من حماس إلى طالبان.. المصالح والمبادئ

2022.07.17 | 05:10 دمشق

من حماس إلى طالبان.. المصالح والمبادئ
+A
حجم الخط
-A

تشترك حركتا حماس وطالبان في سعيهما إلى الشرعية الدولية، وفي وقوعهما تحت مقادير من العزلة؛ ما يحجِّم دوريهما، وقد يهدِّد سلطتيهما، أمام متطلَّبات الحُكم، والمسؤوليات تُجاه المواطنين.

كما أنهما تتقاطعان، وإنْ بتفسيرات مختلفة، وبدرجات متفاوتة، في تبنّي الإسلام، مكوِّنا مرجعيّا، وحاكمًا في تصنيف الأصدقاء والأعداء، أو ما يندرج، وفق المفهوم الديني العقدي، في الولاء والبراء.  

 لكن أين هما واقعيًّا، وبالممارسة السياسية، من الالتزام بهذا الإطار المبدئي المفترَض؟

في البدء، يلزم الانتباه إلى درجة الصلة التي ارتضتها كلٌّ من الحركتين، بالإسلام، بوصفه مرجعيّة، فثمة فرق يكاد يكون نوعيًّا بين حماس وطالبان، فالأولى تقدِّم الصفة الوطنية، وكأنها لا تريد أن تصنّف حركةً إسلامية، وأن تتحمّل تبعات هذا التصنيف، وهذا يظهر في تعريفها بنفسها: "حماس حركة تحرُّر وطني، ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تحصر نضالها وعملها في قضية فلسطين، ولا تتدخل في شؤون الآخرين". وفي وثيقة حماس التي أصدرتها في الأول من مايو/أيار 2017، باسم "وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس"، في مادَّتها الأولى: "حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هي حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها".

أين هذا الالتزام من التخبُّط، أو التخلِّي، الذي يتجلَّى في علاقة حماس بنظام الأسد؟ ومِنْ قبله إيران، وأين شعورها المتضامن مع أبناء أمَّتها في سوريا، والعراق واليمن؟

 فوَفْقًا لمنطق الحركة الداخلي، ولكونها "ذات فكر إسلامي"، أو بحكم مرجعيتها الإسلامية، فإن حماس ملزمة بالتعالُق مع قضايا أمتها الإسلامية، وأن تكون مواقفها السياسية منسجمة، (حتى لا نقول منبثقة) مع هذا "الفكر الإسلامي"، ومع تلك المرجعية الإسلامية!

فأين هذا الالتزام من التخبُّط، أو التخلِّي، الذي يتجلَّى في علاقة حماس بنظام الأسد؟ ومِنْ قبله إيران، وأين شعورها المتضامن مع أبناء أمَّتها في سوريا، والعراق واليمن، (الذين وقعوا ضحية القتل أو الظلم أو التشريد، أو التهجير، أو انتهاك الأعراض، أو كل ذلك) على يد إيران، أو الميليشيات التابعة لها، أو على يد نظام الأسد، وحزب الله؟ ألا تسمح تلك المرجعية الإسلامية، (إنْ لم تكن توجب)، بإظهار مشاعر التضامن مع الضحايا، والتنديد بالظالم؟!

 بعد أن أظهرت قيادات في حماس مثل هذا التضامن مع الشعب السوري المظلوم، بدايات الثورة السورية، عادت، وعكست مسارها؛ ليكون الميل نحو إيران وحلفائها، حتى خالفت معهودها، أخيرًا، حين بعث إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، تهنئات عيد الأضحى إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، وبذلك تكون حماس، رسميًّا، قد وسعَّت دائرة الاسترضاء، لإيران؛ بتظهير الحوثيين عنوانًا، وممثِّلًا، لليمن واليمنيين، وهذا تدخُّل واضح "في شؤون الآخرين" بل هو انحيازٌ إلى طرف من أطراف الصراع.  

أما حركة طالبان فهي، سواء بوصفها حركة، أو وهي حاكمة، ليست ذات توجه أُمَمي، مع إصرار واضح على الالتزام بالحُكم الشرعي، وتطبيق الشريعة، حاصرةً التشريع بالله، لا بالشعب. ومع أن الحاكم في دولة طالبان يُلقَّب بأمير المؤمنين، إلا أنهم لا يرون دولتهم إلا للشعب الأفغاني، وفي حدود أفغانستان.

 طالبان، بعد تجشُّمها أعباء الحكم، في بلد لم يكد يتعافى من آثار الحرب، لتحظى بحكَّام لم يُشهَد لهم بالنزاهة، من حامد كرازي، إلى أشرف غني، تحاول إثبات جدارتها بحكم البلد، ولكي تتفرغ لهذه المهمة، تعهَّدت بمنع انطلاق أيّ هجمات تستهدف دولًا أخرى، بعيدة، كأميركا، أو قريبة كالهند، وهي الآن في منطقة استراتيجية حرِجة، بعد أن لم تنل من الباكستان ما كانت تتوقّع، أو تتمنّى، من دعم.

 وفي الجوار دولتان تطمعان في ملء الفراغ، هما الصين والهند، وبرغم من أنَّ أيًّا منهما لم تعترف، رسميًّا، بدولة طالبان، إلا أن ذلك لا يمنع من أشكال من التعاون والاتصال، وثمة علامات على تقدّم الهند، ولو تحت غطاء المساعدات الإنسانية.

فيما أفغانستان، وطالبان في أمسّ الحاجة إلى مثل تلك المساعدات، وبالفعل: "أرسلت الهند إليها، مؤخَّرًا، وبعد الزلزال الذي ضرب البلاد، 20000 طن من القمح، و 13 طنًا من الأدوية، و 500000 جرعة من لقاحات COVID، وهي في طور شحن المزيد من الإمدادات الطبية والحبوب".

والمأمول، هنديًّا، تعاون طالبان مع الهند ضد جماعات جهادية تحررية تعمل ضد الهند، ومن أجل تحرير كشمير، بالرغم من دعم باكستان لتلك الحركات، بل بالرغم من الروابط بين تلك الحركات وطالبان، ودعمهما لها في جهادها ضد الاحتلال الأميركي، وحلفائه من قوّات الناتو.

ووفقًا لـ " فورين أفيرز"، تواجه طالبان تكاليف تتعلق بسمعتها من الارتباط بالحزب الحاكم في الهند، حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، الذي يتمتع بسجِّل حافل من الاتِّجار في الخطاب المعادي للمسلمين. يمكن أن تؤدي علاقة أقوى مع الهند أيضًا إلى ردِّ فعلٍ سلبي من المتشددين في طالبان، وغيرهم من الجهاديين؛ مما قد يضغط على تماسُك طالبان".

لعل السبب الأهم في هذه التناقضات التي تعتري حركتي حماس وطالبان، يعود إلى خلل التكوين، وقصور في عناصر الدولة

وبغض النظر عن مقادير الفوائد الفعلية التي يمكن أن تقدمها طالبان في مكافحة تلك الجماعات، فإن الاستعداد للدخول في تلك الجهود يمثل إشكالًا في توجُّهات الحركة واتِّساقها الفكري والشعوري، بين أعضائها وقياداتها، وبينها وبين انتمائها الأوسع للمسلمين، التي تستفز الهند مشاعرَهم، على نحو صارخ ومؤلم، وتحتل أرضًا إسلامية، هي كشمير. 

هذا، ولعل السبب الأهم في هذه التناقضات التي تعتري حركتي حماس وطالبان، يعود إلى خلل التكوين، وقصور في عناصر الدولة، مع أن النقص في حركة حماس أكبر، فهي لا تحكم إلا قطاع غزة المحاصرة من الاحتلال، والتي لم تتحرر فعلًا، ثم هي محكومة بعلاقات مقبولة مع النظام في مصر، منفذها إلى العالم. وإذا كانت طالبان تدفعها إلى التنازلات هي الحاجات الحيوية المعيشية، فإن ما يدفع حماس هو الحفاظ على دورها كحركة تكتسب شرعيتها المحليّة، وشعبيتها في العالم العربي والإسلامي، من المقاومة، مع أن روح هذه المقاومة يستند إلى العدالة ورفع الظلم. 

وأفغانستان دولة حبيسة، ومنهَكة، فإذا تعرضت لكوارث طبيعية، أو أوبئة، أو ما شاكل فهي محتاجة إلى علاقات إيجابية مع دول خارجية، بخلاف حركة حماس، فما تقدِّمه إيران يتركَّز في الجانب العسكري، أما الجوانب الإنسانية والمعيشية فتشترك في تلبيتها، أو تلبية جزء منها، كلٌّ من السلطة الفلسطينية، ومصر وقطر، وغيرها، وحتى دولة الاحتلال بزيادة عدد تصاريح العمل، وما شاكل، فضلًا عما تقدِّمه الأمم المتحدة، ووكالة الغوث.

وأيًّا كان، فإنَّ تعامي الحركتين عن مرجعيتهما الإسلامية، وفيما يشبه خذلان المظلومين، أو المضطهدين، الواقعين في دائرة الإخوة الإسلامية، يعيدنا إلى الشعار الانكفائي، وقد تقوله بلسان الحال، إذا لم تقله بلسان المقال:" حماس أوَّلًا"، أو" طالبان أوَّلًا"، والحالة هنا، أننا نخشى أن يكون الأدق:" حماس، أوَّلًا وأخيرًا" أو " طالبان أوَّلًا وأخيرًا".