنوب السوري الذي يعتبر بوتقة انصهرت فيها الطائفة المسلمة مع المسيحية والدرزية، كما أن الوجود الشيعي هناك قليل للغاية.

الدعم الأميركي لدرعا قبل 2018 ساهم بحفظ الاستقرار

وقبل عام 2018، عملت الولايات المتحدة على دعم المجتمع السوري في الجنوب إضافة إلى دعم مقاتلي الجيش الحر، وقد خلف ذلك أثراً إيجابياً على المجتمع المحلي هناك، وخاصة على مجتمع درعا، لأن ذلك ساهم في ترسيخ الاستقرار، ومناهضة أي محاولة لدفع تلك المنطقة نحو التطرف. ولكن في عام 2018، انتهى التدخل الأميركي هناك، وتوقف نفوذه لصالح توسع النفوذ الروسي والإيراني في الجنوب السوري. بيد أن التصعيد الأخير في درعا يعتبر فرصة لإدارة بايدن حتى تعود للتدخل في ذلك المجتمع ضمن هذه المنطقة السورية الحساسة وللتأثير عليه بطريقة إيجابية. إذ إن عودة التدخل الأميركي إلى المنطقة لا بد أن تكون بمثابة ضغط على الأسد وداعميه حتى يعودوا مجدداً للدبلوماسية والسعي للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض بشأن مستقبل سوريا.

إن أحداث درعا الأخيرة توضح بشكل جلي أن المجتمعات الموجودة في الجنوب السوري لا يعنيها الخضوع لإمرة النظام برغم كل الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها في سبيل ذلك. ما يعني أن الوقت قد حان بالفعل حتى تدرك الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه النقطة ولتعود لقيادة المبادرة الدبلوماسية سعياً لإنهاء الأزمة الإنسانية التي استمرت لعقد من الزمان في سوريا، وذلك عبر دعوة النظام لطاولة المفاوضات مع إلزامه بتعويض ملايين السوريين الذين عانوا من ويلات سياساته. فالأسد لن يقبل بأي تسوية ما لم يستوعب بأن عدم خضوعه لذلك لا بد أن تكون له عواقب وخيمة خطيرة للغاية، وذلك لأن درعا والجنوب السوري يمثلان مدخلاً للانتقال السياسي الذي يريده الجميع في سوريا من أجل كل السوريين ومن أجل المجتمع الدولي أيضاً، ولقد ولدت الثورة السورية في درعا، ولهذا فمن العدالة الرومانسية بعد كل هذه الخسائر أن يتم القضاء على نظام الأسد في هذه المحافظة بالذات.

المصدر: ناشيونال إنترست