مواجهة العنصرية تجاه الطلاب الدوليين في تركيا

2023.09.24 | 06:23 دمشق

آخر تحديث: 24.09.2023 | 06:23 دمشق

مواجهة العنصرية تجاه الطلاب الدوليين في تركيا
+A
حجم الخط
-A

شاركت خلال الأسبوعين الماضيين في 3 ورش عمل لمكافحة انتشار العنصرية في ظل تزايد الأعمال العنصرية في تركيا، ولعل المهم في مكافحة أي ظاهرة خطيرة هو تشخيصها بشكل جيد ودقيق ومتزن وإدراك خطورتها وتداعياتها على كل مناحي الحياة. ولعل هذا المقال مخصص لموضوع العنصرية تجاه الطلاب الأجانب أو الطلاب الدوليين.

في إحدى الورش التي شاركنا فيها في مركز سيتا للدراسات في إسطنبول تم تقييم كراهية الأجانب في تركيا على أنها من ضمن المشكلات الاستراتيجية. ونظرا لأهمية موضوع الورشة وأثره المباشر فقد شارك رئيس مؤسسة التعليم العالي في تركيا البروفسور إيرول أوزفار في الورشة وعدد من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والأكاديميين وبعض المؤسسات المعنية بالأجانب وعدد من الطلاب الأجانب أيضا.

بداية تم بدء الورشة ببعض التقييمات الأساسية؛ أولا تقييم سلوك الكراهية تجاه الطلاب الدوليين أنه جزء لا يتجزأ من إطار أوسع يستهدف القيم الإسلامية، ويزيد من الاستقطاب الداخلي في تركيا وأن المشاعر المعادية للأجانب تأتي في هذا السياق.

ثم بعد ذلك جاء الاستخلاص الثاني وهو أن معاداة الأجانب مرض لا يصيب الأجانب فقط، بل يمكن أن يضعف قوة تركيا ولابد من وجوب بدء معركة جدية ضد حملة العنصرية وكراهية الأجانب.

لكم أن تتخيلوا عندما يكون وزير في دولة ما خريج تركيا، ودبلوماسي رفيع في دولة أخرى خريج تركيا، ورجل أعمال مرموق خريجا من تركيا، وآخر ضابط خريجا من تركيا فهذه فرص لا تقدر بثمن

كذلك الحال تم التطرق لاهتمام الدول القوية بالطلاب الدوليين، وأن تركيا واحدة من الدول العشر الأولى في العالم من حيث استضافة والاهتمام بالطلاب الأجانب كقوة، خاصة المميزين منهم والذين يتبوؤون مواقع مهمة تفيد تركيا في التعاون الاستراتيجي والثقافي مع الدول الأخرى لاحقا. وبالتالي فإن ملف العنصرية تجاه هذا المكون هو نوع من استهداف قوة تركيا نفسها على المستوى الاستراتيجي.

وقد قال برهان الدين ضوران رئيس مركز سيتا في إدارته لهذه الورشة "لكم أن تتخيلوا عندما يكون وزير في دولة ما خريج تركيا ودبلوماسي رفيع في دولة أخرى خريج تركيا ورجل أعمال مرموق خريجا من تركيا وآخر ضابط خريجا من تركيا فهذه فرص لا تقدر بثمن".

وبهذه الاستخلاصات المبكرة التي بدأت بها الورشة كان من الواضح أن استهداف هذا المكون ضمن حملة أكبر ليس تهديدا لهذا المكون، بل تهديد مشترك على تركيا نفسها وأهدافها.

لقد استمع الجميع إلى العديد من الأحداث الواقعية التي تعرض لها الطلبة السوريون والطلبة الأجانب من أحداث عنصرية أو تأثر حياتهم بسبب حملات الترحيل وما شابه من إجراءات اتخذت لمواجهة ملف الهجرة واللجوء في تركيا، والذي تكرس في الأشهر الأخيرة مع أجواء الانتخابات التي عاشتها تركيا منذ مايو الماضي وما زال مستمرا.

من الجيد عند مواجهة مشكلة، العمل على تجزئتها للقدرة على التعامل بسهولة وسرعة مع أجزائها، وفي هذا الإطار يمكن فهم التعامل مع ملف الطلبة الدوليين بشكل منفصل وكذلك لأنهم كتلة ليست بالبسيطة حيث يوجد في تركيا حاليا 300 ألف طالب دولي، (وقد أكد المنظمون أنهم حرصوا على استخدام مصطلح الطلبة الدوليين وليس الطلبة الأجانب)، ولكن لابد من الإشارة هنا أن هناك ارتباطات مهمة ولا يمكن الفصل في القضايا الاجتماعية بسهولة، فالكثير من الطلبة الدوليين يعيشون مع عوائلهم وقد يتعرض أي فرد لمشكلات الإقامة مما ينعكس بشكل مباشر على الطالب الدولي، إضافة إلى أن الأشخاص الذين يحملون الأفكار العنصرية لا يفرقون عند قيامهم بالسلوك العنصري بين الطالب الأجنبي أو الأجنبي الآخر.

لذلك من المهم بمكان عند التفكير بحل مشكلات الطلبة الدوليين في إطار مواجهة كراهية الأجانب والعنصرية أن يتم التفكير بشكل شامل للقضاء على جذور هذه الظاهرة، والعمل على منع تفشي بقعة الزيت ولعل تشبيه بقعة الزيت لا يتناسب مع هذه الظاهرة المشينة، لكن أنزه القراء الكرام عن استخدام أي مصطلح آخر لتوضيح الانتشار.

وهنا لابد من الإشارة إلى موضوع مهم وهي أن كثيرا من الأحداث العنصرية أو السلوكيات المدانة يتم التغاضي عنها، وعدم قيام جهات فاعلة بالتواصل الفعال بشأن حلها ومواجهتها بشكل مشترك، وبدلا من ذلك يقوم كل مكون بتفعيل الحوار الداخلي في الأطر المغلقة، وقد تابعنا ذلك في المجموعات العربية أو التركية ولكن عندما يحدث التواصل الفعال وتقوم جهات مسؤولة باللقاء مع أصحاب القرار وتوضيح الحقائق والارتدادات فإن هذا يسهم في تهيئة بيئة أفضل للتعامل مع مثل هذه الظواهر، ولا أقول يعمل على حلها لأنه في الحقيقة هناك تعقيدات كثيرة.

أخيرا تحدث بعض المشاركين عن أن الأحداث الفردية أو الحوادث المعزولة لا تمثل سياسة دولة ولا سياسة جامعات ولا سياسة مؤسسية، وبعض الحالات يتم المبالغة فيها وهذا صحيح لكن من زاوية أخرى لابد من عدم التعامل مع هذه الحالات كأمر واقع أو حوادث طبيعية، لأن هذا يزيد من التمادي في هذه الأفعال وهو ما يمكن أن نلاحظه مع زيادة سماعنا لهذه الأحداث.

إن تفشي هذا السلوك لدى طالب في بداية حياته العلمية والعملية سينشئ فردا ضارا لمجتمعه، وفي مرحلة ما قد يكون هذا السلوك يستهدف الأجنبي بالدرجة الأولى، لكنه سيتحول لاحقا إلى استهداف مجتمعه نفسه، ولذلك إن أول خطوة في مواجهة هذه الظاهرة هي اعتبارها خطرا أمنيا على المستوى الاستراتيجي، وعدم التساهل معها حتى في أجواء الانتخابات.

البيئة العنصرية تخلط الأمور وتحول أحداثا بسيطة إلى دوامة وإعصار كاسح، حيث إن حوارا على مجموعة طلبة محليين وأجانب في جامعة ما قد يتحول لحدث يهز الجامعة والمؤسسات التعليمية

ما من شك في أن تركيا قدمت الكثير للاجئين والمظلومين حول العالم وفتحت أبوابها، وهذا يحسب لها وهي دولة تحرص أن تكون قوية دوليا وإقليميا، لذلك لابد من مواجهة مثل هذه الظواهر انطلاقا من المعاني الإنسانية أولا ثم الأبعاد الاستراتيجية الأخرى.

لقد أثبتت الدراسات أن السبب الأول للطلبة الدوليين بخصوص الدراسة في تركيا هو التقارب الثقافي، ولذلك فإن السلوك العنصري يضرب أحد الأسباب الأساسية لجعل تركيا وجهة دولية مفضلة للطلبة.

وقبل الختام من المهم الإشارة إلى أن البيئة العنصرية تخلط الأمور وتحول أحداثا بسيطة إلى دوامة وإعصار كاسح، حيث إن حوارا على مجموعة طلبة محليين وأجانب في جامعة ما قد يتحول لحدث يهز الجامعة والمؤسسات التعليمية، ولهذا لابد من نزع فتيل العنصرية بوأدها كما يتم إغلاق غاز سام بإحكام ولابد من الكتابة بخط واضح عليها أمام الجميع "احذروا عنصرية سام قاتل".

لقد كانت الورشة مهمة جدا في جعل فئة مهمة من المعنيين والمؤثرين في صورة خطورة ظاهرة خطيرة، وفي جعل إنكار الخطورة أو النظر لما يقال إنه مبالغ فيه خلف الظهور، وبالتالي البدء في أول خطوة نحو مواجهة الإشكالية من تقدير خطورتها.