من يسدد فاتورة تمجيد الرئيس؟

2024.03.27 | 06:01 دمشق

آخر تحديث: 27.03.2024 | 06:01 دمشق

من يسدد فاتورة تمجيد الرئيس..
+A
حجم الخط
-A

لا تنحصر مشكلة سوريا اليوم في تحولها إلى دولة بوليسية قمعية متوحشة ومغلقة ومعزولة فحسب، ولا بكونها مافيا تدير عصابات لتهريب المخدرات والسلاح، ولا بدولة فقدت كل مقومات السيادة وانتشرت الاحتلالات على أرضها، فثمة مشكلة أكبر من ذلك تتجسد في توظيف كل ما تبقى من مؤسسات الدولة في مهمة واحدة وهي تمجيد الرئيس..

وإذا صرفنا النظر عن المهزلة التي ترافق ذلك التمجيد وطرق صناعته والخطاب المهترئ والمتردي الذي تتبناه والسخرية من عقول السوريين التي تتأسس على ذلك التمجيد وأساليبه الرخيصة والمبتذلة، فإن ثمة فاتورة مالية غالية التكاليف تترتب على مهمة التمجيد تلك، ويتم دفعها من جيوب السوريين ومن مستحقاتهم وعلى حساب حقهم في الحياة وحرمانهم من الحد الأدنى من احتياجاتهم وهو رغيف الخبز وحد الكفاف في ظل أزمتهم الاقتصادية الخانقة والتي لا تبدو لها نهاية..

كل الهيئات والمؤسسات والدوائر مطلوب منها فقط العمل على تمجيد الرئيس ولتذهب سوريا والمواطن السوري إلى الجحيم.

كل تلك الجهود تذهب هباء لأن السوريين -بمن فيهم الموالون- يعرفون حقيقة الرئيس جيداً، ولا تنجح كل تلك البرامج التي تهدف إلى ترسيخ صورة أخرى عنه في تغيير قناعاتهم

وزارة الإعلام..

أكثر تلك المؤسسات التي تخصص لها ميزانية ضخمة وتصرف على تكاليف تمجيد الرئيس هي وزارة الإعلام بكل ما فيها من مديريات وأقسام ودوائر، وبكل ما فيها من تلفزيونات وصحف ومواقع إلكترونية، فوزارة الإعلام تضم آلاف العاملين من موظفين إداريين وخدميين إلى كوادر فنية ومهنية إلى إدارات وقيادات. جيش من العاملين الذين يتقاضون الرواتب والمكافآت والحوافز ولا مهمة لهم سوى المساهمة في تمجيد الرئيس والبحث عن طرق جديدة لامتداحه وتلميع صورته، أما مهماتهم الفعلية التي أنشئت الوزارة من أجلها فلا أهمية لها على الإطلاق..

والمفارقة أن كل تلك الجهود تذهب هباء لأن السوريين -بمن فيهم الموالون- يعرفون حقيقة الرئيس جيداً، ولا تنجح كل تلك البرامج التي تهدف إلى ترسيخ صورة أخرى عنه في تغيير قناعاتهم، وبهذا يكون كل إنفاق وزارة الإعلام نوعاً من الهدر المتعمد لميزانية الدولة إرضاء لغرور الرئيس.

وبعيداً عن الرواتب والأجور والمكافآت، تصرف الوزارة بسخاء أيضاً على حجز الأقمار الصناعية وعربات النقل وكل مستلزمات البث الفضائي والأرضي وكذلك كل ما يلزم لتغطية كل تحركات الرئيس وزوجته وترويج برامجها الدعائية والتي تتوجه لجمهور يعرف جيداً مدى زيفها وكذبها، لجمهور لا يثق بإعلامه فلا يلتفت إليه، كما أنه لا يستطيع متابعة ما تقدمه الوزارة -إن رغب- بسبب ساعات التقنين الطويلة.

إلى جانب ذلك، ينفق النظام أيضاً مبالغ طائلة على الأبواق المحلية وينفق بسخاء على الأبواق العربية والإيرانية والروسية وبعض الأبواق المقيمة في أوروبا وأميركا للهدف عينه، حيث لا هدف لتلك الأبواق في كل تحليلاتها السياسية إلا تمجيد الرئيس، وقد بلغ حجم إنفاق الوزارة على البوق الواحد في العام ٢٠١١ ما يقارب عشرين ألف دولارٍ في الشهر الواحد وهو المبلغ الذي كان يتقاضاه البوق ناصر قنديل على سبيل المثال، بحسب مصدر في مؤسسة الإعلان.

بعيداً عن المخصصات المالية الضخمة التي تُنفق على إعداد البرامج، فإن ما تستنزفه تلك الوزارة من كهرباء وطاقة ووقود للتدفئة وللسيارات الموضوعة تحت خدمة العاملين في تلك البرامج يكفي لتغطية احتياجات شريحة واسعة من السوريين الذين لا يجدون سبيلاً لتأمين تلك المواد الخدمية في أدنى حدودها، في الوقت الذي لا نجد فيه برامج حقيقية تقدم الخدمات الإعلامية للمواطن، فالمواطن خارج حسابات تلك الوزارة بالمطلق.

وزارة الدفاع..

وإذا توقفنا عند وزارة الدفاع، وكذلك الإدارة العامة للجيش والقوات المسلحة فسنجد أن مخصصاتها أكبر بكثير، فهي -بكل تشكيلات جيشها، بكل سلاحها الثقيل، بكل طياراتها ودباباتها وآلياتها وضباطها وقادتها، ومكاتبها ومقارّها، بكل ثكناتها وقواتها المسلحة، بكل معاملها وموظفيها- مخصصة للدفاع عن شخص واحد وكل برامجها الإعلامية ليس لها هدف سوى تمجيد الرئيس، وذلك يستنزف جزءاً كبيراً من الميزانية، كما يستنزف قدراً كبيراً جداً من الكهرباء والوقود والماء الذي يكفي توفير بعضه لحل جزء من أزمة المواطن واحتياجاته لتلك المواد.

وزارة الخارجية..

وهي من الوزارات التي فقدت معنى وجودها بعد أن أصبح الخارج كله في الداخل، فعلاقات النظام انحصرت مع دول محددة أهمها إيران وروسيا، فلماذا يحافظ النظام على وزارة أصبح عملها محصوراً بالداخل ومع ذلك فهي تسهم في استنزاف الميزانية والهدف تجميل صورة الرئيس والحفاظ على شكل خارجي للدولة التي فقدت جوهرها.

وزارة الداخلية..

لهذه الوزارة أيضاً مقارّ كثيرة جداً وآلاف الضباط والعناصر، وتكاليفها لا تتناسب مع خدماتها ولا مع طبيعة عملها، ففي الوقت الذي ينتشر فيه الفساد والسرقة وتهريب المخدرات والقتل والخطف ومختلف أنواع الجرائم الأخرى من دون تمكن تلك الوزارة أو من دون حرصها على فعل شيء ذي أهمية، يبقى هدفها الأعلى مساعدة الجهات الأخرى في مطاردة أي مواطن يشك في ولائه أو يرفض المساهمة في تمجيد الرئيس، وبهذا تكون ميزانية هذه الوزارة عبئاً على المواطن وسبباً آخر في زيادة معاناته وصراعه مع لقمة عيشه..

أجهزة الأمن..

لا يشغل السوريينَ فيما يتعلق بأجهزة الأمن سوى قوة البطش والغدر والظلم الذي يقع عليهم، وفي زحمة الانشغال بإرهاب تلك الأجهزة لا يفكر المواطن بحجم الميزانية المخصصة لها والتي تنفق بدورها على تطويع السوريين وإجبارهم على تمجيد الرئيس، فشأن الأجهزة الأمنية -شأن وزارة الدفاع والجيش والقوات المسلحة- هو الحفاظ على أمن الرئيس لا على أمن الوطن والمواطن، ومن هنا فإن كل المخصصات المالية واللوجستية لتلك الأجهزة ما هي إلا استنزاف للبلد وموارده وتعيش على حساب قوت المواطن، موارد وميزانيات مهدورة بلا توظيف وطني، بالإضافة إلى استنزافها المفتوح للطاقة بكل أنواعها من كهرباء وبنزين والتي تضخم أزمة المواطن واحتياجه لتلك المواد الأساسية.

السفارات والقنصليات..

وهي مقار أمنية خارج سوريا الهدف منها التلصص على المواطنين السوريين في الخارج وإعاقة معاملاتهم وكتابة التقارير الأمنية بحقهم، وهي تكمل عمل أجهزة الأمن في الداخل، أما العاملون فيها وممن يحتسبون زوراً كعاملين في السلك الدبلوماسي، فيتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي وراتب كل موظف يمكن أن يسد احتياجات أسر بكاملها، وكل ذلك من أجل الهدف الأعلى الذي تسعى إليه وهو تمجيد الرئيس.

الحرس الجمهوري..

وهو مجموع الفرق المخصصة لحماية الرئيس وزوجته وأولاده والمقربين من العائلة، وهؤلاء لا لزوم لهم بالمطلق لو لم يكن الرئيس عدواً لشعبه، ومع ذلك فإن ميزانيات ضخمة مخصصة لضباط الحرس الجمهوري وعناصرهم ومرافقاتهم، ميزانيات من شأنها أيضاً أن تخفف من معاناة المواطن إلى درجة كبيرة فيما لو أعيد تدويرها بما يخدم الصالح العام.

ثمة كثير من الوزارات غير السيادية كوزارة السياحة والأوقاف والعدل، ودوائر متعددة مثل شعب الحزب ومقار الشبيبة والسجون وغيرها والتي لم يعد مطلوباً منها سوى تمجيد الرئيس

القصر الجمهوري..

وهو الأغلى كلفة والأكثر استنزافاً للميزانية بما يضمه من خدم وحرس ومرافقين وبالطاقم الطبي والأمني للرئيس، وهو النقطة التي تلتقي عندها جهود كل المؤسسات الأخرى لنيل رضاها وتوظف كل الطاقات والإمكانات لتعزيز سلطتها وتلميع رأس النظام والعمل أيضاً على تمجيده ومحاولات تعزيز وجوده وضمان فكرة الأبدية.

تلك ليست كل المؤسسات التي تستنزف الميزانية السورية بهدف تمجيد الرئيس، فثمة كثير من الوزارات غير السيادية كوزارة السياحة والأوقاف والعدل، ودوائر متعددة مثل شعب الحزب ومقار الشبيبة والسجون وغيرها والتي لم يعد مطلوباً منها سوى تمجيد الرئيس.

باختصار، فإن المجال الوحيد المسموح فيه للسوري القابع تحت سيطرة النظام بالحركة هو أن يقوم بدوره المطلوب منه في تمجيد الرئيس، فكيف يمكن لبلد كهذا أن يستمر وإلى متى؟ بلد أرغم على وقف كل موارده وإمكاناته وطاقاته لشخص واحد، بلد بات اسم رئيسه أكبر منه، أو فرض ذلك عليه، وفي حيث يعض الجوع بطونَ السوريين والحاجة والفاقة تكبر وتتضخم، لا يبدو لدى الرئيس سوى همٍّ واحدٍ وهو مزيدٌ من التمجيد والمديح، وتحويل ارتكاباته وخياناته إلى بطولات خارقة وخنق أي صوت قد يرتفع للمطالبة بحق البلد في شيء من الكرامة.

إن المأساة الحقيقية للسوريين لا تكمن فقط في موتهم وتشردهم وتهجيرهم وإبادة أعداد كبيرة منهم، بل في بقاء قاتلهم حراً طليقاً مع إجبارهم على تمجيده وتسديد فاتورة ذلك التمجيد من مستحقاتهم كمواطنين، وتقديم الشكر للرئيس على بقائه بقوة الإجرام والعنف والوحشية وبقوة الحليف المحتل، وبحكم الاختلال في توازن المعادلة الدولية والتي يتعيش الأسد على تناقضاتها مستمتعاً بما آلت إليه سوريا من دمار وذلّ في آن واحد.