من يشغل فراغ الانسحاب الروسي من سوريا؟

2022.06.12 | 06:35 دمشق

whatsapp-image-2022-04-30-at-6.03.03-am.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تتحدث تقارير دولية ومحلية عن انسحابات تجريها القوات الروسية من سوريا، وذلك على وقع الصعوبات التي توجهها قوات الغزو الروسي في أوكرانيا، الأمر الذي يحدث فراغاً تسارع القوى المتدخلة في الشأن السوري إلى إشغاله والاستفادة من تبعاته، وخاصة القوات الإيرانية وميليشياتها الطائفية المتعددة الجنسيات، بوصفه يشكل فرصة لزيادة التوغل الإيراني في سوريا، وإعادة تشكيل واقع استراتيجي فيها، تحقيقاً لمشروع نظام الملالي الإيراني التدخلي في المنطقة، التي تعيش في ظل أوضاع ومتغيرات ميدانية جديدة، وبما ينذر بعودة المعارك وزيادة حدة الصراع داخل سوريا.

ولا تعني الانسحابات، التي تقوم بها القوات الروسية من بعض مناطق سوريا، تخلي روسيا عن أطماعها في سوريا والمنطقة، بل هي مضطرة لتغيير خريطة انتشارها ونفوذها العسكري، نظراً لعدم توافر الموارد اللازمة لدعم سيطرتها على كامل المناطق التي توجد فيها، أو بالأحرى تحتلها، على التراب السوري، وعليه يحاول الساسة الروس سحب قواتهم من المناطق الشرقية والجنوبية وسواهما، والإبقاء على تموضعها ضمن المناطق السورية الأكثر أهمية استراتيجية بالنسبة إلى روسيا، وتحديداً منطقة الساحل السوري، التي توجد فيها قاعدتا "حميميم" وطرطوس العسكريتان، وتستثمر فيها كثيراً، حيث تستخدم مينائي طرطوس واللاذقية من أجل تحسين ميزانها التجاري والاستثماري، ولعب دور مهم في منطقة الشرق الأوسط.

قد يجد الساسة الروس أنفسهم مضطرين إلى العدول عن غطرستهم، وبما يؤدي إلى الدخول في عقد صفقات وتسويات مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى في الملف السوري

ويبدو أن روسيا لم تعد تملك القدرة على أن تكون اللاعب الأقوى في الملف السوري نتيجة غرقها في أوحال غزوها لأوكرانيا، حيث وجدت نفسها مستنزفة بشكل كلي في إرهاصات وتكاليف الغزو، العسكرية والاقتصادية، الذي يبدو أنه سيكون طويل الأمد، لذلك لجأت مضطرة إلى سحب معظم أو قسم مهم من آلتها العسكرية من سوريا، وزجها في أوكرانيا علها تسهم في تغيير موازين القوى العسكرية لصالحها، لكن ذلك لا يعني تخلي روسيا عن نفوذها في سوريا، كونها صرفت كثيراً فيها على مختلف المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولم تستثمر ذلك بما يعزز رصيدها الاستراتيجي على المستوى العالمي، وفي إحكام دورها وقبضتها على الوضع السوري، وبالتالي قد يجد الساسة الروس أنفسهم مضطرين إلى العدول عن غطرستهم، وبما يؤدي إلى الدخول في عقد صفقات وتسويات مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى في الملف السوري.

ولا ينكر المسؤولون الروس انسحابات قواتهم من سوريا، على الرغم من أنهم لا يفصحون تماماً عن ذلك، بل يلجؤون إلى التخفيف من حجمها وأثرها ومحاولة تبريرها، عبر التذرع بأن أعداد قواتهم في سوريا تتحدد "من خلال المهام المحددة التي تحلها مجموعتنا هناك"، حسبما قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي اعتبر أنه "لم تعد هناك عملياً مهام عسكرية متبقية"، وراح يتحدث عن دعم روسيا نظام الأسد في جهوده لوحدة الأرض السورية، وعن الاحتلال الأميركي للضفة الشرقية من نهر الفرات، والسعي إلى إنشاء تشكيلات أشبه بالدولة فيها وسوى ذلك.

وتعتبر كل القوى المتدخلة في سوريا الانسحاب الروسي فرصة تريد تجييرها واستغلالها لمصالحها، حيث كثفت إسرائيل من هجماتها على مواقع إيرانية في سوريا، وخاصة مناطق العاصمة دمشق وما حولها، وآخرها الهجمات التي استهدفت مطار دمشق الذي أخرجته عن الخدمة، وتستخدمه إيران لنقل عتادها العسكري، فيما عززت الولايات المتحدة انتشار قواتها في مناطق شرقي الفرات، عبر عودتها إلى مناطق سبق أن انسحبت منها، فضلاً عن اتخاذها إجراءات استثنت فيها مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخرجاته من عقوبات قيصر، وبما يسمح بتدفق الأموال والاستثمارات إليها. ومن جهتها تهدد تركيا في القيام بعملية عسكرية ضد مناطق وجود قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الأساسي، وذلك بهدف إبعادها عن الحدود التركية مسافة 30 كيلومتراً، وإقامة منطقة آمنة، تخطط الحكومة التركية لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إليها.

غير أن المستفيد الأكبر من الانسحاب الروسي هو نظام الملالي الإيراني، لأن الانسحاب الروسي يفضي إلى التقليل من التحديات التي يواجهها هذا النظام في سوريا، لتبقى أمامه الاستهدافات الإسرائيلية، حيث يعتبر الساسة في إسرائيل التغلغل الإيراني في سوريا تهديداً استراتيجياً لأمن إسرائيل، لكنهم لا يسعون إلى خوض حرب على الأرض السورية، وكذلك نظام الملالي الإيراني، الذي لا يوفر مناسبة إلا ويحاول فيها تعزيز تغلغل قواته وميليشياته في سوريا، وخاصة في المناطق الشرقية والجنوبية، لذلك يسعى إلى إشغال الفراغ الذي يسببه الانسحاب الروسي منها، سواء بالتفاهم مع الروس أو من دونه، وذلك من أجل تعزيز وجود قواته وميليشياته في المناطق الجنوبية من سوريا، بهدف تحويلها إلى مراكز لتصنيع المخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية الأردنية.

وسبق لملك الأردن، عبد الله الثاني، أن اشتكى، خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، من أن النظام الإيراني يستغل الفراغ الذي يحدثه الانسحاب الروسي من أجل تعزيز توغله، خاصة في المناطق الجنوبية من سوريا، كما أن المسؤولين السياسيين والعسكريين في الأردن باتوا يتحدثون علناً عن "حرب مخدرات" تشن ضدهم عبر الحدود السورية، وتقودها ميليشيات نظام الملالي ونظام الأسد، وبات حديثهم يدور حول دخول مرحلة جديدة من تعامل الأردن مع الأوضاع في سوريا، وحول احتمالات وسيناريوهات تصعيد مع نظام الأسد.

يلجأ نظام الملالي الإيراني إلى إيجاد سبل لخلق الفوضى والاضطراب الدائم في محافظتي درعا والسويداء، من خلال القيام بأعمال قذرة، تتجسد في عمليات الاغتيال والقتل شبه اليومية

ويوجد في مناطق درعا والسويداء ناشطون كثر يرفضون بسط سيطرة نظام الأسد على مناطقهم، فضلاً عن رفضهم محاولات التغلغل الإيراني السابقة فيها، لذلك يلجأ نظام الملالي الإيراني إلى إيجاد سبل لخلق الفوضى والاضطراب الدائم في محافظتي درعا والسويداء، من خلال القيام بأعمال قذرة، تتجسد في عمليات الاغتيال والقتل شبه اليومية، وخلق التوترات والصراعات فيها، بهدف إفراغها من الناشطين والمعارضين لتغلغله.

أما نظام الأسد فلا يجد أي غضاضة في أن يطول التغلغل الإيراني كل مناطق سيطرته، والتي يسيطر فيها على السوريين فقط، وذلك بعد أن تحول إلى ما يشبه عصابة إجرامية تأخذ الأوامر من طرف ساسة النظامين الروسي والإيراني، وتنفذ جميع الأعمال القذرة بالتنسيق والمشاركة مع ميليشيات نظام الملالي الطائفية، وخاصة ميليشيات حزب الله اللبناني، وبالتالي لا يحرك ساكناً حيال استغلال نظام الملالي الإيراني الانسحاب من مناطق سيطرته، لتحويلها إلى مركز ونقاط متقدمة لإدارة شبكته ميليشياته الأخطبوطية في المنطقة، والتي تبدأ من بغداد، مروراً بدمشق وبيروت، ووصولاً إلى غزة وصنعاء وغيرها.