icon
التغطية الحية

موسيقي سوري يلتقي بكلبته من جديد بعد وصوله إلى بلجيكا

2022.08.23 | 14:16 دمشق

باسل أبو فخر برفقة كلبته ستيلا
باسل أبو فخر برفقة كلبته ستيلا
مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إذا سرت في منطقة سان جيل الحيوية الواقعة جنوبي بروكسل والمعروفة بفن العمارة الحديث وأجوائها الفنية، فلا بد أن تكتشف العديد من الأماكن المناسبة لتناول القهوة، ولكن ثمة مقهى وحيد يحمل اسم كلبة اسمها ستيلا، تلك الكلبة الودودة ذات اللون الأبيض التي تقف لتحيّي الزبائن عند الباب، بعدما تحولت صورتها إلى شعار للمقهى، وتعود تلك الكلبة لموسيقي سوري اسمه باسل أبو فخر. إذ خلال السنوات السبع التي هرب فيها باسل من سوريا، وصل إلى بلجيكا، حيث سطع نجمه، بعدما أصدر أربعة ألبومات موسيقية ثم افتتح مقهى "ستيلا" مع أصدقائه.

نال ذلك المقهى رضا الناس واستحسانهم، ليس فقط بسبب الخدمة الودودة والقهوة الشهية، بل أيضاً بسبب جاذبية نجمته، حيث كتب أحد المعجبين بالمقهى على موقعه عبر الإنترنت: "تعالوا إلى ستيلا، وانتظروا قهوتكم".

يقول باسل عن صديقته العزيزة: "ستيلا كلبتي وصديقتي المفضلة" كما أنها بطلة كتاب مصوّر مخصص للأطفال.

نجح باسل الذي بلغ الخامسة والعشرين في تأسيس حياة جديدة له عبر إقامة مشروعه الخاص، وهو مقهى، إلى جانب عزفه للموسيقا، ولكن عندما وصل إلى بلجيكا، أحس بأنه فقد جزءاً أساسياً من حياته، ألا وهو ستيلا.

فقد دخلت تلك الكلبة حياته عندما كانت جروة بيضاء صغيرة، وكان عمره حينئذ 12 عاماً، وذلك خلال إقامته في دمشق. كان عمر ستيلا وقتذاك لم يتجاوز الأربعين يوماً، وهكذا أصبح كل منهما يسلي الآخر إلى أن يخلدا إلى النوم ليلاً.

ولكن بعد مرور عام على ذلك، اندلع النزاع في سوريا، فصارت ستيلا ترتعد خوفاً عند سماع صوت القصف والقذائف، وخلال الفترة التي بات أبواه فيها خائفين من الخروج لشراء الخبز، بقي باسل يخرج للتنزه بصحبة ستيلا.

وفي عام 2015، هرب باسل من بيته ومن المعارك في دمشق بحثاً عن بر الأمان في بلجيكا، كما فرّت والدته وشقيقته بعدها ووصلتا إلى أيرلندا وألمانيا، في حين بقي والده في البيت ليعتني بجدة باسل.

ترك باسل صديقته ستيلا على مضض، فقد أجبر على خوض رحلة خطرة بدأت بلبنان، ثم تركيا، وبعدها انطلق في رحلة خاض فيها البحر إلى أن وصل إلى اليونان بقارب مطاطي، وهذا ما جعل أمر إحضار كلبته مستحيلاً.

يخبرنا باسل أن الهروب من الحرب يعني: "خسارة الهوية وعدم تعرف المرء على نفسه"، ثم يصف رحلته التي تعامل خلالها مع مهربين، وسار لمسافات طويلة في مناطق لا يعرفها، ثم ركب القطار مرات عديدة، بكل إيجاز عندما قال: "كانت كل الأمور عسيرة".

وبعد وصوله إلى بروكسل ببضعة أشهر، احتوته أسرة بلجيكية ذات قلب كبير يتسع للجميع، حيث ساعدته تلك الأسرة طوال فترة سنة ونصف عاشها معهم على الاندماج في المجتمع البلجيكي.

وعن تلك التجربة يحدثنا باسل فيقول: "بالنسبة لي، كان أهم شيء جعلني أحس بالأمان هو تكوين دائرة الثقة مع الناس، وتلك الدائرة تضم أصدقاء وأشخاصاً دعموني، ورددت لهم الجميل عبر دعمي لهم".

إلا أن الأسرة التي استضافته والتي تضم جوان فانديرمولين وآن هوستي، شعرت بمدى افتقاد باسل لستيلا، ولذلك وضعت تلك الأسرة خطة لإخراج تلك الكلبة من سوريا، وهكذا، وبمساعدة سائق سيارة أجرة يتمتع بشجاعة فائقة، سافرت ستيلا من دمشق إلى بيروت حيث كان جوان بانتظارها، وعمل على تأمين كلّ الأوراق والثبوتيات اللازمة لها، ثم وضعها في صندوق مخصص للسفر حتى وصلت إلى بروكسل ضمن شحنة نقلت بوساطة طائرة تجارية.

Belgium. Syrian refugee and musician Bassel out and about with his white shepherd dog Stella

باسل برفقة ستيلا في بروكسل

يخبرنا جوان ما حدث فيقول: "كان من الصعب تخيل ما يجب فعله لإحضار الكلبة من بيروت مروراً بإسطنبول فبروكسل. أي أن الوضع كان معقداً للغاية، إذ شارفت ستيلا على الموت وذلك عندما علقت سلسلة رقبتها بالقفص، كما أنني تعبت في نهاية الأمر وانتابتني مشاعر مختلفة".

ولكن على الرغم من كل تلك التحديات، قرر جوان أن ينجز تلك المهمة، وعنها يقول: "إن مساعدة الناس تحفزني، وهذا ما يجعل البشر ناجحين، لأننا نحب أن نساعد بعضنا في أغلب الأحيان".

بعد كل تلك الصدمات، صارت ستيلا بحاجة للاستقرار في موطنها الجديد، إلا أن باسلاً شعر بأن حياته اكتملت مرة أخرى، ولذلك اختارت الكاتبة المشهورة ديبورا بلومينتال قصتهما لتؤلف كتاباً للأطفال بعنوان: "إنقاذ ستيلا: الهروب المريع لكلبة من الحرب"، وتظهر في ذلك الكتاب رسومات قدمتها الفنانة السورية نادين كعدان التي تقيم في لندن حالياً، وقد اعتبر بعضهم هذا الكتاب بمنزلة: "قصة لجوء غير معهودة قد تفتح باباً للتعاطف".

وبما أن باسل الذي يعزف على التشيللو منذ أن كان في السابعة من عمره، محاط بالفنانين، لذا فقد عاد لاكتشاف عشقه للموسيقا في بلجيكا، حيث تعاون خمس مرات مع ملحنين كمهندس للصوت في عمل يحمل عنوان: عقول خطية، كما سجل أربعة ألبومات قدم فيها عزفه المنفرد، حيث يصف موسيقاه بأنها مزيج بين الموسيقا الإلكترونية والراقصة، ذات ألحان مكثفة وثقيلة تتخللها خطوط صوت الجهير التي تقود المقطوعة الموسيقية بكاملها.

ويخبرنا عن تجربته مع الموسيقا وهو يضحك، فيقول: "يراني الناس دوماً كشخص متحمس لديه دوافع قوية ولهذا فهو يعمل على الدوام بلا توقف، ولهذا أصبحوا يطلقون عليّ اسم الآلة، إلا أني أرى بأنك عندما تصبح شغوفاً بشيء معين فستنهض بكل سعادة لتقوم به".

افتتح باسل برفقة صديقين مقهى رصيف، ويقول عنه: "إنه مكان نلتقي فيه بأشخاص جدد على الدوام، حيث نتحدث إليهم فيطلعوننا على شيء من حياتهم".

يرغب باسل من خلال مشروعه أن يحتضن الأهالي والقادمين الجدد كما سبق أن احتضنته بلجيكا بدفئها عند وصوله، ولهذا يقول: "لقد أقمنا هذا التجمع الذي يرتاده الناس حتى يرونا ويتحدثوا إلينا، وذلك لأننا نحب أن نتفاعل معهم وأن نتعرف إليهم.. أي أنه أشبه بمجتمع كامل"، وهذا التجمع تترأسه كلبة رعي بيضاء ذات فرو كثيف، تدعى ستيلا.

المصدر: مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين